نتطرق اليوم إلى مدى تأثر لغة الملايو بالعربية، والذي لعب فيه الإسلام دورا محوريا منذ دخوله إلى شبه جزيرة الملايو وما يجاوره من أقطار في جنوب شرق آسيا على أيدي التجار والرحالة العرب، ولاسيما أولئك الأخيار الذين إنطلقوا إليها في القرون الغابرة من اليمن وحضرموت وعمان.
وبداية لابد لنا من الإشارة إلى أن لغة الملايو تسمى “بهاسا ملايو” ويتحدث بها سكان شبه جزيرة الملايو وجنوب تايلاند المسلم وبعض سكان سنغافورة من ذوي العرق الملايوي، إضافة إلى سكان مملكة بروناي وبعض سكان سواحل إقليم بورنيو الماليزي. وعليه فإن عدد المتحدثين بها يصل إلى نحو 30 مليون نسمة. غير أن هذا الرقم يتضاعف لو أخذنا في الحسبان أن “البهاسا”، التي تكتب بالحروف اللاتينية، لا تختلف كثيرا عن اللغة الرسمية الدارجة في أندونيسيا (كبرى الدول الإسلامية لجهة عدد السكان)، وإنْ كانت تحمل إسما مختلفا لأسباب سياسية هو “بهاسا اندونيسيا”، علما بأن المتحدثين بالأخيرة كلغة أم يصل عددهم إلى نحو 30 مليون نسمة، وعدد المتحدثين بها كلغة ثانية بعد الجاوية والمينانكاباوية يصل إلى رقم مشابه أو أكثر.
وكنتيجة لخضوع الجزر والسلطنات والأراضي الاندونيسية والماليزية وما يجاورها عبر الزمن للغزوات الأجنبية والاستعمار الغربي الطويل فإن لغة شعوبها تأثرت بالكثير من مفردات اللغات السنسكريتية والبرتغالية والهولندية والصينية والانجليزية. فعلى سبيل المثال أخذت من السنسكريتية مفردة “بهاسا” التي تعني لغة، ومن الانجليزية مفردات “بوكو” أي الكتاب، و”سيستم” أي المنظومة، و”سينس” أي العلوم. وأخذت من الهولندية مفردة “يا” بمعنى نعم، ومن الصينية مفردة “باك سو” بمعنى كرات اللحم.
على أن “بهاسا ملايو” و”بهاسا أندونيسيا” تزخران بما لا حصر له من مفردات عربية صحيحة أو ذات جذر عربي، كون اللغة العربية دخلت هذه البلاد عبر بوابة الدين الاسلامي الذي تعتنقه الغالبية العظمى من سكان اندونيسيا وماليزيا وجنوب تايلاند وكل سكان مملكة بروناي تقريبا. ونجد تجليات ذلك في عبارات التحية والسلام والوداع والاعتذار. حيث تتردد مفردة “سلامات” في عبارات صباح الخير ومساء الخير وتصبح على خير فيقال “سلامات باغي” و “سلامات بيتانغ” و “سلامات تينغال” على التوالي. وتستخدم مفردة “معاف” العربية في مقابل “عذرا”، ويقال “سايا تيداك فهم” في مقابل “لا أفهم”.
ويمكن تقسيم المفردات العربية التي دخلت لغة الملايو إلى أربعة أقسام:
القسم الأول ويشمل المفردات العربية التي تستخدم كما هي دون تغيير في النطق ومن أمثلتها: زرافة، بدن، الجبر، كتاب، هدية، كرسي، إجازه، جدول، كافر، مجلس، مسجد، موت، مسكين، مفلس، مرتد، نجس، فتوى، ترتيب، وجه، زكاة، زنا، زمن، زيتون، جهنم، ولايه بمعنى الإقليم، دنيا بمعنى عالم، ، أول بمعنى البداية، أدب بمعنى متحضر، لسان بمعنى الفم، دفتر بمعنى قائمة، يوناني أي من اليونان.
القسم الثاني ويشمل المفردات العربية التي تستخدم مع التغيير في طريقة نطق بعض حروفها الصعبة على لسان غير الناطقين بالضاد. حيث الحاء تقلب هاء، والقاف والخاء تحولان إلى كاف، والضاد تحول إلى دال، والصاد إلى سين، وهكذا. ومن أمثلة هذه المفردات: كاموس(قاموس)، تاريك(تاريخ)، أخلاك(أخلاق)، آكر(آخر) فكير(فقير) أسلي(أصلي)، بهاري(بحري)، هالال(حلال)، هارام(حرام)، هايوان (حيوان)، هيجاب(حجاب)، كربان(قربان بمعنى أضحية)، مآف(معاف من العفو وتستخدم في مقام عذرا)، سبر(صبر)، سوْم(صوم)، سلاة (صلاة)، كيتان (ختان)، واهيد (الرقم واحد)، سنين (يوم الأثنين)، كاميس (يوم الخميس)، سيلاسة(يوم الثلاثاء)، آكيل(عاقل)، منافك(منافق).
القسم الثالث ويشمل المفردات العربية التي تستخدم مع بعض الإضافات، أو تغيير الحروف ولاسيما حرف الشين التي يصعب على أبناء هذه اللغة لفظها فيحولونه إلى السين، ومن أمثلة مفردات هذا القسم: سريئة بمعنى شريعة، سنـّت (السنة)، سورت (سورة) سوكر (شكر)، سحـّت (صحة)، واكتو بمعنى الوقت، جومات(يوم الجمعة)، رابو(يوم الأربعاء من ربوع)، عبدي (الخادم من عبد)، دكوه (دعوه)، مونغكن(ممكن)، علمو(العلم)، جائيل (جاهل)، مكنى (معنى)، أندا(أنتَ)، سابتو(يوم السبت).
القسم الرابع ويشمل المفردات الفارسية أو ذات الجذر الفارسي التي تستخدم في لغة الملايو على أنها من العربية، ومن أمثلتها: بازار(السوق)، بندر(الميناء)، ديوان(المجلس)، ميدان(الساحة)، فردوس(الجنة)، بهلوان(الشجاع)، تاكت(من تخت بمعنى السرير)، سيهبندر(من شاهبندر بمعنى كبير القوم)، كسمس(من كشمش بمعنى الزبيب)، نوكودا (من النوخذا أي قبطان السفينة)، بياله (فنجان الشاي الصغير)، غاندوم (القمح)، أنغور (العنب).
أما عن الجهود التي بذلت وتبذل لتدريس العربية لأبناء الملايو وسواهم من الشعب الماليزي فهي كثيرة ومتنوعة، ولا يقف أمامها عقبات كأداء سوى وجود المدارس المتخصصة ذات الأساليب العلمية في التدريس، وإلا فإن الملايويين منفتحون على تعلمها باعتبارها لغة القرآن، ناهيك عن وجود أكثر من 3300 مصطلح ومفردة عربية ضمن “بهاسا ملايو”. ومن المناسب في هذا السياق أن نشير إلى أن الدكتور عبدالله محمد زين المستشار بمكتب رئيس الحكومة الماليزية كان قد أعلن بأن حكومته قررت إعتبار عام 2005 عاما تدرس فيه العربية تحدثا وكتابة وقراءة في جميع المدارس الابتدائية الحكومية كفرض عين. وفي عام 2011 سجل عن عبدالله أحمد بدوي رئيس الحكومة الماليزية السابق قوله في افتتاح مؤتمر “الحضارة الإسلامية والهوية الملايوية” في مدينة ملقا الماليزية “لا مانع أن تكون اللغة العربية جزءا هاما من نظام التعليم الوطني في ماليزيا، فهي هامة جدا للملايو لكونها اللغة التي تحمل تعاليم دينهم الإسلامي, كما أن تعلمها سيضيف بعدا جديدا للعلاقات مع الدول العربية في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية”، خصوصا وأن لدى الأعراق الأخرى المكونة للشعب الماليزي مدارسها التي تعلم فيها الصينية الماندرينية، والتاميلية الهندية.
ELMADANI@BATELCO.COM.BH
*باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين