الاحزاب الباكستانية الدينية المتعاطفة مع القضية الإيغورية لم تحرك ساكنا، خشية أن تــُغضب بكين.
استوقفني مؤخرا تصريح منشور في صحيفة “ذي نيشون” الباكستانية أدلى به وزير الدفاع الباكستاني خواجة محمد آصف في بكين على هامش إحدى المنتديات الأمنية وجاء فيه أن بلاده قد تمكنت من تصفية وإجتثاث كل المقاتلين الإيغور المتواجدين على أراضيها من أتباع حركة تركستان الشرقية الإسلامية (يعرفون في باكستان بطالبان الصين) بمن فيهم زعيمهم “حسن محسوم”، وأن باكستان سوف تبقى متيقظة للحيلولة دون عودتهم مجددا، وأنه لا خلافات إطلاقا بين بكين واسلام آباد حول مبدأ التخلص بكل الوسائل من هذه “الآفة” على حد قوله.
والمعروف ان الصين، الحليفة الاستراتيجية الكبرى لباكستان، كانت قد لامت إسلام آباد مرارا على عدم قيامها بعمليات ملاحقة للمقاتلين الإيغور الصينيين المنتشرين في المناطق القبلية الخارجة عن سيطرة الدولة الباكستانية مثل منطقة شمال وزيرستان، بل وحثّتها على إجتثاثهم بأسرع وقت خوفاً من اتساع نطاق نشاطهم الإرهابي في إقليم شينغيانغ (تركستان الشرقية) وخارجه، علما بأن هذا الإقليم يقع على حدود الصين مع باكستان وأفغانستان، ويقطنه صينيون إيغور مطالبون بالإستقلال إلى جانب صينيين من عرق “الهان” الذين تزايدت نسبتهم بفضل سياسات الإستيطان الرسمية حتى باتوا يشكلون نصف سكان الإقليم تقريبا.
ومن هنا يمكن وصف تصريحات الوزير الباكستاني بأنها تعهدات إستباقية غرضها إزالة أي عراقيل قد تفسد إتمام ما وُصف بأنه أكبر صفقة عسكرية تبرمها الصين مع دولة أجنبية لتزويدها بالسلاح في إشارة إلى عزم بكين تزويد إسلام آباد بثماني غواصات متطورة، مع منحها المزيد من المساعدات والقروض. ولم ينسَ المسئول الباكستاني أن يكرر أمام مضيفيه ما يفعله عادة كل زملائه في المناسبات المشابهة وهو استدرار العطف عبر الحديث المطول عن تضحيات باكستان المادية والبشرية في سبيل محاربة الإرهاب وتحقيق الأمن والإستقرار في الداخل وفي الجوار الاقليمي، دونما الإشارة ــ بطبيعة الحال ــ إلى دور الدولة وأجهزة المخابرات الباكستانية في تدريب الميليشيات الأفغانية الجهادية، وخلق حركة طالبان، وإحتضان بعض رموز تنظيم القاعدة، وتوفير الملجأ الآمن لأسامة بن لادن، ناهيك عن دعم وتدريب العشرات من التنظيمات الاسلامية المتطرفة كجيش محمد، ولشكر طيبة، ولشكر جهنكوي، وشبكة سراج الدين حقاني وغيرها.
كل ما سبق لم يكن غريبا البتة. فالتعاون الصيني الباكستاني قديم ومعروف ويغطي كافة المجالات، ولعل ما عززه ووطده أكثر هو نظرة البلدين العدائية المشتركة للهند. كما أن ما قاله الوزير خواجة آصف لم يكن غريبا أيضا، إذ سبقه إليه الرئيس الباكستاني “ممنون حسين” أثناء زيارته إلى بكين في مايو 2014 حينما خاطب نظيره الصيني شي جينبينغ قائلا “إن المقاتلين الإيغور هم أعداء مشتركون لبلدينا”. وسبقه إليه أيضا رئيس الحكومة الباكستانية نواز شريف الذي قال أثناء زيارته لبكين في نوفمبر 2014 ما نصه: “سنواصل بحزم محاربة القوات الإرهابية لحركة تركستان الشرقية الإسلامية، كما سنعزز التنسيق مع الصين حول أفغانستان للحفاظ على السلام الإقليمي والاستقرار، وسنفعل كل ما في وسعنا لضمان سلامة الشركات الصينية وعمالها على أراضينا من الهجمات الارهابية”. ومن الجدير بالذكر أن شريف، منذ وصوله الى السلطة في عام 2013 ، قام بالعديد من الإجراءات للتضييق على أبناء الجالية الإيغورية المقيمين في باكستان منذ أمد والبالغ تعدادهم نحو 3 آلاف شخص، وترحيل العديد من طلابها الدارسين في الجامعات الباكستانية، وإغلاق معظم مراكزها الثقافية، وذلك كعربون محبة وصداقة لبكين، وكمقابل لقروض ومساعدات بعشرات البلايين من الدولار لتمويل منشآت نووية قوتها الف ميغاوات، وتحديث البنى التحتية المهترأة، وإنشاء طريق سريع يربط ما بين إقليم شينغيانغ وميناء غوادر الباكستاني على بحر العرب الذي تديره الصين. ومن المفيد في هذا السياق أن نشير إلى أن كل الاحزاب الباكستانية الدينية المتعاطفة مع القضية الإيغورية لم تحرك ساكنا، إزاء خطوات شريف هذه، خشية أن تتسبب في غضب بكين.
وجملة القول أن إسلام آباد بادرت إلى عمل شيء ما لكبح جماح المقاتلين الإيغوريين المدرجين على لائحة الأمم المتحدة للتنظيمات الإرهابية منذ عام 2002 ممن يهددون وحدة وإستقرار وأمن حليفتها الصينية، بل شنت عليهم وعلى نظرائهم من الجهاديين الأوزبك والأفغان غارات جوية ساحقة، بُعيد الهجوم الدموي على مطار كراتشي في يونيو 2014 ، وتعهدت بمواصلة إجتثاثهم من أجل سواد أعين الصينيين الذين لا يرتبطون مع شعبها بروابط العقيدة والتاريخ. لكن الغريب أنها لم تتحمس لفعل الشيء ذاته مع تنظيم القاعدة الذي كان يمارس الإرهاب ضد إخوتها في الدين من العرب وتحديدا المملكة العربية السعودية التي أغدقت عليها من المساعدات والقروض والهبات والنفوط المجانية ما لا حصر له على مدى العقود الخمسة الماضية.
صحيح أن قادة القاعدة واتباعها إتخذوا من أفغانستان، وليس باكستان، معقلا لهم وملاذا آمنا لأعمالهم الإجرامية، لكن الصحيح أيضا هو انتقالهم إلى شمال باكستان منذ سقوط نظام طالبان في كابول في عام 2001. هذا ناهيك عن أن الحكومة الباكستانية كانت لها دالة على حركة طالبان وقادتها لأنها هي التي خلقتها ومهدت السبيل أمامها للإستيلاء على السلطة في كابول في عام 1996 ، وبالتالي كانت قادرة على الضغط عليهم للجم أنشطة القاعدة الدموية التي استهدفت تحديدا أمن واستقرار المملكة العربية السعودية، وهو ما لم تفعله إسلام آباد على الرغم من أدبياتها التي تصف السعودية بأكثر الدول العربية والإسلامية قربا لها.
Elmadani@batelco.com.bh
*أستاذ في العلاقات الدولية متخصص في الشأن الآسيوي من البحرين