إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
القيادات الفلسطينية من غياب الضميرالى الفساد المُمَنّهج
“لن أقبل إطلاقاً بخطة السلام الأمريكية”! هذا ما صرح به محمود عباس رئيس منظمة التحرير الفلسطينية اليوم 1 فبرايرشباط 2020م في الاجتماع الطارئ للجامعة العربية بعد اعلان “صفقة القرن”. كما دعا الدول العربية لتوحيد القرار ضد الصفقة.
وكالعادة، لم استغرب من هذا التصريح. فـ(دولة فلسطين)، والتي تتكون من حكومتين، الأولى في الضفة الغربية وتتألف من رئيس حكومة ونائب الرئيس و22 وزيراً، اضافة الى رئيس السلطة؛ والحكومة الثانية في قطاع غزة تتشكل من رئيس وزراء و9 وزراء. افراد هاتين القيادتين، وعوائلهم، يتربعون على عروش مالية خيالية تُقدر بعشرات المليارات من الدولارات الامريكية، مصدرها الفساد المالي المتنامي التي مارسته الحكومات الفلسطينية المتعاقبة. هذا الفساد، نظام متجدد و هيكلي في الجسم السياسي الفلسطيني، حكاياته تعود إلى أيام “منظمة التحرير” في لبنان حيث كانت الأموال تُصرف دون رقيب أو حسيب، في الوقت الذي كان يستقطع فيه من كل فلسطيني يعمل في الدول العربية ما قيمته 5% من الراتب. لا ينبغي اعتبار الفساد في مؤسسات السلطة الفلسطينية مسألةَ تجاوزات إدارية ومالية بحتة يرتكبها أفرادٌ غيرُ مسؤولين وبلا ضمير بدافع الجشع والمصالح الشخصية. بل اصبحت فضائح اختلاس المال العام، وسوء استخدام الموارد، والمحسوبية، شغلَ الفلسطينيين الشاغل، وكثُرَ الحديث عن الاستثمارات الخارجية للمنظمة وحسابات بعض قياداتها، بما في ذلك زوجاتهم وأبناؤهم وحياة البذخ والترف التي يعيشونها. يعتقد 81% من الفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة بوجود فساد في مؤسسات السلطة الفلسطينية وفقًا لدراسةٍ استطلاعية حديثة، وأيَّدَ هذا الاعتقاد التقريرُ السنوي الذي أصدره مؤخرًا “الائتلافُ الفلسطيني من أجل المساءلة والنزاهة” (أمان)، فرعُ منظمةِ الشفافية الدولية في فلسطين.
إليكم بعض ارقام الفساد من التاريخ القريب:
- حتى عام 1990 بلغ مجموع ما قدمه أبناء فلسطين من خلال استقتطاع 5% من رواتبهم، 14 مليار دولار، وقُدِّر حجم الاستثمارات في حينها بـ20 مليارا.
- أبرزَ مؤشرُ جيني العالمي “مُعامل جيني” Gini coefficient – نسبة للعالم كورادو جيني”- وهو من المقاييس الهامة والأكثر شيوعا في قياس عدالة توزيع الدخل القومي- التفاوت الهائل في مستويات الدخل بين كبار المسؤولين وبقية موظفي السلطة الفلسطينية. في عام 2013م, ووفقًا للتقارير الأخيرة، يتقاضى بعض مسؤولي القطاع العام راتبًا شهريًا يفوق 10,000 دولار أمريكي بالإضافة إلى امتيازات أخرى. وعلى النقيض، يتقاضى ثلثا موظفي القطاع العام ما بين 515 و640 دولار شهريًا.
- في لقاء مع شبكة CBS الأميركية قبل أعوام ذكر المدير السابق لبنك فلسطين الدولي (عصام أبو عيسى) أن حجم المبالغ التي تمتلكها القيادة الفلسطينية يصل إلى 30 مليار دولار في حسابات خارجية و2 مليار دولار في حسابات داخلية.
- عام 1997 نُشرت تقارير عما عرف بفضيحة معبر كارني (أو معبر المنطار وهو معبر حدودي بين إسرائيل وقطاع غزة) عندما تم الكشف أن 40% من الضرائب المحصلة من الاحتلال عن رسوم المعبر والمقدرة بمليون شيكل شهريا كانت تحول لحساب “سلطة المعابر الوطنية الفلسطينية” التي اتضح فيما بعد أنها حساب شخصي لمدير جهاز الأمن الوقائي في حينه محمد دحلان!
- بتاريخ 09/11/2003 وفي برنامج 60 دقيقة الأميركي الشهير وبالاستعانة بالخبير المالي (جيم برنس)، توصلت التحقيقات أن حجم الاستثمارات السرية للقيادات الفلسطينية تقدر بالمليارات، بل وحددت المصارف المودعة فيها.
- في 05/03/2003 استطاع (سلام فياض) الوصول إلى 600 مليون دولار من الاستثمارات التي كانت مغيبة عمداً.
- ذكر تقرير لصندوق النقد الدولي نشر عام 2003 أنه تم تحويل 900 مليون دولار بين عامي 1995 و2000 من الميزانية الرئيسية للسلطة الفلسطينية إلى حساب مصرفي خاص باسم عرفات.
- في 11/12/2004 وجه (فاروق القدومي) في تقرير نشرته صحيفة “الخليج” اتهاما لمحمد رشيد بسرقة مئات الملايين من الدولارات، وقال إنه تم استعادة 600 مليونا منها.
- في عام 2002 أوقف الرئيس الأسبق للصندوق القومي الفلسطيني (جاويد الغصين) بتهمة اختلاس الملايين وتم تسليمه للسلطة، لكن بقدرة قادر غادر ومعه الملايين التي لم يستعد منها شيء، وفي إطار الرد على اتهامه قام بدوره بتقدير ثروة (عرفات) الشخصية بما بين 2 و3 مليارات دولار.
- في 2003 فتحت فرنسا تحقيقا تمهيديا بشأن تحويل مبالغ مالية كبيرة مجهولة المصدر إلى حساب (سهى الطويل) زوجة عرفات في باريس، وفتحت تحقيقات عن نقل أموال مشبوهة بين مصرف سويسري ومصرفين في باريس هما “بي إن بي” و”أراب بنك” لمبالغ تصل إلى 11.5 مليون يورو.
- بعد وفاة عرفات مباشرة زعم تقرير صحفي بريطاني في صحيفة صنداي تايمز أن سهى الطويل أرملة ياسر عرفات ستحصل بناء على صفقة مع (أحمد قريع) على ما يعادل 13 مليون جنيه إسترليني ومعاش مدى الحياة يقدر بملايين أخرى من أموال السلطة الفلسطينية بخلاف نفقات ابنتها زهوة (تسع سنوات) حتى بلوغها سن الثامنة عشرة. وذكرت الصحيفة أن الصفقة تتضمن حصول سهى على سبعة ملايين جنيه إسترليني فورا بالإضافة إلى 800 ألف جنيه إسترليني سنويا لحين بلوغها سن التقاعد ثم يصرف لها 300 ألف جنيه إسترليني سنويا. وأضافت أن الصفقة تضمنت وضع ابنة عرفات على قائمة نفقات السلطة الفلسطينية لحين بلوغها سن الثامنة عشرة وعندها تحصل على 45 ألف جنيه إسترليني سنويا لحين بلوغها سن الخامسة والعشرين.
***
فهل يا اخوان تتوقعون من هكذا قيادة اباحت كل محظور حتى تبني هذه الامبراطورية المالية الضخمة من دماء الشعب الفلسطيني ان تتخلى عنها بكل سهولة بأبرام اتفاقية سلام مع اسرائيل قد يُفرض عليها بالمستقبل نظام انتخابات حرة و نزيهة تأتي بحكومة فلسطينية ديمقراطية تلاحقهم وتُحاسبهم على جرائم السرقة والأختلاس و القتل والتعذيب؟
- ان حديث الساسة الفلسطينيون عن سوء الاحوال المعيشية والفقر والحرمان في الاراضي المحتلة والمخيمات في المؤتمرات والاجتماعات وفي وسائل الإعلام بأنواعها لا تنفع إلا للإستهلاك العربي المحلي. فالعالم المتحضر يعرف بالأرقام حجم الفساد التي تمارسه السلطة والقيادات الفلسطينية.
- ثم ان العالم لا ينظر الآن الى القضية الفلسطينية باعتبارها من القضايا ذات الأولوية في الشرق الاوسط. فهناك احتلال ايراني بكل معنى الكلمة لأربعة عواصم عربية,، دمار شبه كامل في معظم المدن السورية الكبيرة، 500 الف قتيل، و13 مليون لاجئ ونازح سوري، اي ما يُعادل 3 اضعاف سكان الضفة وقطاع غزة. وبالامس، كان هناك نزوح اكثر من 700 الف سوري من (محافظة ادلب) نحو الحدود التركية. لبنان في أسوأ أحواله بلد فقير، مفلس، تأكله المشاحنات السياسية، والعراق ليس أحسن حالاً.
- هذه “الصفقة“، مثل أي صفقة سياسية أو تجارية، لا يمكن عزلها عن الظروف التي تمّت في ظلها. أنها صفقة أمريكية– إسرائيلية بجدارة، لا احد يستطيع ان يُنكر ذلك. لكن الأهم من هذا هو إدراك امريكا وإسرائيل مدى عجزِ الجانب الفلسطيني ومن معه من العرب وغير العرب على الرفض والمواجهة والتحدي. فأصحاب القضية أنفسهم تَحوّلوا الى كيانين منفصلين متناحرين، وفي “اجتماع المصالحة”، السنة الماضية في القاهرة، انتهى الاجتماع بالسباب والشتائم المُتَبَادل بين مندوبي فتح وحماس.
- وكما عَلّمنا التاريخ الحديث, أيُّ صفقة سياسية مبرمة بين طرفين، لا بد لها من تنازلات من جانب الطرف الضعيف الذي لا يملُك بدائل…. (علي عزت بيغوفيتش)، أول رئيس لجمهورية البوسنة والهرسك، ناشط سياسي بوسني وفيلسوف إسلامي، بعد انتهاء حرب البوسنة والهرسك (1993-1995)، وافق في (اتفاقية دايتون) في الولايات المتحدة في ديسمبر 1995م على تقسيم (البوسنة) والتخلي عن ثلث اراضيه حقناً لدماء شعبه الذي خاض الحرب الأكثر تدميراً في أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية التي راح ضحيتها حوالي 100,000 قتيل وتم اغتصاب ما يقدر بـ 20,000، وتشريد أكثر من 2.2 مليون شخص.
- الصين بعظمتها تَخَلّت عن كثير من مبادئ زعيمها الراحل (ماوتسي تونغ), واندمجت في التجارة العالمية مع امريكا واصبحت ثاني اقتصاد عالمي من ناحية الناتج القومي.
- اليابان، أقرت لأمريكا بالهزيمة في الحرب العالمية الثانية، وتحالفت معها، وهي التي احرقت مدينتي (هيروشيما) و(ناجازاكي) وقتلت وشوهت 200الف ياباني. وها هي اليابان الآن سبقت اوروبا في التقدم والإزدهار.
وأخيراً، كفاية وَهَم الدولة في الضفة وما تولّد عنه من طبقة فاسدة تَتَمصلح من حماية إسرائيل تماما ككل الانظمة الديكتاتورية التي تحمي مصالح من يحميها ضد شعوبها.
وكفاية وَهَم وخداع التبعية لإيران وبوقها في بيروت. إنها عنتريات تخدم إسرائيل لا قضية الشعب الفلسطيني.
ولقد تحدثنا بالتفصيل عن القضية الفلسطينية والفرص الضائعة في مقالة (100 عام على وعد بلفور والرأي الآخر)
تحياتي لكم….