اسم الكتاب: الوجه الحقيقي لفيسببوك في الهند،
المؤلفون: بارانجيت غوها تهاكورتا وسيريل سام
الناشر: آمازون، اللغة: هندي، عدد الصفحات: 230
The Real Face of Facebook in India
قبل فرز الأصوات في الانتخابات العامة التي جرت في هذا العام كان حزب المؤتمر الهندي وأحزاب المعارضة الأخرى قد أعربوا عن ذهولهم بسبب توقعات استطلاعات بثتها القنوات التلفزيزنية بفوز كبير لحزب “بهارتيا جاناتا ” (“بي جيه بي”، باختصار) الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء مودي وحلفاؤه. وزعموا أن ثمة محاولة للتلاعب بالقرار لصالح حزب “بهارتيا جاناتا “ عن طريق استبدال آلات التصويت في بعض المناطق.
وإثباتاً لهذه التهمة أشاروا إلى مركبات تحمل ماكينات تصويت جيدة منعها الناس حين وصلت مراكز الاقتراع. ولكن لجنة الانتخابات رفضت هذه المزاعم بتبريرات شتى. والمحكمة العليا أيضا رفضت طلبات لعد أعداد محددة من الأصوات من جديد للتأكد من صحة أعدادها. وإلى ذلك كانت مفوضية الانتخابات في تاريخها بدت هذه المرة منحازة جدا في حكمها لصالح لحزب الحاكم في شأن عدد من شكاوى قدمتها أحزاب سياسية أمامها.
ومهما كان الأمر كان هناك سؤال يدور في خلد الناشطين السياسيين، وذلك هل أن الناخبين هم وحدهم من أدلوا أصواتهم في هذه الانتخابات؟ أم هل كان هناك دور مذكور لأي طرف آخر خارج الناخبين في فوز “ناريندرا مودي” وحزبه؟ وهذا الكتاب “الوجه الحقيقي لفيسبوك في الهند” للصحفيَّين الهنديّين “سيريل سام” و“بارانجيت غوها تاركوتا” إجابة وافية لهذا السؤال الملح.
يحاول الكتاب أن يرفع القناع عن وجه انتخابات عام 2014 ويكشف عن دور فيسبوك الشركة الأم لـ“واتساب” في صعود ظاهرة ناريندرا مودي. وكذلك ارتفاع موجات نتائج الانتخابات في عام 2019 أيضا بفوز حزبه الكاسح، حقق “بي جه بي” هذا الفوز الكبير بتشكيل مائتي ألف مجموعة تحتوي كل مجموعة على 250 عضوا أو 50 مليون قارئ الذين يسيرون في خط الحزب يستخدمون “واتساب” للتأثير في نتائج الانتخابات العامة التي جرت في عام 2019 لصالحه.
كانت سنة 2019 سنة جفاف لـشركة فيسبوك بالنسبة لإيراداتها، حيث واجهت عموما انتقادات حادة من جانب اليساريين واليمينيين. ولكن يُشار إلى أن الشركة، رغم ظروفها المالية هذه، قد حصدت بلايين من الدولارات بارتفاع إيرادتها في الهند بقدر 26 % ليضاف مزيد من القوة إلى صوت الانتقادات ضدها. يتهم الكتاب “فيسبوك” بأنه قد در أرباحا هائلة في الهند من خلال تعاونه مع حزب “بهارتييا جاناتا” الحاكم بمنحه فرصة سانحة لتحقيق إنجازات كبيرة سياسيا. ويدّعي الكاتبان في مقدمته بأنه يحتوي معلومات وتفاصيل غنية عن كيفية الدعم التي قام بها فيسبوك لـ“بي جيه بي“. وإن كان الكتاب تحقيقاً صحفياً أكثر من كونه تحليلا عميقا إلا أنه غني بمعلومات مفيدة ومثيرة حيث يكشف عن عمق العلاقات غير النزيهة القائمة بين شركات عملاقة وأحزاب سياسية في الهند.
وللكتاب مقدمتان، مقدمة كتبها الإعلامي البارز “رفيش كومار” الذي حاز على جائزة “ميجسيسي” الفاخرة عام 2019، والمقدمة الثانية كتبها البوفوسير “أبورناندا” رئيس قسم اللغة الهندية في جامعة دلهي.
يُقسَم الكتاب 19 فصلا قصيرا. يوجد في الفصول الأولى تاريخ “فيسبوك” وأضواء على معالم الطريق في تطورات مسيرته. يفحص المؤلفان في الفصول التالية بنظر انتقادي كيف أن “واتساب” و”فيسبوك” لعبا دورا فعالا في تعزيزمصالح الحزب الحاكم “بي جيه بي” في الهند وفي ترويج أجندته الاجتماعية والسياسية ذات التوجه الأغلبي اليميني. ويلقي الكتاب أيضا الضوء على الوسائل غير الصحية التي اتخذتها “فيسبوك” ليصل مكانته الراهنة المسيطرة من خلال الدعم الذي حصلت عليه من رجال مقربين لدى رئيس الهند ناريندرا مودي. نجد فيه نماذج تشير إلى أن “فيسبوك” قامت بتعتيم وتهميش ناقدي حزب بهارتييا جاناتا الحاكم وكيف أن بعض كبار الموظفين في “فيسبوك” اشتغلوا ولاي زالون يشتغلون متعاونين مع الحزب المذكور. هذا التعاون المشترك بين الشركة والحزب وأذرعه المختلفة كان قد بدأ في الحقيقة، كما يقول الكاتبان، قبل 2014. والفصل الثامن يُكثِّف على نماذج تُثبِّت هذا التعاون المشترك. نلتقي فيه شخصا يسمى “شيفا ناته توكرال“. وهو صحفي سبق أن عمل في قناة “أن دي تي في” كما اشتغل في شركة “كاارنيج إينديا” بصفته كعضو منتدب، كان يربطه العمل بـ“جوشي” أحد مساعدي مودي القريب. تمهيدا للانتخابات العامة التي ستجري في عام 2014 قاما معا في عام 2013 بتأسيس موقع باسم “ميرا بهاروسا” (“إعتمادي“) وبإعداد صفحات مواقع أخرى لـ بي جيه بي. وفي عام 2017 بعد التخلي عن منصبه في “كارنيج إينديا” التحق بـ”فيسبوك” كمدير السياسة للهند وجنوب آسيا. كان غريبا أن يحتل شخص قريب من الحزب الحاكم بمكان مرموق في مؤسسة إعلامية تدّعي أنها غير منحازة. وقد سبّب هذا التذمر داخل أروقة “فيسبوك” ذاته.
ينقل الكتاب قول السيدة “كاتي هاربهات” المديرة لقسم السياسة الدولية والحكومات في فيسبوك بانها كانت غير راضية في أن يكون المسؤولون الكبار في “فيسبوك” المقربين من حكومة مودي. وإن كان هذا القول منقولا عن مصدر مجهول، إن هذه التهمة المنسوبة إلى علاقة توجد بين صرح إعلامي عالمي عملاق وإدارة مودي سيُؤخذ جديّا بلا شك. ومن الجدير بالذكر هنا أن السيدة كاتي نفسها كانت “مسؤولة الاستراتيجية الرقمية للحزب الجمهوري الأمريكي و“رودي جيولياني” قبل أن تلتحق بـ”فيسبوك”.
كان “بي جيه بي” من رواد الأحزاب السياسية الهندية الذي استشف قوة “فيسبوك”، شركة خاصة تحاول أن ترسخ جذورها في الهند البقرة الحلوب للإعلانات. وجد الحزب في قوة “فيسبوك” هذه وسيلة لائقة للوصول إلى الناخبين. حقق الحزب والشركة كلاهما انجازات من خلال هذه المشاركة. وفي الانتخابات العامة سنة 2014 عرض “فيسبوك” على حزب”فيسبوك”بهاراتييا جناتا” استعداده لتزويد كوادر الحزب بالتدريب اللازم في مجال استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في حملته الانتخابية. فيسبوك يدّعي أنه كان قد قام بتنظيم الورش لكوادر الأحزاب السياسية الأخرى أيضا، ولكنه ليس إلا ذر الرماد في العيون. لأن “بي جيه بي” هو الذي كان في مقدمة هذا التحرك ليستفيد منه بأن سيطر على نتائج الانتخابات فيما بعد. كان فريق الاستراتيجية الرقمية التابع لـ”بي جيه بي” سعيدا فيما حقق الطرفان من الفوائد المشتركة. خلال لقاء امتد ساعتين مع “فينيت جويانكيه” رئيس خلية المعلومات التكنولوجية التابعة لـ”بي جيه بي” طرح الكاتبان له سؤالا: “من الذي ساعد الآخر أكثر؟ هل كان ذلك “فيسبوك” أم ب”ي جيه بي“؟ فرد على السؤال مبتسما أنه سؤال صعب! وقد يبدو عجيبا أن “فيسبوك” ساعد “بي جيه بي” أكثر مما ساعد “بي جيه بي” الآخر. ولكن يمكنكما أن تقولا إن كل واحد منا ساعد الآخر بالتساوي“. وقد وردت في الكتاب تقارير مدهشة مثل رفض “فيسبوك” إعلانا من حزب المؤتمر عن فساد حكومة مودي فيما يتعلق بصفقة “رافال” مع فرنسا، وكذلك تأجيل فيسبوك 11 يوما نشر ما كشفت مجلة “كارفان” عن بعض مخالفات “أميت شاه” رئيس “بي جيه بي” السابق ووزير الداخلية الحالي في حين تتسابق وسائل الإعلام في نشر الأخبار الحساسة أوّلا بأوّل. وهذا التوجه اليميني لـ”فيسبوك” ليس مقصورا فيهلىالهند فقط بل يتضح في مواقفه في قضايا عربية أيضا. هنا نتذكر تجربة الكاتب وائل قنديل التي كتب عنها في عموده في جريدة العربي الجديد (30 /8/2019 ) تحت عنوان “عنصرية الجنرال فيس بوك“، يتساءل فيه الكاتب: ما هو المعيار الذي يقيس به فيسبوك ما يصلح وما لا يصلح للنشر؟ لأن الموقع يتحرك بالمنع والحظر وفق إحداثيات إسرائيلية إلى الحد الذي لن تكون مبالغا معه لو قلتَ إنه يدار من الكنيست الإسرائيلي. على مدارالأيام الماضية يفاجئني كل يوم برسالة تفيد بمصادرة منشور قديم لي نص مقالة أو تعليق سريع بزعم مخالفتها سياسات النشر في الموقع. وليست مصادفة أن كل المنشورات التي لا تعجب الموقع تتحدث عن فلسطين، باعتابارها وطنا محتلا، وعن مقاومة الشعب الفلسطيني الاحتلال، بموجب قرارات الششرعية الدولية التي تنص على حقوق الشعوب في مقاومة محتليها“.
وهذا لا ينفي أن “فيسبوك” لم ينشر شيئا ضد “بي جيه بي”، وقد نشر عن الممتلكات التي حققها الحزب بعد أن سيطر على سدة الحكم، وهذا قد يكون من حيلته بعد أن ثبّت أهميته في مجال سياسة الانتخابات لتسويق نفوذه بين الأحزاب الأخرى. وقد رأينا أن ” كامبريدج أناليتيكا” كيف تمكن من النفوذ في عملية “بريكسيت” وانتخاب رئيس الولايات المتحدة عام 2016 باستخدام معلومات محددة من “فيسبوك”. وتقول الإحصاءات إن عدد مستخدمي “واتساب” في الهند يبلغ الآن 300 مليون مما جعل الوطن أكبر سوق له. فإذن من هنا فصاعدا لن تكون التلفزيون والمظاهرات هي وحدها التي تحدد مصير الانتخابات بل سيكون “فيسبوك” السيد في معاركها في السياقة الهندية.
ليس هناك أدنى شك في أن “فيسبوك” و”واتساب” قد غيّرا المجتمع تغييرا جذريا. وفي الظروف الحالية كلاهما يُعتبران عنصرين حاسمين في مجال السياسة وإدارتها. وهذا التجسير بين شركة وأحزاب سياسية سيؤدي مسير نظام الدموقراطية حتما في النهاية إلى هوة من الخطر. في حين يكشف الكتاب عن أن مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك قد جعلت الهند مصنعا كبيرا في العالم لفبركة المعلومات وتضليل السواد الأعظم يشير أيضا إلى حقيقة أن معدل انتقاد فيسبوك في الهند بأدنى درجة خلافا للبلدان الأخرى، فما السبيل إلى التحكُّم على هذا الصرح العملاق الذي يسيطر على مخزن من المعلومات الهائلة؟ ويُذكر هنا قول جيريمي رايت” سكريتير الإعلام الرقمي والثقافة والرياضة في المملكة المتحدة إن دور التحكم الذاتي بالنسبة لشركات الإنترنيت قد انتهى دوره. فلا بد من تحركات من تقنين جديد في هذا المجال. مؤخرا كانت هناك تحركات من جانب وزارة الداخلية وإدارة الإعلام والرياضة في المملكة المتحدة لمراقبة مواقع التواصل الاجتماعي للتحكم عليها ضد نشر أخبار مضلِّلَة أو توفير دعاية لصاح الأعمال الإرهابية أو القيام بالتحفيز للاعتداء الجنسي على الأحداث. ولكن هناك إمكانية لسوء استخدام هذه القوانين لتلجيم حرية التعبير وللإعاقة دون النشاطات السياسية الحرة. فأي إجرء بهذا الصدد لا بد من أن تكون بحيطة وحذر. نرى استريليا وألمانيا قد حذتا حذو المملكة المتحدة. وبموجب تقارير شفافة صدرت مؤخرا من جانب فيسبوك قد ازدادت خلال السنوات الماضية طلبات من الحكومة وأذرعها المكلفة بتنفيذ القوانين لتزويدها بمعلومات تختص بمستخدمي “فيسبوك”.
وقد ورد في الكتاب ذكر مقالات شتى التي حذرت عن قوة المواقع التواصل الاجتماعي التدميرية خاصة قوة “فيسبوك” وواتساب. ومنها مقالة ناشط رقمي يتخذ مقره الولايات المتحدة والتي نشرتها مجلة “كارافان“. تنسب المجلة تهمة إلى فيسبوك أنه قد قام بتعتيم مقالات تتضمن انتقادات على رئيس الوزراء مودي وحزبه. ويؤكد الناشط الرقمي الأمريكي المذكور بأن فيسبوك قد ترعرع كجمهورية موز من العالم الرقمي وأن مجموعات الحقوق في العالم الرقمي على مدى سنوات يطالبون لفحص معايير مستخدمي فيسبوك ولكن بدون جدوى. وأصحاب هذه المقالات يشيرون مثلا إلى تصرف فيسبوك بفتح أبوابه على مصاريعها لشن الهجوم على معارضي مودي حين حدث الهجوم الإرهابي بـ“بفولفانا“. هكذا تتوسع قاعدة الشكوك حول مصداقية فيسبوك يوما بعد يوم مما دفع بعض الشخصيات المرموقة مغادرته نهائيا. يقول “تشارلس أسيسي” ((Charles Assisi الحائز على جائزة في مجال الصحافة: إنّ فيسبوك كارثة لسببين. أولا إنّه يجعلك أصم، وثانيا إنّه يسيطر على حياتك. ولذلك تركته بلا عودة إليه“
kabeer.a05@gmail.com
- مستعرب هندي