قوة مرشد الجمهورية في 2017 ليست على الإطلاق على نفس مستوى شرعية وقوة الخميني في 1981 عندما أبعد بني صدر. أما اليوم فإن انتخابات 2017 عززت شرعية روحاني وموقعه.
تضع طهران مكاسبها الخارجية في ميزان القوى الإقليمي وتنخرط في مسارات الفوضى التدميرية في المشرق والصراع المذهبي في العالم الإسلامي. لكن احتدام الأزمات في المنطقة لا يحصن إيران من تداعيات التفكك واحتمال إعادة تركيب الدول، وتزداد التحديات أمام الرئيس حسن روحاني بعد إعادة انتخابه ليس بسبب الاستحقاقات الخارجية ووصول إدارة دونالد ترامب فحسب، بل بسبب تفاقم الانقسام الداخلي إثر الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وعدم التناغم مع المرشد الأعلى علي خامنئي. هل سنشهد اصطفافاً من دون لبس بين علي خامنئي- قاسم سليماني من جهة، وحسن روحاني- محمد خاتمي من جهة أخرى؟ وهل ستصمد المنظومة السياسية إزاء المتغيرات الخارجية والشرخ الداخلي ومسألة خلافة المرشد؟
تعطي إيران الانطباع أن مشروعها الإمبراطوري يتقدم مع فتح الطريق بين بغداد ودمشق، ويبدو أنها غير متوجسة من تحدي واشنطن معتمدة على ارتباط استراتيجي مع روسيا. ولذلك في موازاة طلب فرض عقوبات أميركية جديدة على طهران، حدد ريكس تليرسون “أن السياسة الأميركية تجاه إيران تقوم على تشجيع القوى الداخلية لإيجاد تغيير سلمي للنظام” ولذا انبرى نظيره محمد جواد ظريف للرد بوجوب “حفاظ أميركا على نظامها أولاً خاصة أن انتخابات إيران الأخيرة شارك فيها 75 بالمئة من الشعب”.
وبينما يصلي الجنرال قاسم سليماني عند معبر على الحدود العراقية- السورية، أيد مجلس الشيوخ الأميركي مشروع قانون يشدد العقوبات على طهران في شأن برنامجها للصواريخ الباليستية، ودعم جماعات متشددة ونقل أسلحة، فضلاً عن انتهاكات حقوق الإنسان. بالطبع، ثمة إصرار على السياسة الهجومية الإيرانية في الإقليم بالرغم من كلفتها واحتمال المواجهة مع الجانب الأميركي قرب معبر التنف جنوب شرق سوريا إلى مضيق هرمز.
وفي الداخل الإيراني لا تبدو الصورة زاهية بعد إعادة انتخاب روحاني مع استمرار الانقسام السياسي الحاد في تلازم مع التدهور الاقتصادي، حصول تفجيرات طهران، تكرار الاشتباكات في محافظة سيستان- بلوشستان، واحتمال تمدد العنف والاحتجاجات إلى مناطق أخرى. لكن الأدهى يكمن في بلورة ثنائية خامنئي- روحاني وتداعياتها على منظومة الحكم واللعبة السياسية في البلاد.
أتى فوز روحاني بفارق 7 ملايين صوت على منافسه إبراهيم رئيسي المرشح شبه الرسمي للمرشد الأعلى علي خامنئي، ليشكل سابقة في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية ويمثل تهديداً لموقف الولي الفقيه وأسس المنظومة القائمة منذ 1979. إزاء هذا التقدم في موقع الرئاسة الإيرانية المتمتعة بالشرعية الشعبية، لم يكلف خامنئي نفسه حتى الآن تقديم التهاني لروحاني بإعادة انتخابه، ويتفاقم الانقسام الداخلي وترتسم ملامح تكرار سيناريوهات سلبية حصلت مع رؤساء سابقين. تأخذ هذه التطورات كامل أبعادها لأن الانتخابات الأخيرة كانت الاختبار المهم على طريق خلافة خامنئي، ليس فقط بسبب عاملي المرض والسن لكن بسبب مخاطر الاستقطاب الداخلي ووجود تهديدات داخلية وخارجية.
يبدو أن نجاح روحاني له صلة بدعوته إلى التمييز بين “طريق التعاون والمصالحة مع المجتمع الدولي أو طريق المواجهة”، وهذا يعني أنه عندما تيسرت فرصة التعبير في إطار التمرين الديمقراطي الداخلي، حسم الرأي العام الإيراني أمره لصالح الاتجاه الأقل تشدداً في سرايا الحكم والأكثر قبولاً من العالم. ومما لا شك فيه أن نهج روحاني القائم على الموازنة بين المبادئ والواقع، يناقض بعمق نهج الولي الفقيه الذي يعتبره مريدوه أنه دوماً على صواب يقارب المقدس. وهذا الكسب المرحلي للشرعية الشعبية على حساب شرعية ولاية الفقيه أخذ يحدث شرخاً عميقاً ضمن الطبقة السياسية والمجتمع في إيران. ويبدو أن عدة المنظومة في الدهاء السياسي وحكم الضرورة، لم تعد كافية لاحتواء الخلافات التي تطفو على السطح.
ابتدأت ولاية الرئيس حسن روحاني الثانية على صفيح ساخن خاصة على الصعيد الاقتصادي الاجتماعي، حيث أن المعدل الفعلي للبطالة يزيد عن الأرقام الرسمية (في حدود 10 بالمئة) ويمكن أن يتجاوز أكثر من 20 بالمئة عند قطاع الشباب (70 بالمئة من الإيرانيين عمرهم تحت 35 سنة).
ويترافق ذلك مع استشراء الفساد والمخدرات وانهيار منظومة القيم. ومن الواضح أن توقيع الاتفاق النووي لم يأت بكل النتائج المأمولة، لكنه أسهم في خفض معدل التضخم وزيادة الدخل القومي، وكان ذلك كافياً لزيادة شعبية روحاني. بيد أن الجدل بين تيار روحاني “جبهة الأمل” (مدعوماً بزعيم الإصلاحيين الرئيس الأسبق محمد خاتمي وأسرة الخميني وأنصار هاشمي رفسنجاني) والقوى الأصولية المتشدّدة، يدور حول المناهج التربوية والسلوك الاجتماعي والإفلاس المنظم لبعض المصارف تسهيلاً للفساد والمسؤولية عن الإرهاب ويصل إلى حدود التدخل الخارجي حيث تصرف طهران في سوريا وحدها حوالي عشرة مليارات دولار سنوياً.
ومن الواضح أن هناك تعمدا لإفشال روحاني وإحالته إلى أن يكون رئيساً رمزياً كما حصل مع خاتمي. لكن الأمور تذهب أبعد من ذلك مع تلويح خامنئي لروحاني بمصير مشابه لمصير سلفه أبوالحسن بني صدر المبعد من الرئاسة، ففي جلسة عامَّة، الأسبوع الماضي، في حضور روحاني قال المرشد عبر الإشارة إلى أحاديث روحاني بشأن الانسجام الوطني “الشعب يجب ألا يقسّم إلى قسمين، تلك الحالة التي أحدثها للأسف عام 1981 رئيس الجمهورية آنذاك أبوالحسن بني صدر، حينما قسّم الشعب إلى مؤيِّد ومعارض، وهذا شيء خطير”. والتذكير بوضعية بني صدر يعادل التهديد بالعزل أو توقع النهاية السيئة لروحاني.
قوة مرشد الجمهورية في 2017 ليست على نفس مستوى شرعية وقوة الخميني في 1981 عندما أبعد بني صدر. أما اليوم فإن انتخابات 2017 عززت شرعية روحاني وموقعه وميله إلى المواجهة. لذلك سيكون عسيراً على خامنئي تطبيق العزل في لحظة الانقسام وارتفاع التحديات في وجه بلاده، ولذلك يبدو الأرجح من وراء هذا التصعيد أن يسيطر من جديد على وضعية روحاني وممارسة الاحتواء مع بدء الولاية الثانية قبل أن يترسخ شعبياً ويصبح الرقم الصعب في رسم مسار خلافة المرشد.
khattarwahid@yahoo.fr
أستاذ العلوم السياسية، المركز الدولي للجيوبوليتيك باريس
العرب