واشنطن –
من يعرف موسكو يدرك أن لا رجال أعمال فيها من غير المقربين من «الكرملين القابضة»مع مصادقة مجلس الشيوخ على تعيين وليبور روس وزيرا للتجارة الاميركي، ظهرت الى العلن المزيد من الدلائل على تورط الرئيس الاميركي دونالد ترامب – رجل الاعمال الملياردير – مع المافيا الروسية.
الملياردير روس هو احد مالكي «بنك قبرص»، حيث يركن اموالهم كبار المتمولين الروس، وغالبيتهم الساحقة من اقرب المقربين الى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ورئيس البنك الحالي سبق ان عمل رئيسا لـ«دويتشه بنك» الالماني، الذي غرمته ادارة الرئيس السابق باراك أوباما 630 مليون دولار بسبب مساهمته في تبييض اكثر من 10 مليارات دولار لمصلحة المافيا الروسية.
وتعتقد الاستخبارات الاميركية ان ثروة بوتين تتعدى 100 مليار دولار، وان المحيطين به يملكون ما مجموعه 100 مليار اخرى، وان جزءا كبيرا من هذه الاموال مركون في مصارف حول العالم، وفي عقارات ثمينة حول المعمورة. وكشفت وسائل الاعلام الاميركية ان ترامب سبق ان حقق ارباحا بلغت 60 مليون دولار من بيع منزل فاخر كان اشتراه، قبل بيعه بسنتين، في ولاية فلوريدا. وكان الشاري من ترامب الملياردير الروسي ديميتري ريبولفليف، زميل وزير التجارة الجديد فيلبور روس في مجلس ادارة بنك قبرص.
وكان اول مدير لحملة ترامب الرئاسية بول مانوفورت، خضع للتحقيقات، ما اجبره على الاستقالة من الحملة، بعدما عثرت الاستخبارات الاميركية على دفاتر محاسبة مكتوبة بخط اليد في القصر الذي اجتاحه الاوكرانيون ابان اسقاط رئاسة فيكتور يانوكوفيتش في فبراير 2014.
وجاء في الدفتر ان مانوفورت تسلم ما مجموعة 12.7 مليون دولار من الرئيس الاوكراني المخلوع.
اكتشاف اسم مانوفورت كان طرف الخيط الذي دفع الاستخبارات الاميركية الى تكثيف مراقبة اتصالات ترامب ومساعديه بمسؤولين ورجال اعمال روس. وكرّت السبحة.
واكتشفت الاستخبارات الاميركية ان الجنرال المتقاعد مايكل فلين، الذي عينه ترامب في ما بعد مستشاره للأمن القومي، كان على اتصال بالسفير الروسي في واشنطن. وعلى رغم ان فلين عمل رئيسا للاستخبارات العسكرية، الا انه لم يبد متحسبا لامكان مراقبة الاستخبارات الاميركية لاتصالاته مع مسؤولي الحكومة الروسية. هكذا، راحت الدلائل تتراكم حول علاقة ترامب، الذي زار موسكو العام 2013، مع رجال الاعمال الروس. ومن يعرف روسيا يعرف ان لا رجال اعمال فيها من غير المقربين من الكرملين، الذي اكتسب اسم «كرملين القابضة» في السنوات الاخيرة بسبب نشاطاته المالية.
ومع تكشف الحقائق تباعا، صار من شبه الواضح ان «المافيا الروسية»، التي تركن اموالها حول العالم، في انكلترا وقبرص واسرائيل وحتى في بعض مصارف لبنان، ساهمت في تعويم ترامب ماليا، وربما انقذته احيانا، وهو رجل الاعمال المعروف باعلان افلاسه بشكل متكرر، قبل ان تقوم موسكو بكل ما في وسعها وتتدخل في الانتخابات الاميركية لمصلحة انتخاب ترامب رئيسا، وهو تدخل تجمع على وقوعه كل وكالات الاستخبارات الاميركية السبعة عشرة.
هي ليست مكافحة الامبريالية الغربية، كما يصفها بوتين، ولا تحقيق حلم اليهود باقامة دولة اسرائيل من النهر الى البحر، كما يصورها رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو، ولا اعادة أميركا الى سابق عظمتها، كما يعد ترامب، بل هي اثراء فردي وغير مشروع يقوم به بوتين ونتنياهو وترامب، الذين تبدو الصداقة بينهم حميمة.
الاستخبارات الاميركية تخشى ان تتحول الولايات المتحدة الى «كليبتوقراطية» (اي دولة ينهب حكامها ثرواتها باسم القومية والوطنية) على غرار روسيا واسرائيل ولبنان، وهي ذهبت الى أوباما شاكية، الربيع الماضي، لكن تردد الاخير القاتل في كل سياساته لم يسفر عن اي قرارات، فوجدت الاستخبارات الاميركية نفسها وحدها في مواجهة ترامب الرئيس فيما بدا وكأن في واشنطن «دولة عميقة» تعمل باستقلالية عن الحكومة المنتخبة. ولم تجد الاستخبارات العون الا في الاعلام الاميركي، الذي اغدقت عليه التسريبات، فجن جنون ترامب.
حتى الآن، لا تنوي الاستخبارات الاميركية تحطيم ترامب، وهي لهذا تحجم عن تزويد الكونغرس بما لديها من فضائح مالية على علاقة ترامب بالروس. ويبدو ان الاستخبارات الاميركية تمنح ترامب فرصة ثانية للتخلي عن ولائه للمال الروسي وكسر العلاقة مع موسكو. فهل يتراجع ترامب ويتحول الى رئيس أميركي عادي، ام ان من شب على شيء شاب عليه، وهو لن ينهي إدمانه على المال الروسي السهل، مع ما يعني ذلك من حفاظه على انحيازه للمافيا الروسية على حساب الاستخبارات الاميركية، ومحاولته تحطيم استخبارات بلاده لمصلحة شركائه الماليين؟