لليوم الجديد عند الكرد أسطورته، وملخص الأسطورة الكردية تتحدث عن: ملك اسمه الضحاك – كان ظالماً وكان يذيح كل يوم عدداً من أبهى فرسان الشباب حتى يشفى من مرضه بعدما نصحه الحكماء بذلك,
ولما هم بذبح ابنائه، هبّ حداد كان يدعى “كاوه” بثورة على هذا الملك وبرفقته مجموعة من الشباب. ولما انتصروا عليه، اضرموا النار على الجبال والوديان ليعلنوا نهاية حكم الملك الظالم – وتصادف هذا مع دخول الشمس ببرج الحمل وظهور الربيع واعتداله.
هذه السنة قام “كاوه” الكرد في اربع اجزاء كردستان بثورة رافضة للظلم الذي يتعرض له الكرد في مناطقهم سعياً لليوم الجديد للكرد.
العراق:
خاض مقاتلون أكراد ويزيديون قتالا لاستعادة بلدة “سنجار” الشمالية الاستراتيجية من تنظيم “الدولة الاسلامية” وأنهوا حصاراً دام شهوراً للجبل المطل عليها.
واستعاد “البشمركة” السيطرة على أغلبية الاراضي التي فقدها أكراد العراق في الهجوم المفاجيء للجماعة في أغسطس/آب.
أعطى هذا الهجوم انتصارا استراتيجيا هائلا لكل من الاكراد العراقيين والحكومة المركزية في بغداد وأتاح هذا الهجوم للمقاتلين الاكراد قطع الطريق السريع من سوريا الى الموصل وهو خط امداد حيوي لتنظيم الدولة الاسلامية.
وبدعم من طائرات حربية امريكية دخل مقاتلون يزيديون وأكراد عراقيون انضم اليهم ايضا مقاتلون اكراد من سوريا وتركيا “سنجار” من موقع “ربيعة” الحدودي الغربي ومن جبل “سنجار” الى الشمال. بعد الانتصار زار رئيس اقليم كردستان العراقية مسعود البرزاني “جبل سنجار” وتعهد باستعادة كل مدينة “سنجار”. وقال البرزاني على قمة الجبل “أغلب سنجار تحت سيطرتنا الآن. بعون الله سنحررها كلها.
لم تقتصر مواقف البرزاني على الاحتفال بالنصر، فساهم برسم استراتيجية مواجهة داعش. انتقد رئيس إقليم كردستان في العراق مسعود بارزاني استراتيجية الرئيس الأمريكي باراك أوباما لهزم تنظيم « الدولة الإسلامية وقال «إن الولايات المتحدة يجب ان تفعل أكثر من ذلك”. وأضاف بارزاني في مقابلة مع قناة «أن بي سي»: «اننا بحاجة إلى استراتيجية تترجم إلى أفعال» ولغاية الآن لم نشاهد أي إجراء خطير يمكن ان يهزم داعش بسرعة».
ليس هذا وحسب فلقد وضع أساسا قوياً لإعلان الدولة الكردية عندما قال ان الخرائط الجديدة للشرق الاوسط ترسم بالدم، باشارة الى الاراضي المسماة متنازع عليها مع الحكومة المركزية في العراق. قالها صراحة دون مواربة “سنضم كل الاراضي التي نحررها وهي مصنفة متنازع عليها الى الإقليم”. ما هي “المناطق المتنازع عليها” وما هو تعريفها، باختصار هي المدن والبلدات والقرى الإستراتيجية ذات الأغلبية الكردية المطلقة التي تشكل حدود إقليم كوردستان الغربية والجنوبية والشرقية، والتي تقع بمحاذاة مدن وبلدات عربية، وتم استقطاعها من كوردستان وعملت معظم الأنظمة على تعريبها وتغيير واقعها وهويتها التاريخية والجغرافية، من خلال استقدام مئات الآلاف من الأسر العربية وإسكانها بدلا من سكانها الأصليين الذين تم تهجيرهم وتشتيتهم منذ قيام المملكة العراقية ووصلت ذروتها في حقبة حكم حزب البعث التي امتدت من عام ١٩٦٣ ولغاية سقوطه عام ٢٠٠٣.
الخطوة الأهم لتأسيس الدولة الكردية الموعودة كانت بكسر حاجز حدود سايكس بيكو وعبور البشمركة الكردستانية العراقية للقتال الى جانب قوات الحماية الكردية في سوريا للمساهمة برد العدوان عن مدينة كوباني.
سوريا:
موضوع مشاركة الأكراد في الحراك السوري الساعي إلى إسقاط النظام، من أكثر الملفات التي كُتب عنها منذ 15 آذار 2011. موضوع شائك، ففيه تتضارب العوامل التاريخية والعقائدية والنفسية والمصلحية والإقليمية. الكل يريدون الأكراد إلى جانبهم. النظام يدرك أن «الزلزال الكردي» من أخطر ما قد يواجهه، والمعارضة تعرف أنه من دون الأكراد، يصعب النجاح.
الموقف الكردي الأهم كان لعميد الشهداء الكرد السوريين مشعل تمو الذي نادى بانضمام الكرد للثورة السورية ورفع شعار “واحد واحد واحد الشعب السوري واحد”. ودفع حياتَه ثمنا لهذا الشعار، لان النظام كان يريد الكرد بندقية مأجورة له يقاتل بهم العرب السوريين المعارضين. يخطئ الكرد السوريين بابتعادهم عن الثورة، وتخطئ الثورة عندما لا تحتضنهم. جغرافيا الكرد السوريين مختلفة عن جغرافيا كرد العراق، وهي متداخلة مع الجغرافيا العربية السورية، حقوق الكرد هي جزء اصيل من حقوق الشعب السوري بالحرية، مع كامل حقوقهم الثقافية والمدنية. مشكلة اكراد سوريا هي بقياداتهم غير القادرة على تمثيلهم والحفاظ على حقوقهم، وسيطرة الPYD على مناطقهم بالتنسيق مع النظام. على الكرد السوريين العودة للشارع ولروحية الشهيد تمو الذي جسد كسياسي كردي، إرادة الشعب الكردي السوري المستقل، ولا سيما تركيزه على الرابط التاريخي والمصيري بين الشعبين العربي والكردي السوريين. وفي هذا المجال كان من القادة الكرد السوريين القلائل الذي تلمس نهج الشهيد الكردي الأكبر شيخ معشوق الخزنوي.
من خلال سيره الصادق على هذا النهج أحدث تقارباً كبيراً بين المعارضة الكردية والمعارضة العربية، بل يعود الفضل له بنشر ثقافة وحدة المصير بين العرب والكرد السوريين. هذه الثقافة التي عجزت عن إنشائها الأحزاب الكردية السورية خلال نصف قرن من نضالها، وكذلك المعارضة السورية الكلاسيكية عامة.
لقد وقف مع الثورة السورية ليس من باب البحث عن مكاسب شخصية في سورية المستقبل، بل أدرك بحسه الوطني الكردي والسوري أن مهام الثورة السورية ليست فقط تغيير النظام البعثي، بل اكتشف قبل غيره من القادة الكرد أن هذه الثورة تحمل انعطافاًً تاريخياً لتحويل سورية من عصر بائد إلى عصر التنوير والحداثة.
كان يعبر عن اتجاهه السياسي بوضوح وصدق، سواء تجاه القضية الكردية السورية أو تجاه مجمل الوضع السوري. ولذلك لم ينجر إلى مهاترات مع بعض المعارضات العربية السورية، التي تتحدث عن الديمقراطية والمساواة في جميع الشؤون السورية، ولكن عندما يتعلق الأمر بالقضية الكردية تظهر مفاهيم ميشيل عفلق في أقوالها ومواقفها. كان يعتقد أن الجماهير العربية السورية التي عانت الظلم والاضطهاد تحت لواء سلطة القومية العربية البعثية، ستتفاهم مع الشعب الكردي السوري في إطار وحدة الوطن السوري ووحدة الشعب السوري من دون أدنى شك.
ايران :
يقول السيد عبدالله مهتدي سكرتير حزب كومله المعارض “الحياة قاسية في إيران والقمع منتشر بوحشية ضد الأكراد والمجتمعات الأخرى”، معتبراً أنه يتوجب على الأكراد توحيد الصفوف مع الأقليات الأخرى لمواجهة النظام. وتمنى مهتدي وجود نظام فيدرالي يحكم إيران ويضم جميع الأعراق، معتبراً أنه من الممكن التوصل إلى فيدرالية جغرافية تبنى على أساس الجنسيات المختلفة.
وقال مهتدي: “إيران التي نحلم بها يجب أن تقيم علاقات طيبة وليست عدائية مع دول الجوار كافة“، مضيفاً أنه “من المنطقي أكثر بالنسبة لنا أن نبحث عن إقامة تحالفات مع دول الجوار الأقرب لنا”.
كما أعرب مهتدي عن عدم رضا الأكراد في مسألة النفوذ والتدخل الإيراني في شؤون العراق.
سكرتير الحزب الديمقراطي الكردي في إيران السيد خالد عزيزي يقول انه قام بعدة جولات خارجية، شملت واشنطن ولندن وبروكسل، حيث التقى باعضاء الكونغرس الاميركي والبرلمانيين البريطاني والاوروبي لحثهم على الانتباه لقضايا الاقليات وحقوق الانسان في ايران في وقت تزداد الضغوط على النظام في طهران. وكان على رأس اجندة عزيزي الحديث عن امكانية «جعل ايران دولة فيدرالية مما يضمن وحدتها وحقوق الاقليات». وقال عزيزي ان «النموذج العراقي مثالي» لما يتطلع اليه الاكراد في ايران، مضيفاً: «ايران فيدرالية تمثل المجتمع المتعدد الهويات والاعراق هو افضل حل للمستقبل». وتابع: «لا يمكن لطائفة واحدة ان تواصل قيادة ايران من طهران من دون الالتفات للمجموعات العرقية المختلفة».
تركيا:
بعد ثمانين عام من تأسيس الجمهورية التركية يبدو أن أنقرة على حافة تغيير نموذجي في مقاربتها للمسألة الكردية. من المبكر جداً القول ما إذا كانت المحادثات الجارية بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني PKK ستفضي لتلبية مطالب الكرد الثقافية والسياسية. مع ذلك، وربما للمرة الأولى في تاريخها، تبدو الجمهورية التركية مستعدة لدمج الكرد في النظام السياسي بدلا من مواجهتهم عسكريا. حاولت تركيا على مدى عقود صهر (هضم) أقليتها الكردية الضخمة, البالغة حوالي 15 مليون شخص، أو حوالي 20% من مجمل سكانها. منذ أواسط العشرينات [القرن العشرين] وحتى نهاية الحرب الباردة، تجاهلت أنقرا وجود القومية الكردية وحقوقها الثقافية. تطلب الأمر ثلاثة عقود من تمرد PKK لكي تبدأ الجمهورية بتقبل حقيقة الوجود الكردي وتطبق إصلاحات ثقافية. وربما هذا هو تفسير كون قائد PKK السجين بطلاً قوميا في أعين قسم كبير من المجتمع الكردي.
إن حلا سلميا للمسألة الكردية سيزيل أحد اكبر العثرات في مواجهة ترسيخ الديمقراطية في تركيا. وكذلك هناك صورة أردوغان, المتطلع لترسيخ صورته في التاريخ باعتباره القائد الذي وضع حداً لصراع البلد مع PKK الذي استمر ثلاثين عاماً. مع الأخذ في الاعتبار التطلعات المتصاعدة للكرد, مثل هذه النتيجة الايجابية ستعتمد على فرص تركيا في أن تصبح بلدا ذو درجة أكبر من تعدد الثقافات واللامركزية التي تحمي الحقوق الكردية بموجب القانون. والخطوط الحاسمة في هذا المجال هي ضمان إصلاح الدستور الذي طبقه العسكر عام 1980.
هناك عوامل اقليمية عقدت العملية السلمية بين الكرد والاتراك. فثورات الربيع العربي غذت الطموحات الكردية في المنطقة. ويعتقد القوميون الكرد الآن أن الحركة السياسة الكردية في العراق وتركيا وسوريا على حافة منعطف تاريخي. بالاستفادة من الفوضى في المنطقة وانهيار العلاقات بين أنقرة ونظام الاسد في سوريا، سيطر pyd بحكم الأمر الواقع على أجزاء من شمال سوريا. فهو يمتلك مليشيا مدربة بشكل جيد وأجندة سياسية واضحة حول مستقبل كرد سوريا على شكل حكم ذاتي للمنطقة على الأقل. وربما كان هذا التطور هو الذي دعم تصاعد مطالب بعض المتشددين وسط pkk. حتى إذا انسحب PKK من تركيا يمكن ان يستمر في عملياته من شمال سوريا. لذلك فإن الصفقة بين أنقرة وPKK يجب أن تتناول وجود PKK/PYD في سوريا, بما يضيف تعقيدات إضافية على عملية معقدة أصلاً. وعلى الرغم من كل هذه التحديات, هناك مزاج متفائل في تركيا. يأمل المتفائلون ان سقوط نظام الأسد سيحد من مساحة المناورة أمام PYD, ويضعه في مواجه عداء دمشق واقليم كردستان. ان احتمال مرحلة صعبة سياسياً بعد الأسد, منطقياً, يمكن أن يجبر الجماعات الراديكالية في الحركة القومية الكردية على المشاركة في المحادثات الجارية بين PKK وأنقرة. من جهة أخرى فإن الحذرون يحذرون من السقوط في دوامة عنف أضخم إذا فشلت المحادثات. بغض انظر عمن يقف مع من يبدو أن هناك اجماع على أن فشل أو نجاح العملية سيكون له آثار محلية واقليمية ضخمة.