1ـ نص:
اخرجوا أيها المسيحيون من أوطاننا (أحمد الصراف)
اخرجوا يا مسيحيي دمشق ويبرود ومعلولا من أوطاننا، واخرجوا يا مسيحيي الموصل ونينوى وبغداد من بلداننا، واخرجوا يا مسيحيي لبنان من جبالنا وودياننا، واخرجوا يا مسيحيي فلسطين والجزيرة من شواطئنا وترابنا، اخرجوا جميعا من تحت جلودنا، اخرجوا جميعا فنحن نبغضكم، ولا نريدكم بيننا، اخرجوا فقد سئمنا التقدم والحضارة والانفتاح والتسامح والمحبة والإخاء والتعايش والعفو! اخرجوا لنتفرغ لقتل بعضنا بعضا، اخرجوا فأنتم لستم منا ولا نحن منكم، اخرجوا فقد سئمنا كونكم الأصل في مصر والعراق وسوريا وفلسطين، اخرجوا لكي لا نستحي منكم عندما تتلاقى اعيننا بأعينكم المتسائلة عما جرى؟ اخرجوا واتركونا مع مصائبنا، فلكم من يرحب بكم، وسنبقى هنا، بعيدين عنكم وعن ادعاءاتكم ومواهبكم وكفاءاتكم وعلمكم وخبراتكم، اخرجوا واتركونا مع التعصب والبغضاء والكراهية، اخرجوا فقد فاض بنا تحمل ما ادعيتموه من حضارة، فبخروجكم سنتفرغ لإنهائها، ومسح آثارها، وتكسير ما تركه أجدادكم من أوثان ومسخ وآثار من حجر وشعر ونثر وأدب، اخرجوا فلا العراق ولا مصر ولا سوريا ولا الكويت ولا فلسطين ولا الأردن ولا الشمال الافريقي العطر النظر بحاجة لكم ولا لمن سكن بيننا قبلكم من غجر ويهود وحجر، اذهبوا واخرجوا وخذوا معكم الرحمة، فنحن بعد النصرة وداعش والقاعدة وبقية عصابات الإخوان وآخر منتجاتهم لسنا بحاجة للرحمة ولا للتعاطف، فالدم سيسيل والعنف سينتشر والقلوب ستتقطع والأكباد ستؤكل، والألسنة ستخلع والرقاب ستفك والركب ستنهار، وسنعود للطب القديم والمعالجة بالأعشاب وقراءة القديم من الكتب والضرب في الرمل على الشاطئ بحثا عن الحظ.
ارحلوا يا مسيحيينا وخذوا معكم كل آثار وجثامين جبران جبران وسركون بولص وبدوي الجبل وأنستاس الكرملي ويوسف الصائغ وسعدي المالح وابناء تقلا واليازجي والبستاني والأخطل الصغير. كما خذوا معكم جامعاتكم ومستشفياتكم واغلقوا إرسالياتكم، وحتى ميخائيل نعيمة لسنا بحاجة له ولا تنسوا مي زيادة وابناء معلوف وصروف وابناء غالي وزيدان والخازن وبسترس وثابت والسكاكيني، فهؤلاء جميعا ليسوا منا ولسنا منهم.
نعم ارتحلوا عنا فإننا نريد العودة إلى صحارينا، فقد اشتقنا إلى سيوفنا واتربتنا ودوابنا، ولسنا بحاجة لكم ولا لحضارتكم ولا لمساهماتكم اللغوية والشعرية، فلدينا ما يغنينا عنكم من جماعات وقتلة وسفاكي دماء.
اغربوا ايها المسيحيون عنا بثقافتكم، فقد استبدلنا بها ثقافة حفر القبور!
***
2 ـ تعليق
أنشر هذا النص للأستاذ أحمد الصرّاف نقلاً عن صفحة الصديقة أنطوانيت القس. أعيد نشره لعدة اسباب:
أولاً، لأنه أثار عشرات التعليقات والمداخلات التي اختلط الأمر على بعض أصحابها، ولا ألومهم. فهناك من رأي في النص “عدواناً” على المسيحيين العرب، وهناك من التقط التهكم والغيظ المقرونين بتقدير للمسيحيين العرب لا يخلو من بعض الغموض واللَّبس احياناً، وذلك بسبب أسلوب الكاتب أحمد الصراف وليس بسبب قصده. وفي الحالين يجب أن نتفهّم حتى من لم يلتقط جوهر موقف الكاتب. (ملاحظة صغيرة: بدوي الجبل ليس مسيحياً، ولا معني لإدراج اسمه في هذا السياق).
ثانياً، لإضافة نقطة أظنها الأكثر غموضاً في النص، وللإدلاء بما أعدُّه توضيحاً، لا أكثر.
فلئن بدا الكاتب كارهاً لمسيحيينا، داعياً إياهم للخروج من”أوطاننا، بلداننا، شواطئنا، ترابنا، من تحت جلودنا…” إلخ، فإنه في الحقيقة ينطق واعياً متعمّداً بلسان عميان حاقدين جاهلين، نراهم ونلمسهم بيننا نهاراً جهاراً وفي كل حين. ينطق بلسانهم ليفضح جهلهم وحقدهم وعماهم حين يفصح عن جوهر الحقيقة التاريخية فيقول:
“اخرجوا فقد سئمنا كونكم الأصل في مصر والعراق وسوريا وفلسطين، اخرجوا لكي لا نستحي منكم عندما تتلاقى اعيننا بأعينكم المتسائلة عما جرى؟”.
نعم، المسيحيون العرب هم الأصل في هذه المنطقة، لا نفع لجاهل من مكابرةٍ أو عنادٍ أمام هذا الحقيقة البسيطة الساطعة التي غيّبها طويلاً نوع غريب من البشر بيننا زوراً وبهتاناً. هي أوطانه، أوّلاً، ثم أوطانهم وأوطاننا معاً، وبعد ذلك: أوطاننا (حيث تصبح ـ “نا” هذه لنا جميعا، من دون تفريق أو تمييز).
فقد اعتنق كثير من المسيحيين الأصليين الإسلام مع مرور الزمن، وقبلوا بالوافدين الجدد، رغم كل ما في تاريخ هذه “الوفادة” من لطخات سوداء، واختلطوا بهم عيشاً ودماً وثقافة ومصيراً، فاتخذوا من اللغة العربية وثقافتها، ومن والانتماء العربي هوية لهم، فيما تنكّر العرب لثقافة هؤلاء وللغتهم وتاريخهم، كمن يحجب الشمس بغربال.
هذا الحجب و”العدوان” أفقرا ثقافة المنطقة وتراثها الإنساني: ثقافة السكان الأصليين الغنية، من جهة، ومن جهة ثانية ثقافة “الدولة” التي أخذت، منذ دخول الإسلام إلى بلاد الشام وما بين النهرين ومصر وشمال أفريقيا، تتكوّن وتنشأ بعناصر قومية وثقافية وتاريخية مختلفة كان يمكن لها أن تزداد مِنعة وقوة وانفتاحاً لولا التغييب الظالم والنكران المستمر قروناً طويلة وحتى اليوم.
لم يكن للإسلام ولا للعروبة أن يخسرا شيئئاً من الإبقاء على ثقافة شعوب المنطقة وتاريخها، مع الاستمرار في بناء حضارة ودولة جديدتين على هذا الأساس المشرِّف المتين…
الغريب والخطير أن فعل “التغييب والإنكار” لم يكن حكراً على أشكال الدولة العربية الإسلامية، أو الإسلامية بأنواعها: العسكرية التركية والمملوكية والعثمانية...إلخ. وذلك أمرٌ مفهوم بمعنى تاريخي ما، بل شمل حركة “القومية العربية” التي كانت وما تزال ـ وفقاً لعدم وجود مراجع مكتوبة تنفي ما نقول ـ الحركة التي، على تشتتها “الباهر”، تردد كلاماً واحداً “مقدَساً” تقديسَ “أمة عربية واحدة” تدّعي ميتافيزيقا “رسالة خالدة” يردد كبار منشديها أن أمّتتـ”نا” طائر لا يطير إلا بجناحين هما العروبة والإسلالام ! يقولون ويرددون هذا القول بثقة وعنَتٍ ولِدا مع الإرهاصات الأولى لـ”مقدساتهم” فبل مئة عام (ربما تعود بداية تبلور هذه “المقدسات” إلى عام1913، إي إلى زمن له خصوصياته الزمانية المحددة)، لكن أبناء زماننا اليوم ما زالوا يصفقون لهذين “الجناحين” بالذات: “العروبة ولإسلام صنوان“، بتعبير محمد عابد الجابري، على الأقل…
في ظلام هذه “الثنائية/ الصنوية/ التجنيحية” الكليلة واستمرار الرقص على مزامير “داعش” قطعِ الرقاب وصلْبِ الأبرياء، كيف يمكن النظر إلى ما يجري اليوم من تفسخ وانحدار ودمار؟ كيف لـ”خير أمة أُخرِجت للناس” (رداً/تماهياً مع/على ميتافيزيقا يهود “شعب الله المختار”)، كيف لهذه الأمة أن تعيش بجناحيها هذين المشؤومين أشدَّ الشؤم، كما نرى ونعيش اليوم؟ هل لهذه الأمة الناكرة والديها (التاريخ والثقافة)، الأمة/الطائر، أي حياة من دون “جناحيها: عروبة “الرسالة الخالدة” وإسلام “الدولة الإسلامية” الداعشية؟ أم أن “النظرية العلمية الوهابية” القائلة: “الخطان المتوازيان يلتقيان بإذن الله”، هي الصواب الوحيد؟ وعلى قول شاعرنا المجنون:
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا ؟
أم أن الطائر (الأمة/ الجثة…) خلعت جناحيها، أو خلعاها تحت أصداء صوت المرحومة العظيمة أم كلثوم:
ومضى كلٌّ إلى غايته لا تقلٍ شنا، فإن الله شاء؟