يشير التعليق التالي “المتّزن” للمعلق الإسرائيلي “إهود يعاري” إلى أن “جيش الأسد أثبت عدم قدرته على استعادة الأراضي التي خسرها في هذه المنطقة”! أي أن علاقة “عدم إطلاق رصاصة واحدة من الحدود السورية” التي كانت أحد ركائز نظام الأسد الأب والإبن قد سقطت. ولم يعد باستطاعة الأسد أن يقنع إسرائيل أنه يحمي حدودها! وهذا إنجاز حقّقته الثورة السورية! وللتذكير، كان رامي مخلوف قد أعطى في مطلع الثورة مقابلة لجريدة نيويورك تايمز جاء فيها “سنقاتل حتى النهاية وبدوننا لا إستقرار في إسرائيل!”!
“بضاعة” حماية حدود إسرائيل سحبها الثوّار من نظام “الممانعة” الأسدي!
بالمقابل، هنالك تعاون “واقعي” أو أكثر بين بين جماعات المعارضة غير الإسلامية والجيش الإسرائيلي.
ولكن، تلفت النظر الإشارة إلى “عقيدة تنظيم «القاعدة» المتشددة ضدّ إسرائيل”! وهذا “وهم” لا يستند إلى وقائع! فلم يسبق لتنظيم “القاعدة” أن قام بعمليات تُذكّر ضد إسرائيل، ولا يدخل القتال ضد إسرائيل في إيديولوجية “القاعدة” إلا اضطراراً..!
ولو كان المعلّق الإسرائيلي يقرأ “الشفاف” لكان انتبه (منذ ١٠ سنوات!) إلى ما كتبه زعيم “القاعدة” الحالي “أيمن الظواهري” في كتابه “فرسان تحت راية النبي”، وجاء فيه أنه “يجب علينا أن نضيف إلى شعاراتنا العقائدية الخالصة (أي شعارات الحاكمية والولاء والبراء فقط) شعارات أخرى هي من الحق الخالص أيضاً، ولكن هذه الشعارات مفهومة لدى جماهير الأمة المسلمة.
أي أننا بتعبير آخر بدلاً من أن نعتبرها شعارات من الدرجة الثانية في الأهميـة يجب أن ندفع بها إلى الأمام لتتصدر دعوتنا جنباً إلى جنب مع الدعوة إلى التوحيـد الخالص والعقيدة الصافية.
والشعار الذي تتفهمه الأمة المسلمة جيداً وتتجاوب معه – منذ خمسين عاماً- هو شعار الدعوة إلى جهاد إسرائيل”!
بكلام آخر، “الدعوة إلى جهاد إسرائيل” ليست إلا “شعار من الدرجة الثانية” بنظر “القاعدة” وبقلم زعيمها الباقي على قيد الحياة!
الشفاف
*
في الأسابيع الأخيرة ظهر وضع جديد في جنوب سوريا، من النوع الذي قد يشكل خطراً على إسرائيل ولكنه قد يفتح أيضاً أبواب فرصٍ مهمة للمساعدة في رسم مستقبل المنطقة. ولا يزال العديد من المراقبين يعتبرون جنوب سوريا جبهة ثانوية في الحرب الأهلية المستمرة، إلا أن هذا الرأي يتجاهل إمكانية حدوث تغيير جذري في تلك المنطقة في غضون بضعة أشهر. وعلى وجه الخصوص، قد تصبح محافظتَا “القنيطرة” و”درعا” الجنوبيتَان أحدث الأراضي التي تحتلها القوات المتطرفة، لا سيما تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») و «جبهة النصرة»، أو أنها قد تصبح ملاذاً آمناً لجماعات الثوار غير الإسلاميين، الذين يقيم بعضهم اتصالات مع إسرائيل.
ونظراً لهذه التطورات المتغيرة بسرعة، يدرس الخبراء الاستراتيجيون الإسرائيليون خياراتهم بهدوء. والسؤال الرئيسي هو فيما إذا كان من المستحسن ملازمة مسار التدخل المحدود في القتال على الحدود أو اتخاذ دور أكثر نشاطاً في التأثير على نتيجة الحرب.
الوضع الحالي
نجح المتمردون حتى الآن في السيطرة على معظم الأراضي الموازية لخط الهدنة بين إسرائيل وسوريا من عام 1974، بما في ذلك “منطقة الفصل” المنزوعة السلاح التي تخضع لمراقبة “قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك” (أندوف) منذ أربعين عاماً. وفي بادئ الأمر أنشأ مجلس الأمن الدولي قوات “أندوف” لتشرف على التزام إسرائيل وسوريا بالقيود المتفق عليها في ما يخص انتشارهما على الحدود. ولكن نتيجةً تقدم الثوار، توقفت قوات “أندوف” عن العمل كلياً تقريباً باستثناء منطقة صغيرة نائية على سفوح جبل الشيخ. وقد تخلت هذه القوات عن قواعدها وعن مجموعة من مراكزها الأخرى في سوريا كما توقفت عن إجراء عمليات التفتيش هناك. وفي الوقت نفسه، أصبح الهدف الأساسي لقوات “أندوف” عند ذلك الجانب من الحدود – أي مراقبة نظام المعركة للجيش السوري – موضع نقاشٍ إلى حد كبير إذ إن اللواءين 61 و 90 في جيش نظام الأسد قد انهارا تماماً. وكان مجلس الأمن يقوم بتمديد ولاية قوات “أندوف” بشكلٍ روتيني كلّ ستة أشهر، ومن المحتمل أن يفعل ذلك أيضاً في تشرين الثاني/نوفمبر، إلا أن [التمديد المتوقع] لن يعالج حالة الشلل السائدة اليوم.
وباختصار، فإن نظام الحدود الذي عزز عقوداً من الهدوء والاستقرار قد يشهد أيامه الأخيرة. فقد سيطر الثوار على “منطقة الفصل” وهم ليسوا ملتزمين باتفاقية عام 1974، كما أن الوحدات النظامية للجيش السوري التي كانت تمنع وقوع حوادث على الحدود قد اضطرت إلى التراجع. وبالتالي، لدى إسرائيل جيران جدد عبر الأسوار والخنادق من حدودها في الجولان، من بينهم عناصر من «جبهة النصرة» الملتزمة بعقيدة تنظيم «القاعدة» المتشددة ضدّ إسرائيل.
حسابات إسرائيل و«جبهة النصرة»
في ظل الظروف الراهنة، فإن إسرائيل ملزمة بإعادة النظر في سياستها تجاه سوريا على أساس يومي، الأمر الذي يعني استثمار قدر كبير من الموارد الاستخبارية لمواكبة التطورات على الساحة العسكرية والسياسية المتغيرة باستمرار. ولم يحتدم الوضع العسكري حتى الآن بصورة كبيرة باستثناء وقوع بعض الحوادث المتفرقة التي أطلقت فيها قوات “جيش الدفاع الإسرائيلي” صواريخ “تموز” على مواقع للجيش السوري رداً على قيام هذه الأخيرة بإطلاق قذائف طائشة داخل الجولان. بالإضافة إلى ذلك، وفي 23 أيلول/سبتمبر، تم إسقاط طائرة حربية سورية عندما عبرت المجال الجوي الإسرائيلي عن طريق الخطأ بينما كانت تحاول منع المزيد من التقدم من قبل الثوار. إلا أنه لم يحدث حتى الآن أي تبادل لإطلاق النار بين القوات الإسرائيلية ووحدات الثوار من أي فصيل.
ومن ناحيتها، تجنبت «جبهة النصرة» أي محاولة للانخراط في عمليات إرهابية ضدّ إسرائيل. وتشمل وحدات التنظيم الجنوبية عدد قليل جداً من الجهاديين الأجانب – علماً أنه تم تجنيد معظم المتطوعين في المنطقة من السكان المحليين. وبالفعل، يبدو أن الجماعة قررت عدم التورط في مواجهات مع قوات “جيش الدفاع الإسرائيلي” في الوقت الراهن، إذ يفضّل قادتها التعاون غير المقيّد والمتغير حسب الظروف مع جماعات أخرى من الثوار، بمن فيهم أولئك الذين لهم علاقات مع إسرائيل. وخلافاً لبعض التقارير، لا تسيطر «جبهة النصرة» سوى على رقعة صغيرة من الأراضي على مقربة مباشرة من الحدود، على الرغم من أن أعضاءها موجودين على بعض قمم التلال الواقعة شرقاً، ومنها سيكون من الممكن استهداف الجولان.
وبغض النظر عن الوضع الحالي لـ«جبهة النصرة»، لا يمكن لإسرائيل أن تتجاهل التهديد المحتمل على المدى البعيد الذي تشكله هذه الجماعة، كما ولا يمكنها أن تغض الطرف عن إمكانية تسلل مقاتلي تنظيم «داعش» إلى المنطقة من معاقلهم في “وادي الفرات” – تلك الأراضي التي أُطلق عليها اسم «الدولة الإسلامية». وحتى الآن، قررت الحكومة الإسرائيلية عدم اتخاذ إجراءات وقائية عبر الحدود لصد منتسبي تنظيم «القاعدة» أو إضعاف قوتهم العسكرية. وتمّ الحفاظ على هذه السياسة الحذرة حتى في ظل الحملة التي تشنها الولايات المتحدة وحلفاؤها لـ”تقويض «داعش» وتدميرها في النهاية”، والتي شملت توجيه ضربات على أهداف «جبهة النصرة». ولم تُدعَ إسرائيل للمشاركة في هذه الحملة، كما أن هدنتها غير المعلنة مع «جبهة النصرة» لا تزال سارية المفعول. لكن، قد تضطر قريباً إلى إعادة النظر في هذا المسار.
مساعدة الثوار المعتدلين
يشكل خيار انتقال إسرائيل إلى استراتيجية فاعلة تكون أكثر جرأة تجاه الحرب السورية، السؤال الأكثر إلحاحاً بالنسبة للدولة اليهودية. وحتى الآن، لا يزال معظم الدعم الإسرائيلي لجماعات الثوار المقاتلة المعتدلة المحلية وغير الإسلامية المتمركزة على الحدود، محدوداً ويقتصر على المساعدات الإنسانية مثل معالجة 1400 شخص من المرضى والجرحى السوريين في المستشفيات الإسرائيلية، وتوفير الدواء والغذاء والمدافئ لسكان القرى، ونحو ذلك. وتحافظ بعض جماعات الثوار على اتصال دائم مع قوات “جيش الدفاع الإسرائيلي”، بما في ذلك عقد اجتماعات سرية متكررة – جرت في طبريا، وفقاً للتقارير . ولكن لم يتم توريد سوى كميات قليلة من الأسلحة إلى هؤلاء الثوار، لا سيما قاذفات الصواريخ عديمة الارتداد (“آر بي جي”).
ومع ذلك، قد يكون من الضروري تقديم مساعدة عسكرية على نطاق أوسع في غضون الأشهر القليلة المقبلة، في الوقت الذي تحارب فيه هذه الجماعات المنظمة من الثوار غير الإسلاميين – التي تتألف أساساً من الشباب المحليين – للدفاع عن هيمنتها في الجنوب في وجه «جبهة النصرة» و «داعش». وقد يساعد برنامج دعم أكثر تطويراً أيضاً في إبعاد العديد من المقاتلين عن الانضمام إلى «جبهة النصرة»، لا سيما أولئك الذين يأتون من قرى محلية ولا يشاركون بالضرورة أيديولوجية تنظيم «القاعدة».
وفي ضوء القرار الذي أعلنت عنه الولايات المتحدة مؤخراً بتسليح الثوار المعتدلين وتدريبهم، قد تتمكن واشنطن وإسرائيل – وعلى أمل الأردن أيضاً – من النظر بجدية في إمكانية توجيه بعض هذه الجهود إلى جنوب سوريا. وتوفر هذه المنطقة مساحات للتدريب وعدداً كبيراً من المقاتلين غير الإسلاميين، بالإضافة إلى المجموعات القبلية المسلّحة في منطقة “اللجا”. ومن الناحية العسكرية، قد تستطيع جماعات الثوار المعتدلة ربط مدينة “درعا” على الحدود الأردنية مع “القنيطرة” على الحدود الإسرائيلية عبر السيطرة على الطريق السريع الرئيسي الجنوبي المؤدي إلى دمشق. وقد أظهرت سيطرتهم على “تل الحارة” في نهاية الأسبوع المنصرم، شدة اندفاعهم نحو هذا الهدف، علماً أن تحقيقه بالكامل قد يشكل حاجزاً أمام تقدم تنظيم «الدولة الإسلامية» ونقطة انطلاق لشن هجوم في المستقبل نحو العاصمة.
وإذا تمّت دراسة هذا “الخيار الجنوبي” بشكلٍ جدّي، من المهم جداً الحصول على مساعدة الأردن. وفي الماضي كان الملك عبدالله قد رفض الرضوخ إلى الضغط السعودي لاستخدام الأراضي الأردنية كقناة لتزويد الثوار بالسلاح. غير أن عمّان قد تعيد تقييم هذا الموقف إذا ما عرضت عليها واشنطن برنامجاً يكون تحت رعاية أمريكية. وتشارك الأردن المصالح نفسها مع إسرائيل وهي: منع الميليشيات الإسلامية المتطرفة من ترسيخ نفسها على طول حدود المملكة مع سوريا، والحرص على سقوط نظام الأسد. لذلك، قد يكون من الممكن إقناع الأردن بالتعاون على بناء قوة كبيرة من الثوار في جنوب سوريا إذا ما حصلت عمّان على التأكيدات المناسبة.
إن أي جهد من هذا القبيل يجب أن يشمل أيضاً إعطاء ضمانات محكمة للسكان الدروز في محافظة السويداء في جنوب شرق سوريا بأنه لن يتم اجتياحهم من قبل ميليشيات الثوار ذات الأغلبية السنية. وعادة ما حافظت إسرائيل والأردن على روابط جيدة مع دروز الجبل في شمال شرق “درعا”، حيث ضعف الدعم لنظام الأسد على مر السنين. وإذا ما تمت تهدئة مخاوفهم، قد يستطيع الدروز اتخاذ موقف محايد طالما لا يكونون عرضة للهجوم.
الخاتمة
قد تتحسن كثيراً إمكانيات نجاح الحملة الحالية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» من خلال دمج جنوب سوريا كعنصر في معادلة المعركة. يتعيّن على إسرائيل، بالتعاون مع الولايات المتحدة والأردن ودول أخرى، أن تنظر في إمكانية تحويل هذه المنطقة بشكلٍ أكمل إلى قاعدة لقوات الثوار المعتدلة. وعلى حدود الجولان، يجدر بإسرائيل أن تعيد النظر في سياستها الحذرة وأن تساعد على منع “«داعش» من السيطرة” على المناطق المتاخمة للجولان أو ظهور “بلاد «جبهة النصرة»” هناك. ولدى جميع الأطراف الفاعلة ذات الصلة مصالح مشتركة في اتخاذ خطوات متناسقة في الجنوب. وقد أثبت جيش الأسد عدم قدرته على استعادة الأراضي التي خسرها في هذه المنطقة، التي هي مهد الثورة ضده، بينما قد تراها قوات المعارضة المعتدلة بأنها إحدى أفضل المناطق لتنظيم نفسها.
إهود يعاري هو زميل ليفر الدولي في معهد واشنطن ومعلق لشؤون الشرق الأوسط في القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي.