في التشيكلة الوزارية للحكومة الهندية الجديدة بزعامة “ناريندرا مودي”، لوحظ أنها تضم لأول مرة في تاريخ الحكومات الهندية سبع سيدات دفعة واحدة هن: السيخية “مانيكا غاندي” كنـّـة زعيمة حزب المؤتمر المهزوم “سونيا غاندي” لوزارة شئون المرأة وتنمية الطفولة، و”سمريتي زوبن إيراني” لوزارة التنمية البشرية، وطبيبة أمراض القلب وعالمة الحيوانات “نجمة هبة الله” لوزارة شئون الأقليات، و”هارسيمرات غاور بادال” لوزارة صناعة الأغذية المحفوظة، و”سوشري أوما باراتي” لوزارة مصادر المياه وتطوير الانهار، و”نيرمالا سيتارامان” لوزارة الدولة للتجارة والصناعة. علما بأن الدكتورة هبة الله هي الشخصية المسلمة الوحيدة في الحكومة، وهي حفيدة الزعيم الهندي الكبير مولانا أبو الكلام آزاد الذي اصطف مع نهرو والمهاتما غاندي ضد فكرة تقسيم الهند البريطانية.
غير أن المفاجأة الأكثر إثارة كانت ذهاب حقيبة الشئون الخارجية أيضا إلى سيدة هي”سوشما سواراج” لتدخل الأخيرة تاريخ بلادها كثاني سيدة تقود الدبلوماسية الهندية من بعد السيدة أنديرا غاندي التي تولتها في الفترة ما بين أغسطس 1967 ومارس 1969 في حكومة “لال بهادور شاستري” الذي خلف والدها جواهر لال نهرو.
وقد خطفت السيدة “سواراج” الأضواء فجأة من زعيمها “مودي” ليس لأنها ثاني سيدة تجلس على رأس الدبلوماسية الهندية، وليس بسبب سجلها العلمي والعملي الحافل بالنشاط والجدية والنجاحات المتتالية فقط، وإنما أيضا بسبب أمر آخر هو أن حقيبة الخارجية في الهند ليست كمثيلاتها في حكومات دول العالم الثالث. صحيح أن من يديرها ينفذ سياسات الحكومة الخارجية التي يصيغها ويشرف عليها رئيس الوزراء ، لكن الصحيح أيضا أن لوزير الخارجية شيئاً من النفوذ والصلاحيات الذي يستطيع من خلاله وضع بصماته الخاصة على تلك السياسات. ومن يقرأ تاريخ الحكومات الهندية المتتالية وسياساتها منذ الاستقلال في عام 1947 سيجد ذلك جليا فيما عدا الحالات التي كانت فيها حقيبة الخارجية من نصيب رئيس الوزراء نفسه، وهي حالات قليلة كان معظمها في زمن الراحل الكبير نهرو.
وبالعودة إلى وزيرة الخارجية الجديدة نجد أنها تتمتع بكل ما يمكنها من النجاح في مهمتها الجديدة، خصوصا وأنها تلقى دعما غير محدود من رئيس الوزراء “مودي” الذي تشترك معه في الايمان الشديد بالعقيدة القومية الهندوسية، ناهيك عن اشتراكهما منذ شبابهما في صفوف الحركات شبه المسلحة الداعية إلى التمسك بمجموعة من القيم والمباديء الهندوسية الخالصة.
و”سواراج” من جيل ما بعد استقلال الهند كونها ولدت في مدينة امبالا في فبراير 1952 لعائلة من طبقة البراهمة الهندوسية التي تؤمن بالاله كريشنا وبكتاب فيدا المقدس، وكان والدها احد القادة البارزين في “راشتريا سوايامسيفاك سانغ” أو ما يعرف إختصارا باسم “آر. إس. إس” وهي حركة ميليشاوية يمينية تعمل على التجنيد الطوعي لكل مؤمن بالعقيدة القومية الهندوسية. لذا لم يكن غريبا أن تقتدي الإبنة بوالدها في أفكاره منذ الصغر وحتى اليوم مرورا بفترتي المراهقة والشباب.
درست “سواراج” في أمبالا في “كلية ساناتان دارما” العريقة التي تأسست في عام 1916، وحصلت منها على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية وآداب اللغة السنسكريتية، ثم أتبعتها بنيل درجة الماجستير في القانون من جامعة البنجاب في تشانديغره، التي أتاحت لها العمل كمحامية في المحكمة العليا منذ عام 1973 .
بدأت هذه السيدة، التي تحرص على إرتداء الساري الهندي بطريقة أنيقة، وتزيين منتصف جبهتها بالدائرة الحمراء التقليدية، العمل السياسي في السبعينات حينما كانت بلادها تعيش حالة الطواريء التي فرضتها السيدة أنديرا غاندي. ففي تلك الفترة ظهر اسمها لأول مرة كناشطة في صفوف حزب “جاناتا دال” وقائدة لحملات شعبية ضد حزب المؤتمر الحاكم. ويعتقد أن عملها هذا هو الذي أسس لها شعبية قادتها إلى فوز ساحق في مسعاها لنيل مقعد في المجلس التشريعي لولاية هاريانا عن دائرة أمبالا إبتداء من عام 1977 وحتى العام 1982 ، ثم من عام 1987 وحتى 1990 .
بعد ذلك كرت سبحة نجاحاتها السياسية. إذ تولت في الفترة 1977 ــ 1979 وزارتي العمل والتعليم في حكومة بيهار المحلية فدخلت التاريخ الهندي كأصغر وزير لجهة السن حيث كان عمرها وقتذاك 25 سنة. وفي الفترة 1987 ــ 1990 تولت وزارة التموين والخدمات المدنية في حكومة بيهار، كما انها فازت في ديسمبر 1998 بمنصب رئيسة حكومة دلهي، فكان ذلك أيضا محطة متميزة في سجلها لأنه لم يسبق لإمرأة قبلها شغل هذا المنصب الهام.
أما على الصعيد الاتحادي فقد انتخبت سبع مرات لشغل مقعد برلماني في مجلس النواب (لوك سابها) ومجلس الشيوخ (راجيا سابها)، كما انها استلمت حقائب الاعلام والاتصالات والصحة ورعاية الاسرة والشئون البرلمانية في سنوات متفرقة حينما كان حزب “بهاراتيا جاناتا” يدير الهند في التسعينات والشطر الأكبر من العقد الماضي. وحينما تولى حزب المؤتمر السلطة وانتقلت “بهاراتيا جاناتا” إلى مقاعد المعارضة في البرلمان شغلت “سواراج” منصب نائب زعيم المعارضة البرلمانية “لال كريشنا أدفاني”. وبتقاعد الأخير عن العمل السياسي في ديسمبر 2009 حلت مكانه فعرف عنها ــ رغم أجندة حزبها المتناقضة تماما مع أجندة حزب المؤتمر ــ الرقي في خطابها السياسي والتزامها بمعايير إحترام الآخر. ولعل من يطلع على بعض الصور الفوتوغرافية التي التقطت لها مع زملائها وزميلاتها من داخل البرلمان الهندي سوف يجد بينها صورا تجمعها مع زعيمة حزب المؤتمر “سونيا غاندي” وكأنهما صديقتان، وليستا خصمين لدودين تنافسا بضراوة ضد بعضهما البعض في دائرة واحدة بولاية “كارناتاكا” في انتخابات 1999 .
ويذكر الهنود لـ”سواراج” أنها حينما كانت وزيرة للإعلام في حكومة “أتال بيهاري فاجبايي” في أواخر التسعينات أتخذت قرارا باعتبار إنتاج الأفلام السينمائية “صناعة”، الأمر الذي مكــّن المشتغلين في الحقل السينمائي من الحصول على تمويلات مصرفية، وحررهم بالتالي من استغلال المرابين والفاسدين. وانها حينما تولت وزارة الصحة في حكومة التحالف الوطني الديمقراطي بقيادة “ديفي لال” التي سقطت في عام 2004 قامت بإنشاء ستة معاهد ضخمة شاملة للعلوم الطبية موزعة على ست ولايات.
وجملة القول أن “سواراج” إرتبط إسمها منذ دخولها المعترك السياسي بمفردة “أول” فهي أول شخصية تدخل البرلمان المحلي في عمر 25 سنة، وأول رئيسة وزراء لدلهي، وأول وزيرة إتحادية وسكرتيرة عامة وناطقة رسمية باسم حزب “بهاراتا جاناتا”، وأول إمرأة تقود المعارضة البرلمانية من خارج حزب المؤتمر، وأول نائبة برلمانية تمنح وسام التميز البرلماني، وأول إمرأة تخوض الانتخابات في أربع ولايات مختلفة، وأول شخصية تحافظ على مدى 30 عاماعلى مقعدها البرلماني ما بين المحلي والاتحادي.
* باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين
Elmadani@batelco.com.bh