بقلم “سيسيل أينيون” و”لوران فان دير ستوكت”
جريدة “لوموند”
في يوم 24 نيسان/أبريل، وبعد أسبوع من القصف على مدينة “الزبداني” التي تقع في الطرف الجنوبي لمرتفعات “القلمون”، أعلن النظام السوري بلهجة الإنتصار عن “الإستسلام الوشيك” للمدينة التي تمثّل آخر مدينة يسيطر عليها المتمردون في منطقة الحدود مع لبنان.
وقامت التلفزيون الرسمية السورية والإيرانية بتصوير “المقاتلين التائبين”، الذين سلّموا أسلحتهم مقابل وعد بـ”العفو”. ولكن عمليات القصف استؤنفت في اليوم التالي، في حين شهد آخر مركزين عسكريين محيطين بالمدينة معارك عنيفة بين كتائب متمردة تابعة لـ”جبهة النصرة” وقوات نظامية معززة بعناصر من حزب الله.
وفي يوم السبت 26 نيسان/أبريل، أعلن ناشط معارض، يدعى “أيوب القلموني”، أمام كاميرات قناة “الجزيرة” أن “المقاتلين اضطروا للموافقة على وقف إطلاق النار. فجميع خطوط الإمداد باتت مقطوعة ولم تعد هنالك ممرات آمنة لإخلاء المدنيين”. ويُذكر أن “الزبداني” كانت أول مدينة سقطت في أيدي الثوار في 18 كانون الثاني/يناير 2012، قبل أن تستعيدها القوات النظامة لفترة وجيزة. ويأمل الثوّار أن يكون سقوطها بأيدي النظام مؤقتاً هذه المرة أيضاً.
من الزاوية الإعلامية، يبدو تسلسل الأحداث ملائماً لبشار الأسد. ففي حين تم الإعلان في 28 نيسان/أبريل عن ترشّحه للإنتخابات الرئاسية، وبعد 6 أشهر من حملة عسكرية على مرتفعات “القلمون”، فإن بوسعه الزعم بأنه أقفل الحدود مع لبنان، وعزل الثورة نظرياً عن قواعدها الخلفية، كما نجح في تأمين الطريق السريع المتّجه شمالاً حتى مدينة حمص، وحتى المنطقة العلوية مروراً بالساحل. وبالفعل، أعلنت حكومة دمشق عن فتح أوتوستراد دمشق-حمص عشية يوم 26 نيسان/أبريل.
لكن أبعد من إعلانات الإنتصار الصادرة عن نظام دمشق فإن الحقائق الميدانية تدعو للتحفظ. فقد فضّل قسم من المقاتلين الإنسحاب إلى مرتفعات “القلمون” العصيّة أو إلى المناطق الصحراوية التي تقع إلى الجانب الآخر للطريق السريع. إن هذه المنطقة الواسعة جداً، والصعبة التضاريس، لا تتيح للنظام فرض سيطرته عليها، إلا إذا قرّر أن يحتفظ فيها بقوات عسكرية كبيرة- وهو لا يملك مثل هذه القدرة حسب ما تقول مصادر المعارضة.
منذ بدء الإنتفاضة، وبعكس الحال في شمال سوريا، الذي يتميّز باستمرارية جغرافية حتى الحدود التركية، فإن ثوار دمشق وضاحيتها، أي “الغوطة”، لا يملكون منفذاً سهلاً إلى أي بلد مجاور.
ففي الشمال الغربي، في جبال “القلمون”، تفصل بينهم وبين لبنان 3 مطارات عسكرية و11 قاعدة للجيش تتمركز فيها وحدات المدرعات، والمدفعية، وصواريخ “سكود”، وجميعها تابعة للفرقة الثالثة في جيش الأسد.
“الغوطة” معزولة
ولم يتمكن ثوار دمشق والغوطة في أي وقت من تأمين منفذ مباشر للتموين بالأسلحة والذخائر والمواد الغذائية، أو لنقل جرحاهم إلى لبنان. وفي أي أفضل الأحوال، كان على مقاتلي “الغوطة” أن يلتفوا على تلك المراكز العسكرية أو أن يتسللوا بينها.
يحلل “حمزة” بدون صعوبة تقدّم القوات النظامية في مرتفعات “القلمون”. إن “حمزة” قريب لأحد قادة جيش دمشق، وقد انضم إلى الثورة في منتصف نيسان/أبريل 2011، في حمص. وفي حزيران/يونيو 2013، انتقل إلى مدينته، “الرحيبة“، في شمال العاصمة حيث يحمل كاميرته لتصوير المعارك التي يخوضها “جيش الإسلام”، وهو كتيبة “معتدلة”، تنتمي إلى “الجبهة الإسلامية” التي تمثّل أكبر ائتلاف للكتائب الثائرة في سوريا.
ويتحدث حمزة أولاً عن رفاقه الذين سقطوا: “أبو خليل، إبن عمّه المرح، الذي مات بالتهاب إصابة في الفخذ تعذر معالجتها، أو “أبو غضب” الذي قتل في القصف الحكومي على “زملكا”، وهو حي يقع في شرق دمشق… ويقول أن مواقع الثوار في دمشق وضاحيتها لم تتغير منذ سنة، وأن الثوار محاصرين بصورة شبه كاملة وأنهم “يأكلون ما لا يؤكل: الجذور، والأشجار…”.
ويشرح “حمزة” بأنه، في “القلمون”،: “لكي يحتل “قارة”، ويستمر في التقدّم باتجاه الجنوب بموازاة الحدود اللبنانية ويستولي على النبك، ويبرود، ورنكوس، ثم اليوم على الزبداني، فقد لجأ جيش بشّار في كل مرة إلى استخدام أسلوب الإرهاب الذي يتمثّل في عمليات القصف بالصواريخ أولاً، ثم ببراميل “تي إن تي”، ثم بالمدفعية. وبعد ذلك، كان يتم تخطيط المعارك وتنفيذها بالتعاون مع حزب الله، ومرتزقة عراقيين، وأجانب آخرين”.
وتتمتع بعض المدن بهدوء نسبي بفضل تفاهمات غير رسمية مع القوات المحلية التابعة للنظام تقضي بعدم التعرّض لقوافل قوات النظام أثناء عبورها الطريق السريع باتجاه حمص مقابل عدم تعرّضها للقصف: “هذه التفاهمات تسمح لقوات النظام بتخفيف إجراءات المراقبة على طرقات القلمون، وتسمح للثوار بالمقابل بالتنقّل، سرّاً، والعبور إلى لبنان، وتسمح لهم خصوصاً باستخدام المعبر الذي يوصل إلى مدينة “عِرسال” اللبنانية”.
وتقول “ريما”، وهي سورية شابة من دمشق جاءت إلى لبنان لتعود وتلتحق بالثورة في “يبرود”، أن معركة يبرود شهدت “خيانات في صفوف الجيش السوري الحر”.
ويقال أن محاولات جرت لشراء ذِمَم عناصر من حزب الله، ولكنها فشلت. ودخل مقاتلو حزب الله إلى المدينة وهم يرتدون ملابس مقاتلي الجيش السوري الحر. وكان مقاتلو “الحر” يفتقدون إلى الأسلحة الثقيلة ففضّلوا الإنسحاب من “يبرود” بعد شهر من المعارك ومن القصف العنيف. وتقول “ريما” أن الإستمرار في المقاومة كان سيتسبّب بسقوط عدد كبير جداً من الضحايا، وتضيف أن “قسماً من المقاتلين اتّجه نحو “عِرسال” في لبنان. أما الآخرون، مثل عناصر “كتيبة الغرباء”، وهم من أهالي “يبرود”، فقد أقاموا معسكرات مخفيّة في جبال القلمون”.
الخلافات القطرية-السعودية كان لها أثرها
ويبدو أن التعاون بين محتلف جماعات الثوار لم يكن مثالياً أثناء حرب “القلمون”. ويحتمل أنه كان للخلافات بين الجهات الخارجية الداعمة، وخصوصاً قطر والسعودية، تأثيرها في الميدان. وحسب ريما: “يُقال أن الجماعات التي تتلقى دعماً سعودياً وصلت بعد انتهاء المعركة”.
وحسب المقاتلين الذين تحدّثَت إليهم، فإن حلفاء الأسد فقدوا 420 قتيلاً و20 دبابة. ويعترف الثوار السوريون، من جهتهم، بأنه سقط لهم 50 رجلاً.
في “رحيبة”، التي ما زال المتمردون يسيطرون عليها، يشرح “حمزة” بأن القوات الحكومية كانت ستتحرك لمهاجمة “رحيبة” لو أن مقاتلي كتيبته كانوا قد توجّهوا لنجدة “يبرود”, ويضيف: “بناءً عليه، فقد قررنا القيام بعمليات إلهاء عبر هجمات ضد الوحدات الحكومية وضد مخازن الأسلحة في المنطقة. وأدى ذلك إلى إشغال قسم من القوات المعادية لم يعد قادراً على التوجّه إلى يبرود. وينسجم ذلك مع تكتيكنا الذي يقضي بعدم مواجهة الجيش على أبواب مدينتنا، وبعدم التسبّب بقصف النظام لمدينتنا”.
ويضيف: “نحن معتادون على الجبال والصحراء، ونقوم بشنّ عمليات خارج المدينة. أن صواريخ “كونكورس”، والدبابات العشر التي نمتلكها، وذخائرنا.. كلها غنائم من الجيش السور ي”.
“بشار لم ينتصر”!
ويعترف الثائر الشاب بأن “محاولات حزب الله والحكومة لتطويقنا وعَزلنا فعّالة ولكن بصورة جزئية فحسب. ما زلنا نملك إمكانية الوصول إلى تركيا، أو إلى الأردن من جهة الشرق. وبالنسبة لتركيا، فإن وجود عناصر “داعش” في الشمال يجعل الطريق معقّدة. فإذا ما صادفنا عناصر “داعش”، فإن المواجهة ستقع حتماً. ولكننا نجد دائماً معابر للوصول إلى تركيا. وبالنسبة للأردن، فهنالك طرقات الصحراء”.
إن حصيلة العمليات التي قامت بها القوات الحكومية في منطقة “القلمون” منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2013 تظلّ غير حاسمة وقابلة للجدال على المستوى العسكري، سوى أنه لا سبيل للشك في أنها حققت نصراً على المستوى الإعلامي. فقد أتاح لها تقدّمها الإعلان عن استعادة منطقة استراتيجية من زاوية بقاء النظام، كما أعطاها الفرصة لكي تستعرض عناصرها أمام الكاميرات، في يوم 15 نيسان/أبريل، أمام خرائب مدينة “معلولا”، وهي مدينة صغيرة أغلب سكانها من المسيحيين. وكان “أحد الفصح” مناسبة مثالية لكي يعزّز النظام سمعته كحامٍ للأقليات الدينية في سوريا.
وفي هذه الأثناء، تواصل المعارضة المسلحة عملياتها.
ويقول “حمزة”: “يبلغ عددنا 3000 رجل تقريباً. ويحدث أن نتفاهم للقيام لخوض معارك بالتعاون مع كتائب “النصرة” أو مع مقاتلي “الجيش الحر”. ويضيف أن “عناصر “الجيش الحر” يتلقون تدريبات ويحصلون على أسلحة من الخارج بينها صواريخ “رد أرو” (صاروخ موجّه سِلكيّاً يُعتَبَر سلاحاً فعّالاً ضد الدبابات) حتى من الأميركيين! أما في الميدان، فإن عددهم يعادل ربع أعداد مقاتلينا”!
ويضيف: “لم ينتصر بشّار. لقد هدم المنازل، وفرّ المدنيون من المجزرة. إن الدمار اللاحق بمدن القلمون ليس مشكلة بالنسبة لنا. فالثورة لم تهلك، ولكنها قرّرت أن ترحل. لقد غيّرت أماكن وجودها. وتوزّعت الجماعات المقاتلة بين الجبال والصحراء.
“إن قوات بشّار لا تسيطر سوى على الخرائب”!
ترجمة “الشفاف”