خيرالله خيرالله
نجحت الكويت في امتحان القمة العربية التي انعقدت فيها من دون مشاكل تذكر. في النهاية، استطاعت الكويت ترحيل الازمة الخليجية الى مرحلة ما بعد القمّة بعدما تبيّن أن المعنيين بالأزمة على طرفي نقيض، خصوصا بالنسبة الى كلّ ما له علاقة بالاخوان المسلمين. يكفي أنّ المملكة العربية السعودية تعتبر تنظيم هؤلاء “ارهابيا” كي يتكشف مدى عمق الأزمة داخل مجلس التعاون.
كان مجرّد انعقاد القمّة في موعدها انجازا بحدّ ذاته، خصوصا أن هناك دولا عربية تحتضر. من بين هذه الدول ليبيا، على سبيل المثال وليس الحصر، التي لم يعد معروفا ما اذا كانت ستبقى دولة موحّدة، أو حتى هل من مجال لقيام دولة تحترم نفسها في هذه المنطقة أو تلك منها.
كانت الكويت المكان المؤهل لاستضافة القمّة في هذه الظروف الحرجة التي يبحث فيها العرب عن استعادة التوازن الاقليمي وفي وقت صار “الربيع العربي” خريفا بعدما حاول الاخوان المسلمون خطف الثورات الشعبية. قد لا تكون هذه الثورات ثورات حقيقية بمقدار ما أنها تعبير عن افلاس تام لبعض الأنظمة العربية.
كشفت القمّة أنّ هناك دورا كويتيا مهماّ ومحوريا في هذه الايّام. لا يمكن الّا الاعتراف بوجود شخص استثنائي هو الشيخ صباح الاحمد أمير دولة الكويت الذي يمتلك تجربة فريدة من نوعها منذ كان وزيرا للخارجية في ستينات القرن الماضي. هناك نضج للدور الكويتي وادراك لأهمية تجاوز الخلافات العربية واعادة من فقد رشده الى جادة الصواب عن طريق الخطوات الهادئة بعيدا عن أي تشنّج.
هناك ادراك كويتي لأهمّية تجاوز المغامرات العسكرية والسياسية والخزعبلات الاخوانية. الدليل على ذلك، أن الكويت لم تتردد في دعم “ثورة الثلاثين من يونيو” في مصر على غرار ما فعلت السعودية ودولة الامارات.
الأهمّ من ذلك كلّه أن الكويت متصالحة مع نفسها. مرّت بفترة حاول فيها البعض زعزعة الاستقرار فتجاوزتها وحافظت على نظامها الديموقراطي، هذه الفترة كانت وراءها مزايدات ترفض أن تأخذ في الاعتبار أنّ هناك واقعا كويتيا قائما، بل راسخا.
يتمثّل هذا الواقع في دستور يطبقّه الامير بدقّة من جهة، وفي وجود أسرة حكم متفق على أنها مظلة تجمع مكونات المجتمع الكويتي بتركيبته المعقّدة من جهة أخرى. لولا الأسرة، يصعب الحديث عن القيام بالاصلاحات المطلوبة في ظلّ المكونات المعروفة للمجتمع، أي الحضر، والبدو الذين ينتمون الى عشائر مختلفة، والشيعة.
لا يجمع بين مكونات المجتمع الكويتي غير الأسرة الحاكمة التي ارتبطت بتاريخ الكويت وتطوره وكانت الضمانة لاستعادة الدولة من براثن الاحتلال. كان الالتفاف حول الأسرة وحول الكويت أوّلا السلاح الذي مكّن الكويتيين من الانتهاء بسرعة من الاحتلال اثر غزو صيف 1990. ولذلك، سيظلّ الكويتيون يدافعون عن نظامهم ولا يمكن، لأكثريتهم الساحقة الّا رفض “الحكومة الشعبية” التي تمثّل الخطر الأكبر على الكويت.
هذا لا يمنع من الاعتراف بأن الكويت تواجه تحديات على الصعيد الداخلي. فللمرّة الأولى منذ سنوات عدّة سادتها فوضى الممارسات غير المسؤولة التي أدت الى انتخابات نيابية بعد أخرى، هناك فرصة لتحقيق الاستقرار والانصراف الى اتمام المشاريع التي يحتاجها البلد.
قبل كلّ شيء، ثبتت المحكمة الدستورية مجلس الأمّة (مجلس النوّاب) الذي سيكمل ولايته. وهذا المجلس خارج سيطرة التطرف والمتطرفين، في طليعتهم الاخوان المسلمين. على رأس المجلس شاب جريء هو مرزوق الغانم منفتح على كلّ ما يمكن أن يصبّ في خدمة البلد وتطويره من دون أي عقد من أي نوع كان.
هناك بداية ادراك في الكويت لأهمّية عامل الوقت. هناك ادراك لأهمية معالجة ثلاثة ملفات في السنتين المقبلتين وذلك من أجل وضع الاسس للتنمية في السنوات العشرين المقبلة.
قبلت الكويت التحدي الخارجي. ولكن ماذا عن التحديات الداخلية؟ هل يفتح ملف الاسكان الذي في أساسه تأخير توزيع القسائم على المستفيدين منها؟ هناك وعد بانشاء مئة ألف وحدة سكنية يحتاج اليها المواطنون الكويتيون. اذا لم يتحقق ذلك في غضون سبع سنوات، ستواجه الكويت مشكلة كبيرة على الصعيد الداخلي، أي مع الكويتيين أنفسهم.
هناك أيضا ملفّ الصحة. هناك مشكلة نوعية الخدمة وعدد الأسرّة التي يحتاج اليها البلد الذي يستنزف فيه قطاع الصحّة مئات ملايين الدولارات من الموازنة. ما لا يغيب عن بال أي كويتي أنه لم يبن أي مستشفى حكومي منذ 1980!!!
ثمة ملف آخر في غاية الأهمية هو التعليم. ماذا عن مستوى التعليم بعد تدني مستوى البرامج والأساتذة بسبب تأثير التيّارات الاسلامية المتطرفة التي شنّت غزوات فكرية على البلد من خلال نشر الافكار المتشددة في المدارس على يد معلّمين ينتمون الى تيّار معروف معظمهم جاء من مصر؟ هل من تنمية من دون تعليم جيّد يرقى الى المستويات العالمية المتعارف عليها؟
في غياب الاهتمام الجدّي في التعليم والبرامج التربوية، لا نمو في المستقبل، كذلك، ستظل ادارات الدولة تعاني من تضخّم في عدد الموظفين الذين لا يمتلكون مؤهلات تذكر.
نعم، تواجه الكويت تحديات داخلية. لماذا لا تنجح في مواجهتها على غرار نجاحها في مواجهة التحدي الخارجي الذي مكّنها من استضافة عدد قياسي من القمم العربية وغير العربية في وقت قياسي.
هناك بكل بساطة نضج كويتي على صعيد السياسة الخارجية يفترض أن ينسحب على الداخل بعدما أمّن أمير الدولة الاستقرار السياسي المطلوب من أجل الانطلاق الى الاستثمار في المستقبل، أي في الشباب الكويتي الذي يهتّم به وزير هو الشيخ سلمان الحمود. يعرف وزير الشباب، الذي هو أيضا وزير الاعلام والرياضة والثقافة، تماما أن المستقبل مرتبط بكيفية الاستفادة من الطاقات التي يمتلكها الانسان في هذا البلد…الذي عرف دائما كيف يحمي نفسه في مراحل معيّنة وفي ظروف اقليمية في غاية الدقة والتعقيد. من يتذكّر كيف حمت الكويت نفسها خلال الحرب العراقية- الايرانية بين عامي 1980 و1988 عن طريق الاستعانة بالعلمين الاميركي والسوفياتي(وقتذاك) لحماية الناقلات التي كانت تحمل نفطها في الخليج؟
.