يبدو أن هيئة الإذاعة البريطانية (بي. بي. سي) أصبحت المؤسسة الإعلامية الأهم لإصلاح ما بيننا نحن العرب والمسلمين. فليست هي الأكثر حيادية في نقلها للأخبار، وإنما هي الرائدة في تقديم البرامج المميزة لرفع مستوى الوعي وحتى إلى تعليم المستمعين والمشاهدين استخدام لغة الحوار، التي أصبحت نادرة بيننا.
ويستحق برنامجها «أثير الكراهية» الذي بث أخيراً أن ينصت إليه أكثر من مرة. فموضوع البرنامج والذي كان عن المحطات الفضائية الطائفية من شيعية وسنية، والتي تزرع وتغذي الكراهية بين أصحاب الدين الواحد وعلى مدى الساعة، كان موضوعاً مسكوتاً عنه إلى حد كبير بطريقة دفن الرؤوس في الرمال. بمعنى ان الخطر قادم، لكن لا حول ولا قوة لنا لرده. عشرون محطة طائفية تبث الكراهية وتزرع السموم من دون توقف، ولم يبحث موضوعها أبداً على مستوى المسؤولين أو الإعلام في دول المنطقة. والأنكى من ذلك ان مستمعيها يتزايدون، وتمويلها يتعزز يوماً بعد يوم من الفقراء والأغنياء. قد يرى القادة السياسيون أن جهودهم تنكب على وقف الحرب الطائفية الناشبة في سوريا والعراق والتي يذهب ضحيتها المئات يومياً. ولكن من يزرع الضغينة في عقول الشباب، محولاً إياهم إلى قتلة ومجرمين من رؤية طرف، وشهداء من رؤية الطرف الآخر يزدهر ويعيش بسلام. لا شك أن ما يحولهم إلى قتلة هو لغة الكلام التي يرتشفونها مع الحليب وممزوجة بالطعام في بعض البيوت والمحملة بالضغينة والازدراء إلى الطرف الآخر. لغة التطرف والكراهية هذه هي التي يتاجر بها عبر فضائيات تعمل على توسعة دائرة الضغينة إلى من لم يتشربها في طفولته وتكثيفها لمن تذوقها في سن مبكرة.
ليكون برنامج «أثير الكراهية» الذي بثته الـ«بي. بي. سي» أخيراً بداية لجهود، ومحفزاً لانتقاء خيارات أخرى واتخاذ قرارات وتقديم برامج تخفف أو تزيل هذا الصراع الطائفي الكلامي الجارح لمشاعر الغالبية العظمى من المسلمين. ولربما الوصول إلى قرارات تعمل على وقف هذه المحطات المحرضة، إن كانت في العالم العربي أو في أوروبا أو الولايات المتحدة. فلا بد من تطبيق القوانين التي تلاحق من يشجع على نشر الكراهية. وان كان لا يمكن تنقية عقول وقلوب البشر بقرار أو قانون، فسدّ منابع التشويه ممكن.
ولا بد من التساؤل في خضم فوضى الكراهية، ان كان سيأتي الوقت الذي سيدرك فيه المسلمون ان أكثر من قراءة أو فهم للتاريخ أمر طبيعي. لكن ألا يكون الصراع الذي دار منذ 1400 سنة محدداً لمستقبلنا. ومتى سنعي أن هذا الصراع لم يكن صراعاً عقائدياً بل كان صراعاً سياسياً؟
لقد كان نور الدين زرقي من الـ«بي. بي. سي» بارعاً في تقديمه لـ«أثير الكراهية» وشجاعاً في إصراره على مقابلة القائمين والممولين لفضائيات الكراهية، ملاحقاً إياهم في دولهم. وكان موفقاً في اختيار عائلة عراقية عانت من العنف الطائفي خاتمة لبرنامجه. فقد أتاح الفرصة لأم علي الشيعية التي فقدت زوجها السني لكي تعبّر من مأساتها، وأن نستمع الى ولدها، يطرح تساؤلاً يتضمن الإجابة: هل من الممكن أن أكره أخوالي لفقداني أبي في هذا العنف الطائفي؟
Hamed.alajlan@gmail.com