اجلس وتحدث مع أفراد المعارضة السورية بشأن نمو التطرف وسوف ينحي العديد منهم باللائمة على الولايات المتحدة. يقولون إن واشنطن تفهم جماعات مثل «جبهة النصرة» “بشكل خاطئ تماماً” لأن الجماعة أفضل بكثير من الجماعات الأكثر تطرفاً مثل «الدولة الإسلامية في العراق والشام».
ومن المفهوم تماماً أن تشعر المعارضة السورية بالإحباط جراء سياسة واشنطن تجاه سوريا، لا سيما إخفاقها في الوفاء بتهديدها بشن هجمات عقابية ضد نظام الأسد جراء استخدامه للأسلحة الكيماوية. لكن هذا لا يعني أن على المعارضة السورية أن تسلم ثورتها الغالية إلى الجماعات المنتسبة لـ تنظيم «القاعدة» مثل «جبهة النصرة». وسواء كانت الجماعة تتبع أساليب أكثر نعومة أم لا، فهي تمثل اختراقاً أجنبياً وتتعارض أيديولوجيتها المتطرفة مع أفكار حشد الحركة الديمقراطية السورية فضلاً عن أنها تُضعف من مصداقية المعارضة السورية في أعين الشعب السوري والمجتمع الدولي.
يرى كثيرون في المعارضة أن «جبهة النصرة» منظمة سورية تشكلت في كانون الثاني/يناير 2012 على يد محمد الجولاني. ولكن وفقاً لما كتبه زميلي هارون زيلين وآخرون، فإن «جبهة النصرة» كانت منذ البداية فرع لتنظيم «القاعدة» استناداً إلى اجتماع عُقد بين زعيم «الدولة الإسلامية في العراق» أبو بكر البغدادي والجولاني، الذي ذهب إلى سوريا لتشكيل المنظمة وإعلانه البيعة لزعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري. وعلى غرار الكثير من المنظمات الناشئة، كانت هناك منافسات بين الشركاء المؤسسين. وعندما حققت أساليب «جبهة النصرة» نجاحاً باهراً وملحوظاً في ميدان المعركة، فضلاً عن استخدامها لتدابير أكثر نعومة مثل توفير الغذاء وإبرام الاتفاقات مع المدنيين والقبائل، أعلن البغدادي في نيسان/أبريل 2013 أن «جبهة النصرة» هي مجرد امتداد لـ«الدولة الإسلامية في العراق والشام»، وأطلق عليها اسم «الدولة الإسلامية في العراق والشام». وقد عارضه في ذلك الجولاني بقوة، قائلاً إن النهج “الأكثر نعومة” الذي تتبناه المنظمة مع المدنيين والقبائل يختلف تمام الاختلاف عن الأساليب الوحشية التي تتبناها «الدولة الإسلامية في العراق والشام» داخل العراق. ورغم أن الجماعتين كانتا كيانين منفصلين منذ ذلك الحين، إلا أن الجولاني أعاد تأكيد بيعته للظواهري في نيسان/أبريل 2013، وهذا يعني أنه في الوقت الذي لم تعُد فيه «جبهة النصرة» خاضعة لإدارة «الدولة الإسلامية في العراق والشام» إلا أنها تبقى موالية لزعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري. ولجميع الأسباب الواردة أعلاه، قامت الحكومة الأمريكية بتصنيف «جبهة النصرة» على أنها منظمة إرهابية وسوف تستمر في ذلك.
وترى هذه الجماعات أيضاً أن الديمقراطية وسيادة القانون تتعارضان مع الإسلام، الأمر الذي يقوض من الأهداف الديمقراطية للمعارضة. ففي المناطق المحررة من سوريا، ساعدت هذه الجماعات على تنفيذ هجمات ضد منشآت نظام الأسد وقامت بتوزيع المواد الغذائية، لكنها تصرفت بشكل مستقل عن المجالس المحلية وغيرها من الهيئات المنتخبة. إن اختيار القيادة الداخلية للجماعات لا يتسم بالديمقراطية هو الآخر، ويعني ذلك أنه على عكس الوحدات المسلحة الرئيسية، ليس من المرجح أن تندمج في هياكل الحكم المحلي في المستقبل.
كما يبدو أنه بات من الصعب السيطرة بسهولة على جماعات مثل «جبهة النصرة» و«الدولة الإسلامية في العراق والشام» وهي آخذة في التصاعد داخل المعارضة المسلحة في سوريا. وقد تجلى ذلك بوضوح في المعارك الضارية التي وقعت بين «الدولة الإسلامية في العراق والشام» وجماعات المعارضة السورية المسلحة الأخرى حول العزاز، حيث كان الغرض من شن تلك المعارك هو السيطرة على المعابر الحدودية الرئيسية القادمة من تركيا والتي تزود الثوار بالإمدادات في شمال البلاد. أما في الجنوب، حيث كان نشاط «جبهة النصرة» و«الدولة الإسلامية في العراق والشام» أقل ظهوراً، فقد سيطرت «جبهة النصرة» وجماعة جهادية محلية أخرى على محافظة درعا.
وهذه الجماعات لا تشكل تهديداً للشرعية السياسية للمعارضة فحسب، بل تعطي أيضاً ذريعة للنظام لكي يبرر ما يمارسه من عنف ضد السكان. وحيث سمحت المعارضة السورية لهذه الجماعات بالانتشار، وإن كان ذلك كان باسم القتال ضد نظام الأسد الوحشي، فإن الأسد يروج للشعب السوري بشكل متزايد بأن نظامه يقاتل “إرهابيين”. وهذا التصور يجد انتشاراً واسعاً ومتزايداً في أوساط المجتمع الدولي كذلك، وهو ما يعزز العمل ضد الدعم الغربي للمعارضة السورية. وفي حين أن الولايات المتحدة وحلفاءها أحجموا عن تقديم أسلحة كافية للمعارضة السورية للإطاحة بالأسد، إلا أنهم قدموا حصة الأسد من المساعدات الإنسانية إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة.
وأخيراً وليس آخراً، فإن التسامح المتزايد من قبل المعارضة مع الجماعات المتطرفة يزيد من احتمال التدخل الإسرائيلي ضد مصالح المعارضة ولا يقلل منه. ولا تزال إسرائيل في الوقت الحالي بعيدة عن القتال في سوريا، لكنها بين الحين والآخر تعزز “خطوطها الحمراء” بشأن نقل الأسلحة الاستراتيجية أو المتطورة إلى «حزب الله» أو قوات “القدس” الإيرانية في لبنان أو سوريا. لكن، مع تصاعد دور الجماعات المتطرفة، أصبح هناك الآن تهديد حقيقي من أن تقدم إسرائيل على وضع خطوط حمراء قابلة للتنفيذ بخصوص هذه الجماعات أيضاً، مما يسبب المزيد من الأضرار إلى القضية الكلية للثورة. وفي حين أن الاتفاق الأخير بشأن الأسلحة الكيماوية قد حدّ من ذلك التخوف، إلا أن العملية لا تزال في بدايتها وأي محاولة من قبل المتطرفين للاستيلاء على مخازن الأسلحة الكيماوية من نظام الأسد من المرجح أن تثير رد فعل كارثي.
إن الصراع الدائر في سوريا سيكون مريراً خلال السنوات القادمة. وأفضل وسيلة لمواصلة المعارضة السورية قتالها ضد الأسد هي أن تتجمع سياسياً تحت مظلة حركة معارضة وطنية موحدة يتم تشكيلها بعد إجراء انتخابات في المناطق “المحررة” من البلاد. وهذا يعني إبعاد المنتسبين لـ تنظيم «القاعدة» من أمثال «جبهة النصرة»عن الصراع. وهناك بعض المؤشرات المشجعة على أن ذلك يحدث بالفعل، أجدرها بالملاحظة الاندماج الذي تحدثت عنه التقارير بين “المجلس العسكري الأعلى” و “جيش الإسلام”، الذي تدعمه المملكة العربية السعودية، في جنوب سوريا. يشار إلى أن فصائل “المجلس العسكري الأعلى” و “جيش الإسلام” لا تشمل في صفوفها «جبهة النصرة» والمنظمات الجهادية الأخرى. إن بناء التحالفات مع وضع قيود واضحة فيما يتعلق بالنطاق السياسي سوف يساعد على تعزيز قضية المعارضة على المدى البعيد.
أندرو جيه. تابلر هو زميل أقدم في معهد واشنطن ومؤلف كتاب “في عرين الأسد: رواية شاهد عيان عن معركة واشنطن مع سوريا.”