تذكرت، أمس، (الاثنين) مع خطاب الـ”تي تايم”، العراب “دون كورليوني” ومعادلته”: إما تبيع حصانك، وإما يُقتل، ثم تُقتل”. كما تذكرت، من زمن الولدنة، رفيقا مرهوبا، كان يغير قواعد أي لعبة يشعر أنه لن يربح فيها، ثم يعيدها إذا استشعر أن النتائج ستميل لمصلحته. والأنكى أنه كان يعيّر من يقلّده، بالخروج على قواعد يسلّم بها الجميع.
فلقد استوقفني، في الخطاب، قول صاحبه “إن تعطيل الحوار في سوريا يعني المزيد من القتال”، فتذكرت، إحياء فرنسا والولايات المتحدة، قبل أيام، ذكرى 299 من جنودهم سقطوا في 13 تشرين الأول 1983، بتفجير مقرين لـ”القوات متعددة الجنسية”، الآتية لمساعدة لبنان على الحوار الداخلي وإستعادة الدولة دورها وسلطتها، بعد خروج المحتل الاسرائيلي، والمقاومة الفلسطينية.
يومها، أعلنت “حركة الجهاد الإسلامي” أنها المنفّذ، إيذانا بولادة ما صار اليوم “الحزب الحاكم”. وكان أبرز النتائج عودة القتال، وانطلاق حروب الأشقاء والزواريب، وإطلاق التناحر المذهبي، وعودة الوصاية الأسدية، لاحقا، وقطع الطريق على الحل السياسي، الذي يتخوف عليه الأمين العام،الأشهر، اليوم، في سوريا، ولم يكترث له، يومها، في لبنان.
قد يكون “الوعي” المتأخر بأهمية الحوار، اليوم، أفضل من التجاهل الدائم، لكنه يأتي على جبل من 30 سنة من تهم التكفير والتخوين، المعجونة بدماء الخصوم، من شهداء “جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية” إلى شهداء إضطهاد التضامن المذهبي من “الخارجين” على الدوغمائية الشمولية والولاء النمطي.
كذلك تأتي الدعوة، على طريقة رفيق “الولدنة”: ما نفّذناه من غدر بالدستور والقوانين وسلطة الدولة، وما احدثناه من تفتيت في المؤسسات، مسلمات، خارج الحوار.
وعلى طريقة “الدون كورليوني”، يدعى الخصم إلى الحوار مرة واحدة وأخيرة، “من دون شروط مسبقة”، عدا ما فرضه سلاح الداعي، وإلا، يقتل “الحصان”، وبعده صاحبه: يتفاقم تفتيت الدولة، فلا رئيس جديد، بل مجلس رئاسي مثلث الأضلاع. والداعي، مقتدر بسلاحه، وبتأطير غيبي أعمى، واستعداد ميليشياوي دائم لهتك السلم الأهلي، ثم رتقه بغشاء الحرص على بناء دولة نخرتها سطوته.
ولأن الداعي وطني الاهتمامات، ويود تجنب الفئوية، اليوم، يستذكر قضية الأسرى لدى الوصي السابق، كأنه يقر بأنه لم يتابع الأمرن ولو تعهده على طاولة الحوار.وكذلك تغييب الإمام الصدر في ليبيا، وهو الذي تجاهله الحزب، وايران، حتى 2005!؟
وبمنطق “نحن دائما على صواب، وانتم دائما على خطأ”، الذي يتعامل به في الداخل، يريد أن يطبقه على المشهد السوري: “السعودية أرسلت مقاتلين إلى سوريا من جميع أنحاء العالم…ولم تلق ما تريد”.
صح أم خطأ؟ ليس النقاش في هذا. بل أين ايران من المشهد نفسه، وماذا يفعل مقاتلوه هناك؟ هل يستجمون مع الحرس الثوري الايراني وميليشيات المالكي ونظير حزبه العراقي ومجموعات الهزارة الأفغان؟
كان ينقص خطيب التلفزيون أن يقر بأن سوريا تختصر صراعا إقليميا- دوليا، وأنه يستعجل تثبيت النتائج الراهنة بالإغواء بالإستقرار، والتلويح بالفرصة الأخيرة. كما فاته ذكر أميركا و”مؤامراتها”. ربما سيعوض في ذكرى احتلال سفارتها في طهران عام 1979، بعد أيام!!
rached.fayed@annahar.com.lb
النهار