خاص بـ”الشفاف”
عادت القيادات الحزبية في المجلس الوطني الكوردي السوري من “هولير” بعد انتهاء اجتماعاتها مع رئيس إقليم كردستان العراق السيد مسعود البارزاني بناء على دعوة موجهة منه في محاولة جديدة لرأب الصدع بين أحزاب المجلس، وللضغط باتجاه تفعيل المجلس، وتفعيل الهيئة الكوردية العليا وهي الهيئة المؤسسة تحت إشراف الرئيس البارزاني في صيف 2012 من المجلسين: المجلس الوطني الكوردي (المؤلف من 15 حزباً سياسياً وعدد من التنسيقيات والوطنيين المستقلين” ومجلس شعب غربي كوردستان (التيار الأوجلاني في سوريا” ).
وكانت قيادات مجلس شعب غربي كوردستان قد قاطعت الدعوة، ولم تتوجه إلى لقاء البارزاني. كما تخلف الحزب الديمقراطي التقدمي الكوردي (يتزعمه عبد الحميد درويش) عن رفاقه في المجلس الوطني الكوردي ولم يتوجه إلى هولير، معللاً استنكافه بلا جدوى الزيارات إلى “هولير” وعدم تمخضها في السابق عن نتائج تذكر. لكنه تراجع عن مقاطعته وحضر لقاءً مع البارزاني. بناء عليه فإن عدم مشاركة الحزب التقدمي في الوفد الزائر بدايةَ ثم انضمامه إلى اللقاء لاحقاً هو دلالة على عمق أزمة المجلس الوطني الكوردي الداخلية، الذي لم يفلح منذ مؤتمره الأخير في مغادرة سباته السياسي والعملي، ولم يتمكن من عقد اجتماعات ناجحة لأمانته العامة وهيئته التنفيذية,
كما أن مقاطعة مجلس شعب غرب كوردستان للقاء البارزاني يعني عملياً أن الاجتماع يقتصر على المجلس الوطني الكوردي فقط، ولا يمكن التباحث حول وضع الهيئة الكوردية العليا. وهذا ما حدث. إذ أن المجتمعين مع البارزاني وقيادات الإقليم (من الحزبين “الديمقراطي الكردستاني” و”الاتحاد الوطني الكردستاني”) اقتصروا على مناقشة أمور وإشكاليات المجلس الوطني الكردي فقط في محاولة منهم لتجسير الهوات الداخلية فيما بينهم، ومحاولة صوغ رؤاهم بصدد تفعيل الهيئة الكردية العليا.
وقد أكد الوفد الحزبي الكردي السوري، الممثل للمجلس الوطني الكردي، لرئيس إقليم كردستان العراق على أنهم سينفذون جميع بنود اتفاقية “هولير” التي تقع على عاتقهم التزاماً بتوجيهات البارزاني الذي طالبهم خلال اللقاء بتوحيد الموقف والخطاب السياسي بما يخدم المصلحة القومية الكردية في سوريا. لكن اللقاء بالبارزاني كان منتجاً نسبياً ولم يؤتِ ثماراً إيجابية بالكامل.
أثناء تواجد الوفد الحزبي في “هولير”، عاصمة إقليم كردستان العراق، جرت مواجهات مسلحة بين وحدات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي (“ب ي د”) ومجموعات من الجيش الحر في بلدة تل تمر وأطرافها (محافظة الحسكة). وقد أصدر الوفد بياناً حول الأحداث باسم الأمانة العامة للمجلس الوطني الكردي، ما خلق تباينات بين أحزاب المجلس مجدداً. ففي حين رفض بعض الأحزاب مضمون البيان، ركزت أحزاب أخرى على لا شرعية إصدار البيان من قبل الأمانة العامة للمجلس كونها لم تجتمع منذ انتخابها ولأن الأمانة العامة ليست مقتصرة على التمثيل الحزبي فقط بل هي تضم شخصيات وطنية مستقلة إضافة إلى ممثلي المرأة والحراك الشبابي. وكان طبيعياً وفاقاً لذلك صدور بيانات حزبية بالمفرق تدين بيان الأمانة العامة وتغلب الموقف الحزبي على موقف المجلس. وتم معالجة الموضوع عبر إصدار بيان باسم المجلس الوطني الكردي يأخذ بعين الاعتبار مواقف الأحزاب المتحفظة على البيان المذيل باسم الأمانة العامة. وبمقارنة البيانين يتضح تراجع المجلس عن بيانه الأول حفاظاً على تعهداتهم للبارزاني وللحيلولة دون عودة الحرب الباردة بين أطراف المجلس مجدداً.
حرب التصريحات اللامسؤولة بين قيادات المجلس الوطني الكردي الحزبية تنذر بعودة المجلس إلى المربع الأول مجدداً، إلى درجة القول أن ألفَ لقاءٍ آخر مع البارزاني لن يضفي الصفاء على الأجواء الداخلية في المجلس.
فسكرتير حزب “آزادي” الكردي مصطفى جمعة تهجم في تصريح لموقع ولاتي الإخباري على حزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا الذي يقوده عبد الحميد درويش على خلفية مشاركة الأخير في لقاء تشاوري انعقد في القاهرة مؤخراً (القطب الديمقراطي السوري)، وقزَّم في التصريح نفسه الجناح الآخر لحزب آزادي الكردي الذي يقوده مصطفى أوسو، علماً ان الجناحين يتجهان قريباً إلى وحدة إندماجية مع حزبين كرديين آخرين: البارتي (حكيم بشار) ويكيتي (إبراهيم برو)، ما استدعى من مصطفى أوسو الرد عليه على مبدأ: العين بالعين والسن بالسن والبادىء أظلم.
يشير جمال ملا محمود الأمين العام للحزب الديمقراطي الكردي السوري بشفافية إلى وجود خلافات في المجلس الوطني الكردي تعرقل عمل المجلس وتحشره في عنق القارورة، مردّها – برأيه – إلى وجود كتلتين حزبيتين: الأحزاب الأربعة المؤسسة للاتحاد السياسي، والأحزاب الأخرى في المجلس (كتلة الـ 12) حيث أن “كل كتلة تنظر إلى المسائل بنظرتها” و”تختلفان في معالجة الكثير من النقاط “.
صحيح أن القيادات الحزبية في المجلس قد نجحت بعد ركود طويل في عقد اجتماع للأمانة العامة للمجلس الوطني الكردي بعد عودتهم من “هولير” مباشرة، استطاعوا فيه انتخاب هيئة رئاسية جديدة لأمانة المجلس برئاسة طاهر سفوك سكرتير الحزب الوطني الديمقراطي الكردي في سوريا. وكذلكم الأمر انتخاب أعضاء لجنتي العلاقات الداخلية والعلاقات الخارجية للمجلس. إلا أن ذلك يكاد يكون النقطة الوحيدة التي تمت في الاجتماع المذكور، فيما تم تسويف النظر في العديد من القضايا الخلافية بين أطراف المجلس إلى وقت لاحق.
يكاد المتابع لأحوال المجلس الوطني الكردي يجزم بأن المجلس يحتاج إلى عصا سحرية لتفعيله ووضعه على سكة العمل.
ويكاد يجزم أيضاً أن الخلافات وأجواء الشقاق بين الكتلتين الحزبيتين في المجلس ستستمر إن لم تتصاعد.
بناء عليه يتم التوقع أن تكون الخاتمة الطبيعية مجدداً تلقي قيادات المجلس دعوة أخرى من البارزاني بعد أشهر للنظر في الخلافات مرة أخرى، في عود على البدء! إذ أن المجلس الكردي ومنذ تأسيسه رهين الخلافات الحادة بين أطرافه الحزبية، وهي خلافات بعضها عمره عقود، وليس من السهل تجاوزها والتأسيس لمرحلة جديدة. يعمِّقُ منها تابعية أحزاب المجلس لأحزاب كردستانية كبرى: الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، والعمال الكردستاني.