المعروف أن النظام الستاليني القائم في “بيونغيانغ” لا يتورع عن القيام بأي عمل من شأنه إبتزاز المجتمع الدولي للحصول على مساعدات إقتصادية سخية تبقيه على قيد الحياة وتخرجه من أزماته المتفاقمة الناجمة عن سياساته الحمقاء. فكوريا الشمالية، كما يعرف الجميع ماضية منذ زمن طويل في برامجها النووية والصاروخية المهددة للأمن والإستقرار في منطقة شمال شرق آسيا، ولم يفلح معها كل المناشدات والاغراءات التي قدمتها الدول الكبرى بما فيها حليفتها الوحيدة (الصين)، الأمر الذي لا تفسير له سوى طمعها في الحصول على المزيد فالمزيد.
ويبدو لي أن النظام الحالي في إسلام آباد وجد في سياسات “بيونغيانغ” نموذجا يـُحتذى به لجهة دفع القوى الإقليمية والدولية نحو المسارعة لإخراجه من مصاعبه الاقتصادية، ولاسيما تلك المتعلقة بالطاقة. فكان أن لوّح بورقة مشروع خط أنابيب الغاز ما بين باكستان وإيران، وهو يعلم علم اليقين أن القوى التي تفرض العقوبات على طهران لن يسعدها ذلك، وسوف تسارع إلى تقديم البدائل لها لمنعها من المضي قدما في تنفيذ صفقات مع النظام الايراني المعزول.
لكن يــُعتقد أن أسلام آباد لم تحظَ بما كانت تتوقعه من حلفائها التقليديين بالصورة المأمولة. ففي المباحثات التي جرت في الرياض في وقت سابق بين وزير الخارجية السعودي، سمو الأمير “سعود الفيصل”، ونظيرته الباكستانية “حنا رباني خر” لم تتعهد الرياض لإسلام آباد بمعونات وهبات وأمدادات مجانية من الطاقة كما كانت تفعل في السابق، بل يقول بعض المصادرات الصحفية أن المسئول السعودي الرفيع عبّر عن إمتعاض بلاده مما تفعله باكستان في هذا الوقت العصيب تحديدا الذي تتزايد فيه أعمال إيران العدائية ضد دول الخليج. كما وأن واشنطون، التي أعربت في عدة مناسبات عن عدم ارتياحها لمشروع الغاز الايراني – الباكستاني، وهددت بإدراج الشركات الباكستانية المنخرطة فيه أو المتعاملة مع ناتجها على لائحة العقوبات الإمريكية، لم تتعهد بشيء، وإنْ إعترفت بحاجة باكستان الماسة للطاقة وقالت أن هناك طرقا أخرى لتلبيتها أفضل من التعاون مع الايرانيين، طبقا لما صرح به نائب المتحدث الرسمي بإسم الخارجية الإمريكية “باتريك فيتريل”.
والحال أن إسلام آباد لم تعطِ آذانا صاغية، لا لتحفظات الدولة الإسلامية الكبرى التي لولا دعمها السياسي ومساعداتها الاقتصادية السخية طوال العقود الماضية لما استطاعت الدولة الباكستانية أن تصمد طويلا، ولا لتحذيرات الحليف الامريكي الذي لا يـُخفى على أحد حجم المساعدات التي قدمتها لباكستان بمليارات الدولارات في أحلك الأوقات أموالا وسلاحا وتقنية وخبرات. فمضى رئيسها “آصف علي زرداري” إلى طهران ليقابل نظيره الايراني “محمود أحمدي نجاد”، ويحصل على مباركة المرشد الأعلى “علي خامنائي” الذي أمره بضرورة تنفيذ مشروع خط الأنابيب بأسرع وقت ممكن، متعهدا بدفع مبلغ نصف مليار دولار من قوت الشعب الايراني الجائع للخزينة الباكستانية من أجل التغلب على اي معوقات مالية تؤخر إتمام المشروع في الجانب الباكستاني، ومتعهدا ايضا بدفع مساعدات أخرى في صورة طاقة مجانية من تلك التي لا تستطيع طهران تسويقها في الاسواق العالمية بسبب العقوبات المفروض عليها، مقابل أن تحصل إيران من باكستان على سلع غذائية تفك بها أزمتها المعيشية الخانقة.
لكن ما هي ملامح هذا المشروع المثير للجدل؟ ومتى تم التفكير به؟ وماهي المراحل التي مر بها؟ وإلى أين وصل تنفيذه؟
يبدأ خط أنابيب الغاز (كما هو مخطط له) من حقل “بارس” الضخم في جنوب غرب ايران وينتهي في مدينة “نواب شاه” بالقرب من كراتشي على الساحل الجنوبي الشرقي لباكستان مارّاً بأراضي ولايتي السند وبلوشستان الباكستانيتين. ويبلغ طول الخط في الجانب الباكستاني 780 كيلومترا وفي الجانب الايراني 900 كيلومترا وتقدر تكاليف تنفيذ الخط في الجزء الباكستاني وحده بحوالي 1.5 مليار دولار من أصل التكلفة الاجمالية للمشروع والبالغة 7.5 مليار دولار.
ويفترض ان ينقل الخط عند اتمامه ما مقداره 21.5 مليون متر مكعب من الغاز الايراني سنويا. وكان هناك مقترح ايراني في عام 1999 بأن تستفيد الهند من المشروع عبر مشاركتها في التنفيذ وتحمّل جزء من التكاليف، وذلك من خلال تفريع خط الانابيب عند منطقة “خوزدار” الى فرعين احدهما يتجه نحو كراتشي، والآخر يواصل سيره نحو مولتان فالعاصمة الهندية. لكن نيودلهي لم تحبذ فكرة ان تكون امداداتها من الطاقة تحت رحمة خصمها التاريخي. فلم تبد حماسا للمشروع منذ عام 2009. كما وان الهنود لم يعاودوا التطرق الى الموضوع مع الايرانيين خشية تعرض شركاتهم واعمالهم لعقوبات من قبل واشنطون.
ومن ناحية أخرى فإن الايرانيين إقترحوا في عام 2008 دعوة الصين وبنغلاديش أيضا للمشاركة والاستفادة من المشروع، وذلك بوضع تصور حول تغيير مسار الخط داخل باكستان كي يتجه فرع منه نحو الصين وآخر نحو بنغلاديش.
لكن بكين، كما نيودلهي، فضلت ألا تتورط في مشروع يمر في دول غير مستقرة، ومعرض لأعمال التفجير من قبل المقاتلين البلوش وغيرهم. وهي لئن تركت الحرية أمام شركاتها ومصارفها لبناء المشروع او تمويله، فإن الأخيرة اضطرت للإنسحاب مؤخرا خوفا من إدراجها في لائحة العقوبات الامريكية على نحو ما فعله البنك الصناعي التجاري الصيني.
إن فكرة هذا المشروع قديمة وليست وليدة التسعينات كما يعتقد البعض. فهي تعود إلى منتصف خمسينات القرن الماضي حينما طرحها مهندس باكستاني شاب من طلبة الكلية العسكرية للهندسة يدعى “مالك افتاب احمد خان” تحت إسم “خط الانابيب الفارسي”، مصحوبة بتصورات حول طرق حمايته عسكريا من أعداء ومتمردين محتملين. إلا أن المشروع ظل حبيس الأدراج حتى عام 1989 حينما عاودت باكستان وإيران طرحه مجددا بعد أنْ تزايدت حاجة العالم الى الطاقة وتضاعفت أسعارها. وفي عام 1995 وقع الجانبان الايراني والباكستاني بالاحرف الاولى على إتفاقية مبدئية بخصوص تنفيذه. لكن مذاك ظل المشروع محورا للتجاذبات والمناقشات والتعديلات والمخاوف، خصوصا مع غياب الاستقرار في المنطقة وتصاعد العداء بين طهران وواشنطون، وتبدل التحالفات، وتغير الحكومات الباكستانية، واتصاف السياسات الامريكية بالتخبط. ويمكن ان نضيف هنا عاملا آخر حدّ من الإندفاع الباكستاني نحو تنفيذ المشروع هو ما واجهته وتواجهه باكستان من صعوبات مالية وانهيار اقتصادي.
*باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين
elmadani@batelco.com.bh
مشروع الطاقة الإيراني – الباكستاني المثير للجدل
هناك شعب مابين خط انابيب الباكستاني و الايراني يحارب من اجل نيل الاستقلال مع احتلال الباكستاني و المشروع مد الانابيب مع مشروع ميناء جوادر من اهم مشاريع بلوشستان المحتلة و لم يتم السكوت عليها الثوار على راسهم سوف يحاولون بكل طاقة و جهد على افشال مشاريع ضخ دماء البلوش . لم نطالب بالحرية بل سوف نحارب من اجل نيل الحرية عاشت بلوشستان حرة . ومشروع انابيب الغاز حلم .
مشروع الطاقة الإيراني – الباكستاني المثير للجدل
اليوم تم التوقيع على انشاؤه ونرجو له التوفيق ان كان القصد منه تطوير وازدهار الانسان في البلدين ولكن ان كان الغرض منه الحصول على عوائد تستخدم في الاضرار بآخرين لاذنب لهم فنرجو له ان لا يكتمل!