مي عبود ابي عقل
في 14 آذار 2012 أصدرت قوى 14 آذار وثيقتها السياسية الجديدة معلنة انتقالها من “انتفاضة الاستقلال” الى “انتفاضة السلام”، ومطالبة بـ”اعادة الاعتبار الى الدولة والقيم السياسية الاصيلة”، ومتبنية “التشجيع على نشوء بيئات وتجمعات عابرة للطوائف”. لكن ما جمعه شمل المؤتمرات والخطابات، فرّقه واقع الافعال وقانون انتخاب. وسرعان ما ظهر الشرخ عند أول استحقاق وامتحان جدي لمدى تغليب المصلحة الحزبية والوجود الكياني، على المصلحة العامة والوجود الوطني… وتجسد ذلك في تجميد اجتماعات الامانة العامة لـقوى 14 آذار الى أجل غير مسمى.
ما تأثير ما يجري داخل “قوى 14 آذار”؟ وما هي تداعياته عليها؟ والى أي مدى يمكن الاحزاب والتكتلات الكبرى ان تصادر قرارها وتفرضه؟ وما هو الحل؟ اسئلة حملناها الى احد ابرز وجوه قوى 14 آذار وعرابيها سمير فرنجية، في مقرها الباقي مفتوحا امام الجميع.
* ماذا يجري داخل الامانة العامة لـ 14 آذار؟ ولماذا علقت اجتماعاتها؟
– فوجئت الامانة العامة بقرارحزب الكتائب و”القوات اللبنانية” تبني مشروع ” اللقاء الارثوذكسي”، مما تسبب باشكالات عدة داخل 14 آذار بين مؤيد ومعارض، والأهم ان النقاش تجاوز مسألة الجانب التقني الى ما هو أبعد: هل هناك نظرة موحدة داخل 14 آذار الى ما يجري في المنطقة والعالم؟ اين هي من المواقف التي اعلنتها في وثيقة المؤتمر الذي عقدته في 14 آذار الفائت والتي تعطي الأولوية لمعركة السلام، وتكلمت عن ضرورة تشكيل تيارات سياسية مدنية عابرة للطوائف، أي تجاوز الطائفية وصولا الى الدولة المدنية؟ لكن ما حصل مع القانون الارثوذكسي اعادنا الى الوراء. وبما ان هناك اتصالات جارية، فضلنا تأجيل الاجتماعات حتى التوصل الى نتيجة.
* اذا اصرت الكتل المسيحية الكبيرة، ومن بينها منضوية في 14 آذار، على تمسكها بهذا القانون، كيف ستتصرفون؟
– حظوظ القانون ضعيفة، والاتجاه هو العودة الى قانون فؤاد بطرس معدلاً، وبالتالي اصرار الاحزاب لن يغير كثيراً، وعوض ان تكون 14 آذار في موقف موحد من هذا القانون في المفاوضات الجارية حالياً، ستكون لها مواقف متعددة، وسيظهر للمرة الاولى فرز داخلها على مسألة اساسية، وهذا امر لم يكن موجودا من قبل، ويأتي في وقت دقيق جدا، فقوى 8 آذار في هزيمة موصوفة مع سقوط النظام في سوريا، ولكن ليس هناك من انتصار لـ14 آذار لأن هذا البلد لا يمكن ان يقوم على قاعدة الغالب والمغلوب. هناك غالب واحد هو الدولة، وحتى تكون هذه الدولة وتتمكن ان تكون دولة سيدة، يجب ان تبت مسألة السلاح، وأن تتحرر ايضا من الاكراهات الطائفية التي عطلت مسارها وتسببت ببروز الميليشيات المسلحة منذ عام 1975.
السلاح انتهى
* تضعون دائما السلاح حجة، والسلاح موجود منذ عقود، وكل الانتخابات كانت تجرى في ظله. لماذا يخيفكم السلاح هذه المرة الى هذه الدرجة؟
– هذا السلاح لا يخيفنا لأنه في نهايته، وهو غير قابل للاستخدام داخلياً ولا اقليمياً، الظروف تغيرت. لكن كان من المفترض ان تكون هذه الانتخابات خطوة اولى نحو لبنان آخر. بالقانون الارثوذكسي نعود الى لبنان ما قبل المتصرفية، وما قبل قيام لبنان الكبير. مع النسبي كما يعرضه “حزب الله”، يمنع وجود السلاح أي مرشح ان يقوم بمعركة انتخابية في اي منطقة يسيطر عليها الحزب، السلاح عقبة هنا امام الناس لممارسة حقهم الديموقراطي. ورأينا النتائج في 2009 انه في النبطية مثلاً نال نواب “حزب الله” اصواتا اكثر من اصوات الناخبين، ولم يقل احد شيئاً لأن هذا الامر خارج عن امكان الضبط.
السلاح وصل الى نهايته. لكن في امكان “حزب الله” ان يقول اريد تقديم السلاح الذي املكه هدية الى الشعب اللبناني، ويهيىء نفسه للمرحلة المقبلة، فمصيره مثل مصير كل التجارب التي حصلت في الطوائف الاخرى. المستند السياسي لهذا السلاح انتهى داخليا، والاهم انه انتهى اقليمياً.
* لماذا اذاً تخافونه؟
– لسنا خائفين. لكن لا يمكن اجراء انتخابات بطريقة النسبية اذا لم يكن هناك حد ادنى من الضوابط، وهذه غير متوافرة حاليا.
* لا يمكن اجراؤها وفق النسبية في ظل السلاح، لكن يمكن اجراؤها وفق النظام الاكثري في ظل السلاح نفسه؟
– الفارق ان النسبية، وانا معها بالمبدأ، لا توصل كتلاً مهيمنة على اي منطقة، وسيخسر” تيار المستقبل” بعض مقاعده، وجنبلاط ايضا، لكن “حزب الله” بسبب السلاح لن يخسر شيئاً، لأن احداً لن يجرؤ على الترشح.
* هل تعتقد ان ميشال عون أوقع سمير جعجع وأمين الجميل في الفخ، وتمكن من ايجاد شرخ داخل “14 آذار “؟
– في هذا الاتفاق حصل توقيع من طرفين لا تتقاطع اهدافهما في اي مكان. التيار العوني دخل على هذا المشروع بالارتباط مع الوضع الداخلي في سوريا. احد المخارج الاخيرة للنظام في سوريا هو التقسيم والكانتونات، والقانون الارثوذكسي يمهد الاجواء في لبنان لاحتمال كهذا. وفي مقابلة جبران باسيل مع “النهار” الاسبوع الفائت، ربط القانون بما هو حاصل في المنطقة. في حين ان الكتائب و”القوات” انطلقا من اعتبارات محض انتخابية، واعتبرا ان القانون يحسن شروط التمثيل، ويعطيها ربما حصة اكبر في المجلس. تلاقوا جميعاً مصادفة: واحد طرحها من باب تكتي، والثاني بخلفية قراره ان هناك وضعاً اقليمياً. الكل شعر ان هناك خسارة تحققت لفريق معين، التيار العوني يدرك ان هذا الرهان الذي يستمر ميشال عون في الدفاع عنه انتهى، و14 آذار يعرفون ان هذا الرهان انتهى، لكنهم لا يعرفون كيف يضعون خطة لما بعد. المطلوب اليوم هو القول كيف نطوي صفحة نصف قرن من الصراع مع النظام السوري، وليس التأسيس لحرب جديدة وصراع جديد. هذا هو النقص في 14 آذار.
* هل تتلاقون لايجاد الحل وسد هذه الثغرة؟
– هناك اتصالات جارية، لكنها تستلزم وقتا.
* هل نعتبر ان هذه الاحزاب تتجاوزكم وتهمشكم وتخطط لشطبكم من الساحة السياسية؟
– لا اتصور ان هناك تخطيطاً بهذا المعنى. لكن الطريقة التي اتخذ بها القرار لم يتم التشاور معنا فيها. هناك الى حد بعيد نظرة انفصالية داخل 14 آذار بين حزبي وغير حزبي. حاولنا انشاء مجلس وطني يضم الحزبيين والمستقلين، ولم نفلح بسبب اعتراض الاحزاب. هناك صيغة حزبية قديمة اصبحت في نهايتها ولا يمكن ان نكمل فيها، لا الحزب الايديولوجي على نمط “حزب الله” يمكن ان تكمل فيه، ولا جماعتنا، ولا “التيار الوطني” الذي يقوم على شخص. بعد ربيع بيروت والربيع العربي، هناك جيل كامل متعلم منفتح لم يعد يقبل بهذا النمط من الاحزاب، ولا السياسة القائمة على مصالح ضيقة.
الرئيس انقذ الموقف
* هل انتم قادرون على تشكيل لوائح مستقلة اذا اجبرتم على ذلك في النهاية؟
– المستقلون اكثر من الحزبيين اينما كان، واذا لم يأخذ الحزبيون هذه القاعدة في الاعتبار، فهم يخرجون انفسهم من هذه العلاقة. هناك امر يجب ان يتغير في عقلية الحزبيين. اساسا يجب الا نخوض معركة على مرشحين من “القوات” و”الكتائب” و”المستقبل”، على مرشحي 14 آذار الى اي حزب انتموا. العنوان الذي يجب ان يجمعنا هو 14 آذار، واساس من صنع هذه الحركة هم الناس لا الاحزاب.
* الرئيس يدعو الى مناقشة مشروع الحكومة، هل توافقونه؟ ولماذا تخطيه والذهاب الى طرح مشاريع اخرى؟
– موقف رئيس الجمهورية من القانون الارثوذكسي جيد، وساعد على تخطي المأزق الذي دخله البلد بين فريق طائفي يريد قانوناً، وكل الباقين الذين يريدون قانونا آخر، الى جانب مواقف العديد من الشخصيات المستقلة داخل 14 آذار وخارجها، والتي ساعدت وكانت مهمة ولافتة، وموقف البطريرك الذي وضع حدا للأقاويل في آخر بيان لبكركي. في مكان ما برز الاعتدال المسيحي وهذه ظاهرة سليمة.
اعتقد ان التوجه الاساسي هو الذي رسمه البابا في زيارته للبنان، ويتلخص بعبارتين هما: العيش المشترك الاسلامي – المسيحي، وسلام لبنان والمنطقة. والتقاطع الحاصل حول “المشروع الارثوذكسي” خارج هذه المسلمة، وخطر على المسيحيين، ويجعلهم كأنهم ينفذون أجندة خارجية. إن المنطقة، وتحديدا النطام في سوريا، ذاهبة في هذا الاتجاه، وكأننا
نلاقيها على الطريق. لا اريد ان اقول ان “القوات” او الكتائب يراعونه، لكن فريق التيار العوني ذاهب في هذا الاتجاه.
علينا ان نعود الى بعضنا أولا، وان نبدأ البحث والنقاش ما بعد سقوط النظام في سوريا الذي سيكون بمثابة زلزال سياسي، وفي مصير البلد، وهنا يتغير اطار النقاش ليصبح حول اي قانون انتخاب يسمح بمرحلة انتقالية وهادئة لبناء سلام هذا البلد، وليس في اطار المغانم والمقاعد لهذا الحزب او التيار.
may.abiakl@annahar.com.lb