لا شك أن هناك عوامل مشتركة بين البرنامج النووي الإيراني ونظام بشار الأسد في سوريا، حيث يهدف كلاهما إلى تقويض المصالح الغربية في الشرق الأوسط. ولهذا السبب، فإنه بقدر ما يرى آية الله علي خامنئي البرنامج النووي باعتباره أحد أسس الهوية السياسية للجمهورية الإسلامية، فإن موقفه الموالي للأسد حدد موقعه في السياسة الإقليمية لإيران.
بروتوكولات المرشد
أدى توجه آية الله روح الله الخميني المغامر نحو المنطقة إلى دفع صدام حسين إلى غزو إيران عام 1980 وشن حرب مدمرة استمرت ثمانية أعوام. وفي حوار مع المفكّر الإيراني البارز والأستاذ في جامعة طهران صادق زيبا كلام، قال علي أكبر هاشمي رفسنجاني – نائب رئيس هيئة الأركان المسلحة سابقاً وموضع ثقة الخميني – عن تلك الحرب، بأن الخميني كان سعيداً بغزو صدام حسين لإيران.
فقد قال الخميني لرفسنجاني: “لقد أوقع صدام نفسه في ورطة. فالآن نستطيع أن نحل مشاكل الشرق الأوسط إلى الأبد”. وقد كان تقييم الخميني غير الواقعي لإمكانات إيران العسكرية وعلاقات العراق بالعالمين العربي والغربي قد كلف أمته الملايين من القتلى، كما أنه دمر البنية التحتية لبلده.
وبعد ذلك بعدة سنوات، وفي أعقاب موافقة الخميني على قرار الأمم المتحدة الداعي إلى وقف إطلاق النار، توفي مرشد الثورة، وخلفه في منصبه المرشد الأعلى الحالي آية الله علي خامنئي. وقد ركز الرئيس المعين حديثاً في ذلك الوقت، أكبر هاشمي رافسنجاني، على إعادة هيكلة البلاد، بينما ركز خامنئي أساساً على إعادة هيكلة إمكانات إيران العسكرية من خلال تعديل المبادئ العسكرية للجمهورية الإسلامية.
وكانت المبادئ الجديدة تعتمد على أساسين: البرنامج النووي، والحرب غير النظامية. لقد كانت سياسة إيران ما بعد الحرب تعتمد على تعزيز قواها الناعمة في العديد من الدول الإسلامية من خلال تكتيكات الدعاية العلنية والخفية بالإضافة إلى الأنشطة الخيرية.
ففي حالة وقوع كارثة في أي دولة إسلامية أو نشوب نزاع إقليمي، بدءاً من نزاع جمهورية أذربيجان مع أرمينيا عام 1990 حول “قرة باغ” إلى النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني أو سلسلة النزاعات التي وقعت في أفغانستان خلال تسعينيات القرن الماضي وبداية القرن الحالي، كانت إيران تدعم مالياً وعسكرياً جماعات أو أطرافاً معينة ضد بعضها البعض من دون أن تعترف علانية بذلك.
كما لعب استخدام قوات “القدس” كجناح عملياتي لـ”الحرس الثوري الإسلامي” خارج إيران دوراً مهماً في تعزيز مصالح الجمهورية الإسلامية في المنطقة وخارج الشرق الأوسط (مثل السودان).
وتمثل مبادئ آية الله خامنئي العسكرية جزءاً من رؤيته بأن إيران لا يمكنها تحمل مواجهة عسكرية أخرى داخل أراضيها. فقد كان واعياً تماماً بالضعف النسبي لقدرات إيران في الحرب التقليدية، بالإضافة إلى الكلفة السياسية للحرب بالنسبة للجمهورية الإسلامية. وكانت نهاية الحرب الإيرانية – العراقية بداية لتحول مجتمعي وأيديولوجي. فقد تم استبدال القيم الثورية بقيم أكثر تجارية، إلى جانب الفساد الأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي.
وظاهرياً تبنت الحكومة الإيرانية العديد من السياسات التي كانت مرفوضة في العقد الأول ما بعد الثورة، نظراً لتبنيها من قبل الشاه أو لأنها كانت تمثل النماذج الغربية للتنمية الاقتصادية. وثارت شكوك عميقة حول الشرعية السياسية لرجال الدين ونظرية “ولاية الفقيه” إلا أنها اختفت تدريجياً. فقد مهد جيل الحرب الطريق أمام قيام جيل يشمئز من الحرب ويبتعد عن السياسة وينأى بنفسه عن المثالية. ومن الناحية الأيديولوجية دمرت تلك الحرب الثورة الإيرانية.
ويُعد وصف إيران لكل من أمريكا وإسرائيل بأنهما عدوتان، تعبيراً عن ميلها لصنع أعداء بدلاً من العثور على الأصدقاء. فعلاقة إيران بجيرانها العرب والقوى الإقليمية مثل المملكة العربية السعودية ومصر هي علاقة إشكالية. كما أن علاقتها بكل من أفغانستان وباكستان هي علاقة معقدة أيضاً. وكانت علاقة طهران بجمهورية أذربيجان غير متوازنة مع الأخذ في الاعتبار الخلفية التاريخية لتأييدها لأرمينيا خلال التسعينيات.
وعلى الرغم من أن هناك تعاوناً بين إيران وروسيا، إلا انه يبدو أن الأخيرة تنظر إلى طهران باعتبارها قوة ضد الغرب أكثر من كونها شريكاً استراتيجياً. وساعدت سياسة إيران الخارجية خلال العقود الثلاثة الماضية على عزل نفسها بدلاً من بناء الثقة بينها وبين القوى الإقليمية. وتمثل سوريا استثناءاً لذلك، حيث لها أهمية كبرى بالنسبة لإيران.
وتستخدم الجمهورية الإسلامية أداتين لتعزيز سلطتها كقوة عظمى في الشرق الأوسط:
أولاً: القوى الناعمة والتي تتضمن استخدام إيران لوسائل الإعلام والشبكات الدينية مثل نشر الأيديولوجيا الإسلامية الشيعية وتعزيز المكانة الدينية لخامنئي.
ثانياً: يعمل النظام الإيراني على تكوين شبكات من الموالين، وتأسيس علاقات مع العديد من الجماعات الإسلامية سواء كانت مسلحة أم لا. ويمكن رصد العديد من تلك الجماعات عند قبلوها دعوة الجمهورية الإسلامية بالسفر إلى إيران لحضور احتفالات ذكرى الثورة أو الفعاليات السنوية لإحياء ذكرى وفاة آية الله الخميني.
وكل عام، يسافر أكثر من عشرة آلاف مسلم من جماعات إسلامية متنوعة إلى طهران لتعزيز علاقاتهم المنهجية بالجمهورية الإسلامية، حيث يجند آية الله خامنئي المسلمين – تحت مزاعم الدراسة – للانضمام إلى أجندته الأيديولوجية. فعلى سبيل المثال، تعمل “جامعة المصطفى الدولية” في “قم” كمركز ضخم للتدريب الأيديولوجي للمسلمين وإقامة جسور الصلة بين الجماعات الإسلامية المختلفة في جميع أنحاء العالم. وللجامعة عشرات من الفروع خارج إيران، كما يدرس فيها عدة آلاف من الطلاب الأجانب.
تحالفات تكتيكية
من المذهل أنه على الرغم من سياسات الجمهورية الإسلامية المحلية المناهضة للسنة، لم يكن لدى إيران مشكلة في إقامة تحالفات استراتيجية وتكتيكية مع المنظمات السنية طالما تهدد هذه مصالح الغرب أو إسرائيل. ويمثل تعاون إيران مع تنظيم «القاعدة» في بعض الفترات نموذجاً واضحاً حول الكيفية التي يمكن بموجبها أن يتحد حزبان يكرهان بعضهما البعض ويعتمدان أيدولوجيات متباينة للغاية في مواجهة عدو مشترك. والمثال الثاني هو «الإخوان المسلمون»، أكبر تنظيم سني في العالم، الذي له أيضاً خلافات أيديولوجية مع الجمهورية الإسلامية. فلم يرحب فقط «الإخوان المسلمون» بظهور الجمهورية الإسلامية في إيران في أعقاب ثورة 1979، بل أن إيران أيضاً احتفت بحماس بالغ بصعود «الإخوان المسلمين» إلى السلطة في مصر.
فإذا كان «الإخوان المسلمون» ينظرون إلى ظهور الجمهورية الإسلامية عام 1979 باعتبارها نصراً لرؤيتهم، وكونها أول حكومة إسلامية منذ انهيار الخلافة العثمانية، فإن إيران تنظر أيضاً إلى تصدير «الإخوان المسلمين» للثورة باعتباره نجاحاً. ويكره آية الله خامنئي تعبير “الربيع العربي”، لأنه يشير إلى أن الانتفاضات العربية الأخيرة تنبع من رغبة العرب في تأسيس حكومات ديمقراطية بدلاً من الحكومات الاستبدادية. ويستخدم المرشد الأعلى تعبيراً آخر للإشارة إلى تلك التطورات ألا وهو: “الصحوة الإسلامية”، حيث إنه يقلل من شأن الطبيعة العربية لتلك الحركات وينفي بالتالي مصطلح “الديمقراطية”. ويصور خامنئي تلك الحركات باعتبارها تطلعات إسلامية من أجل تأسيس حكومات إسلامية.
ومن الواضح أنه يعتقد أيضاً أنه نظراً لقيام حكومات، مثل الحكومة المصرية الجديدة، بتطبيق الشريعة ومعاداة الولايات المتحدة وإسرائيل، فلذلك يزعم أن حركاتها كانت مستوحاة من الثورة الإيرانية ومتأثرة بسياستها وأيديولوجيتها. وقد اعتبرت إيران المظاهرات الأخيرة في الدول الإسلامية والهجمات على السفارات الأمريكية دليلاً على أن مناهضة الولايات المتحدة هي إحدى الخصائص الأصيلة للصحوة الإسلامية. ويمكن أن تمثل الانتفاضات في الدول العربية تجربة طيبة بالنسبة للجمهورية الإسلامية إذا لا يتم إدخال سوريا في المعادلة.
لقد أصبحت سوريا الحليف الاستراتيجي الوحيد للجمهورية الإسلامية خلال العقود الثلاثة الماضية. فسوريا قد مكنت إيران من أن تصبح التهديد الأكثر خطراً على إسرائيل. كما أن التهديدات الإيرانية لإسرائيل والولايات المتحدة قد أصبحت أساساً لسياسة إيران الخارجية. فوفقاً للمبادئ العسكرية لإيران، التي تصر على أن تتجنب الجمهورية الإسلامية المواجهة العسكرية مع أعدائها، ما زالت الحرب غير النظامية تشكل أولى أولويات إيران، وبالتالي تصبح سوريا هي الفناء الخلفي الذي تدير فيه طهران كلاً من حربها الناعمة وحربها بالوكالة ضد إسرائيل والولايات المتحدة.
وبقدر ما يرى آية الله خامنئي الانتفاضات الشعبية في تونس، وليبيا، ومصر، واليمن كتجسيد أصيل لكراهية الناس للدكتاتورية والفقر، فإنه يعتقد أن إسرائيل والولايات المتحدة هما اللتان تثيران الانتفاضة الشعبية السورية من أجل إضعاف الجبهة المناهضة لإسرائيل في الشرق الأوسط، ومن ثم، الجمهورية الإسلامية.
وبمعنى آخر، إذا ما أسفرت الأزمة السورية عن انهيار نظام الأسد، فبالنسبة لخامنئي إن ذلك قد يؤدي إلى شن هجوم عسكري ضد إيران تقوده إسرائيل أو الولايات المتحدة. إن سقوط الأسد بالتزامن مع وقوع هجوم على المنشآت النووية الإيرانية يمكن أن يؤدي إلى خسارة إيران لعاملي قوتها، بما يعني أن عليها تعزيز سياستها الخارجية على نحو يضمن تفوقها في المنطقة، وأن تبدو خطرة بالنسبة لإسرائيل والغرب.
وعلى نحو منفصل، لا يمكن مقارنة خسارة الأسد بفقدان إيران لبرنامجها النووي. ولذلك، يؤمن خامنئي بأن إيران يجب أن تؤيد الانتفاضات العربية في البلدان الأخرى بالإضافة إلى مقاومتها للجهود المناهضة للأسد في سوريا، ومساعدة الأسد على قمع المعارضة التي يعتقد أنها بتمويل من الغرب وإسرائيل.
إن مقتل السفير الأميركي وثلاثة دبلوماسيين أمريكيين آخرين في ليبيا ربما ثبط من عزم الحكومات الغربية التي كانت تفكر في التدخل في سوريا. وليس هناك شك بأن إيران كانت سعيدة بأن ترى فيلماً بدائياً مناهضاً للإسلام أدى إلى دفع الإسلاميين في العالم العربي إلى النزول إلى الشوارع للإعراب عن موقفهم المناهض للولايات المتحدة.
وترى إيران ذلك فرصة لتشتيت الانتباه عن كل من برنامجها النووي والأزمة السورية. فقد نشرت صحيفة “كيهان”، المعروفة بأنها لسان حال آية الله خامنئي، في عددها الصادر في السادس عشر من أيلول/سبتمبر بأنه: “يجب اتخاذ إجراءين: أولاً، عقاب كل من تورطوا في إهانة المبادئ الدينية المقدسة، وثانياً، متابعة تلك القضية من خلال الإجراءات القانونية”. وبمعنى آخر تطالب “كيهان” الإسلاميين باستئناف عملهم في قتل كل من تبنى موقفاً مناهضاً للإسلام.
وفي الوقت نفسه، فإن المؤسسة الدينية الإيرانية الحكومية «15 خورداد» التي تخضع مباشرة لإشراف خامنئي، قد رفعت مكافأة قتل سلمان رشدي بنحو 500 ألف دولار، وأعلنت أنه ما دامت فتوى الخميني ضد سلمان رشدي لم تنفذ حتى الآن، فسوف تستمر الإهانات الموجهة للإسلام. وسوف تدفع المؤسسة الآن 3 ملايين و300 ألف دولار لأي شخص يقتل الكاتب البريطاني ومؤلف رواية “آيات شيطانية” أو يقدم معلومات تؤدي إلى موته.
تصدير العنف
يعد نشر العنف وتصديره من الأدوات العريقة في بروتوكولات الجمهورية الإسلامية لإدارة الأزمة. ففي 14 شباط/فبراير 1989، أصدر آية الله الخميني فتوى بقتل الروائي سلمان رشدي. ويؤمن العديد من المحللين بأن السبب الرئيسي في إصدار تلك الفتوى، التي يُزعم أنها صدرت لحماية الإسلام، هو إدارة العديد من الأزمات التي كان يواجهها الخميني خلال شهوره الأخيرة. فقد اضطر الخميني إلى قبول قرار الأمم المتحدة بوقف إطلاق النيران مع العراق بعد 8 أعوام من الإصرار على أن إيران “سوف تستأنف الحرب، حتى إذا استمرت لمدة 20 عاماً” وأن “الطريق إلى القدس يمر عبر كربلاء”، مؤكداً أن الحرب مع العراق هي السبيل الوحيد لتحرير فلسطين وتدمير إسرائيل.
لقد كان الخميني يواجه خطر خسارة سمعته ليس فقط محلياً بل في جميع أنحاء العالم الإسلامي. وقبل ذلك بعدة أشهر، قام المرشد الأعلى بفصل نائبه، آية الله حسين علي منتظري، الذي كان يُفترض أن يخلفه. وكانت النخبة السياسية مهتمة أساساً بأزمة الخلافة واحتمالية نشوب صراع قوى على السلطة بعد وفاة الخميني. كما أن اقتصاد البلاد كان في حالة سيئة. ولذا كان الخميني بحاجة إلى تعزيز أجندته للحفاظ على السلطة من خلال خلق أزمة جديدة، وإثبات أنه على الرغم من هزيمة إيران العسكرية، فما زالت الجمهورية الإسلامية تمثل تحدياً خطيراً بالنسبة للعالم الغربي. وقد خدمت فتواه بمقتل رشدي ذلك الغرض، وما زالت الحكومة الإيرانية تتابع الفتوى حتى الوقت الراهن.
وفيما يتعلق بالأزمة السورية، فقد ساعد الغضب الأخير في العالم الإسلامي كلاً من الأسد وخامنئي على مد دائرة الخوف إلى البلدان التي كانت من قبل آمنة بالنسبة للولايات المتحدة. فخامنئي يعتقد أن ضعف الغرب يمثل عوامل قوته. وهو يرحب بكافة الجهود التي يمكنها أن تجعل الغرب – وخاصة الولايات المتحدة – مشغولاً وغير مرتاح. ولدى المرشد الأعلى ثقة كاملة في البرنامج النووي الإيراني [وربما] بنظام الأسد أيضاً.
وسوف تُظهر التطورات خلال بداية العام القادم إلى أي مدى تستطيع كل من إيران وسوريا الإستفادة من تعدد مصادر التشويش التي تؤثر حالياً على الولايات المتحدة.
مهدي خلجي هو زميل أقدم في معهد واشنطن.
المجلة
إيران وسياسة خلق الأزمات: من صدام إلى بشار يالها من كارثة انسانية وتلبد للضمير الانساني عن معاقبة النظام السوري الارهابي المجرم بقيادة رئيس الشبيحة الطاغية بشار الاسد السفاح. ولهذا سميت هذه الجمعة جمعة خبز الدم انه الفرن رقم 12 على الاقل الذي يقذف بالطائرات والمدفعية والصوارخ من قبل النظام السوري الارهابي السرطاني الخبيث وذلك جهارا نهارا امام اعين العالم ويتعمد النظام بقتل اكثر عدد ممكن من الابرياء من الاطفال والنساء والشيوخ والشباب الذين يصطفون امام المخابز للحصول على رغيف الخبز ولا احد يتكلم حتى مجلس الامن الظالم خرس وسكت. ان النظام الايراني الفارسي الصفوي الطائفي الحاقد الذي اراد ان يبني… قراءة المزيد ..