“كلمة السرّ” في انتخابات الكويت النيابية التي جرت يوم السبت كانت “نسبة المشاركة”! أكثر منها هوية الناجحين والخاسرين من بين المرشّحين. على الأقل في مرحلة أولى (الصورة: مانشيت جريدة “القبس” ليوم الأحد ركّز على “نسبة المشاركة”).
فانتخابات أمس السبت جرت وسط دعوة صريحة لـ”مقاطعة” الترشيح والإنتخاب من جانب أغلبية نيابية سابقة، تشمل إسلاميين وقبائليين (انضم إليها بعض الليبراليين) قامت على أكتاف القانون الإنتخابي الذي عدّله “مرسوم الضرورة” الأميري، وهدّدت بأن مقاطعتها ستخفّض مستوى مشاركة الكويتيين في التصويت مما يتراوح بين ٥٠ و٦٠ بالمئة (٦٠ بالمئة هو أعلى رقم في كل الإنتخابات السابقة) إلى ١٨ بالمئة!
ومن هذه الزاوية، يمكن القول أن “المعارضة السابقة” أخفقت، في حين نجحت السلطة الكويتية التي وقفت بجانبها “أغلبية الناخبين الفعليين”! ولا معنى هنا لقياس نسبة ٤٠،٣ بالمئة إلى ١٠٠ بالمئة من الناخبين النظريين، بل الأقرب إلى المنطق قياسها إلى نِسَب المشاركين في الإنتخابات السابقة، وهي ٦٠ بالمئة في أفضل الأحوال!
ماذا يعني الفارق الكبير بين رقم ١٨ بالمئة الذي “هدّدت” به المعارضة، ورقم ٤٠،٣ بالمئة من المشاركين الحقيقيين؟ يعني أن الأغلبية السابقة دفعت ثمن القرف العام من سلوكها الديماغوجي، ولفظيتها الهابطة جداً وغير المألوفة في الوسط الكويتي المحافظ. والأهم، أنها دفعت ثمن سياستها “التعطيلية” التي كان واضحاً أن الهدف منها هو “تعطيل السلطة” وليس اقتراح برامج أو إصلاحات بديلة لبرامجها أو سياساتها.
كانت
نتيجة العملية الإنتخابية التي جرت في الكويت يوم أمس السبت بمثابة نصر للحكومة، وللأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، الذي قرّر إصدار “مرسوم ضرورة”- بعد إقدام المحكمة الدستورية (وليس السلطة التنفيذية) على حلّ مجلس النوّاب السابق- عدّل بموجبه طريقة التصويت (صوت واحد لكل ناخب) والدوائر الإنتخابية رغم اعتراض الأغلبية السابقة “المعارضة” وتهويلها على السلطة.
وردّاً على “المرسوم الأميري” الموافق للدستور الكويتي، والذي سيُعرَض على مجلس النوّاب الجديد لإقراره أو رفضه، فقد دعت “الأغلبية السابقة”، ذات الطابع “المتأسلم” و”القبائلي”، إلى “مقاطعة الإنتخابات”، ودعت إلى “مسيرات شعبية” كانت هنالك مبالغة واضحة في عدد المشاركين بها.
ولا يجادل أحد في الكويت في حق المعارضين في “المقاطعة”. ولكن اعتبار نتيجة الإنتخابات “غير دستورية”، كما فعل رئيس المجلس السابق، السيد أحمد السعدون، ليس دقيقاً! فالدستور الكويتي يسمح للأمير بإصدار “مراسيم ضرورة”، يمكن للمجلس أن ينقضها إذا لم يوافق عليها. ولا يجوز الخلط بين “مرسوم الضرورة” مثلاً و”الإنقلاب” الدستورري الذي قام بها الرئيس “مرسي” في مصر مثلاً!
*
ولأن الإنتخابات “النزيهة” و”الحرّة” ليست أمراً مألوفاً لا في منطقة الخليج ولا في بلاد العرب عموماً، فلا بدّ من تسجيل أن الكويتيين انتخبوا بصورة “حضارية”، أو كما يقول اللبنانيون “بدون ضربة كفّ”! لا من جانب قوى الأمن، ولا في ما بينهم! وخلت المناقشات بين “المشاركين” و”المقاطعين” في المجموعة الواحدة حتى من العنف اللفظي! كما لم تشهد شوارع مدينة الكويت “توتّراً” يُلحظ!
*
لا يعني ذلك أن “المقاطعة” لم تؤثّر. فقد أثّرت حتماً، ولكن أثرها ظلّ في حدود ١٨ بالمئة، ونجم عن “المقاطعة القبائلية” أكثر منه عن “المقاطعة السياسية“. وهو ما يطرح أكثر من سؤال حول مدى “تمثيل” المعارضة السياسية المرتفعة الصوت. وهذا عدا أن تيار “المقاطعة” استفاد من الدعم الليبرالي، الذي وقف ضد “مرسوم الضرورة” رغم رفضه للطروحات “المتأسلمة” (بصورة إنتهازية أحياناً) لما يسمّى “الأغلبية السابقة”.
*
هل كانت “المعارضة السابقة” ستنجح حتماً بالإنتخابات لولا تعديل قانون الإنتخاب وتقسيم الدوائر؟
ليس مؤكّداً.
فالنسبة المتدنية للمقاطعة تعني، في ما تعني، أن الرأي العام الكويتي كان قد “سأم” من السلوك الإستفزازي و”التعطيلي” الصريح، ولغة الشتائم غير المألوفة كويتياً، التي لجأ إليها عدد من قيادات “الأغلبية السابقة”. كما أن ردّ الأمر لاقتراحي قانون “الذات الإلهية” وتعديل “المادة ٢ من الدستور” لم يسفر عن أي احتجاج في الشارع مع أن “الأغلبية الساحقة” من نواب مجلس ٢٠١٢ صوّتت معهما. والأغرب هو أن المجلس نفسه الذي أقرّ مشروع القانونين بحماسة ديماغوجية لم تصدر عنه أية أصوات إحتجاج بعد أن رفضهما الأمير!
والواقع أن هذه النقطة بالذات هي ما تطرحه بعض المعارضة الليبرالية التي قاطعت الإنتخابات، بعضها وليس كلها.
ووجهة نظر هؤلاء هي أنه على السلطة أن “تترك لنا الأمر لإلحاق الهزيمة” بـ”الأغلبية السابقة”، بدل أن تتدخّل لتغيير أصول اللعبة و”لحرماننا من الإنتصار” على تلك المعارضة الديماغوجية. ويجزم هؤلاء بأن ديماغوجية المعارضة كانت ستلحق بها الهزيمة حتى لو بقي القانون الإنتخابي على حاله. لكن هذه تظلّ فرضية نظرية طالما أن معظم التيار الليبرالي و”الوطني” اختار الوقوف مع المقاطعين!
بالمقابل، يمكن للمرء أن يسمع أصواتاً “ليبرالية” تراهن على القيادات الديماغوجية للمعارضة السابقة التي تقف خلفها تيارات”شبابية” (أين هي؟) أو “قبائلية مهمّشة”!
*
وهنا لا بد من ملاحظة أن المرأة الكويتية لعبت دوراً في إفشال “المقاطعة”، وهذا منطقي. فالمرأة الكويتية التي كانت “مُجبرة على المقاطعة” في السابق، حينما كانت محرومة من حقوقها السياسية، لن تتخلّى عن “حقها في التصويت” بسهولة، أياً كانت الأسباب السياسية! وهذا ما سهّل فوز ٣ نساء بالمقعد النيابي، مقابل خلوّ المجلس السابق من أية نائبة.
شيعة الكويت لعبوا دوراً رئيسياً كطرف “مشارك”، وحصدوا لأول مرة ١٧ معقداً، في حين لم يتجاوز نوابهم ٩ أو ١٠ نواب في أفضل الأحوال في المجالس السابقة. هل يكون لهذا النجاح الشيعي تأثير “سلبي” على السياسات الكويتية؟ لا يبدو ذلك. فمعظم الكويتيين الذين تحدّث معهم “الشفاف” لاحظوا أن النواب الشيعة الجدد ليسوا من الفئة المنغلقة أو المتزمتة، وبالتالي “فلا مشكلة”! (تتراوح تقديرات نسبة الشيعة ما بين ٣٠ و١٨ بالمئة، والأرجح أن نسبتهم انخفضت بعد عمليات التجنيس وأيضاً بسبب التكاثر الأسرع بين القبائل السنّية).
القبائل الرئيسية الثلاث العوازم ومطير والعجمان البالغ كانت الخاسر الاكبر مع نائب واحد في المجلس الجديد في حين كان لديها 17 في المجالس السابقة.
*
هل انتهت مشاكل الكويت السياسية؟ وهل يتحسّن الجو السياسي، وهل يعود البلد إلى نقاش التنمية المطلوب بشدّة بدل التراشق الإعلامي الذي “لا يُطعِم خبزاً”” ولا يحسّن مستوى الطبابة والتعليم مثلاً؟
ربما، وهذا ما يأمله معظم الكويتيين. ولكن ذلك سيتوقّف على طرفين: المجلس الجديد، والحكومة التي ستكون مقابله.
هنا يلتقي “المشاركون” و”المقاطعون” على انتقاد الإداء الحكومي منذ برلمان ٢٠٠٩! وحينما ينفتح هذا الحديث، فمن الصعب ألا يلاحظ المراقب أن تقييمات “الشعب” تكاد تتطابق مع تقييمات الكثير من أبناء الأسرة الحاكمة! آل الصباح لا يختلفون عن الكويتيين العاديين في هذه النقطة!
والواقع أن كثيراً من الكويتيين بدأوا “يتكهّنون”، فور إعلان النتائج، بأن تركيبة المجلس الجديد يمكن أن تعزّز بعض الصراعات ضمن أجنحة العائلة الحاكمة. ولكن، ما زال مبكّراً الحديث في هذا الموضوع الدقيق الذي تتطرّق له الصحافة الكويتية بين حين وآخر بتحفّظ واستحياء رغم ما تتمتّع به من حرية واسعة تضاهي حرية الصحافة في لبنان.
العودة إلى سكة “التنمية”، وإعادة الكويت إلى مكانتها الطليعية في منطقة الخليج: هذا ما يتّفق عليه معظم الكويتيين على اختلاف مشاربهم، خصوصاً أن بعض الجيران، الذين وصلوا متأخرين جداً، بدوا يباهون بتفوّقهم على الكويت!
*
نص البيان الصحفي للفريق العربي والدولي لمراقبة انتخابات مجلس الأمة الكويتي ٢٠١٢
وثيقة مهمة تجدر قراءتها:
إضغط هنا: