تستعد الصين هذا الشهر لإختيار زعيمها المقبل خلفا لزعيمها الحالي “هو جينتاو”. وفي رأي مراقبين كثر أن العملية سوف تتم بنفس السلاسة التي تميزت بها عملية نقل السلطة من الرئيس الأسبق “جيانغ زيمين” إلى “هو جينتاو” في سبتمبر 2004 . وهذا أمر بالغ الأهمية في بلد كالصين تميزت عملية إنتقال السلطة فيه على الدوام بالعنف.
فـ”ليو شاو تشي” الذي كان أقوى المرشحين لخلافة المعلم “ماو تسي تونغ” في الخمسينات إعتقل في حملة تطهير في 1968 ومات في سجنه لاحقا بسبب التقصير في علاجه. و”لين بياو” الذي كان يستعد لخلافة “ماو” قتل في حادثة جوية غامضة بعد محاولة إنقلابية فاشلة في 1970، و”هوا كوفينغ” الذي إختاره “ماو” لخلافته لم يستمر في السلطة سوى أشهر قليلة بعد وفاة الأخير في 1976 ، وأطيح به على يد “دينغ هسياو بينغ” الذي أطاح بدوره بمن إختاره بنفسه كخليفة له وهو “زهاو زيانغ”، وذلك على إثر أحداث ساحة “تيان إن مين” الدموية، حيث ظل الرجل قيد الإقامة الجبرية لأكثر من 15 عاما.
ويعتقد المراقبون أيضا أنه بات من شبه المؤكد أن الزعيم المقبل للصين هو نائب رئيسها الحالي “شي جين بينغ” (57 عاما)، لكن هذا الرجل الذي لا يـُعرف عنه الكثير، سوف يكون في مواجهة عدد من الملفات الصعبة غير المسبوقة في التاريخ الجديد للصين، أي التاريخ الذي يبدأ بحقبة زعيمها الإصلاحي “دينغ هسياو بينغ” الذي يُعزى إليه الصعود الإقتصادي المدهش للبلاد، وتخليها عن ردائها الماوي الكئيب وما عـُرفت به من سياسات عبثية مدمرة وإنغلاق وتمرد على النواميس والأعراف الدولية.
ولا نبالغ لو قلنا أن الصين في ظل زعيمها المقبل ستكون أمام مفترق طريق صعب!
صحيح أن عددا كبيرا من النخب الصينية السياسية والإقتصادية والعسكرية يحاول منذ بعض الوقت السيطرة على الخطر القادم والمتمثل في إحتمالات حدوث انهيار إقتصادي وسياسي في البلاد خلال السنوات الخمس القادمة، خصوصا مع وجود تباطؤ إقتصادي، وانخفاض حاد في معدلات النمو، وقلق من الصراع على السلطة على خلفية حادثة التخلص من “بوشيلاي” حاكم مقاطعة “تشونغ شينغ” وأحد ألمع نجوم الحزب الشيوعي الحاكم، وتزايد للضغوط الدولية على البلاد في ملفات حقوق الانسان (لا سيما بعد قضية المعارض الأعمى “تشين غوانتشينغ” الذي وُضع تحت الإقامة الجبرية قبل أن ينجح في الفرار واللجؤ إلى السفارة الإمريكية في بكين)، دعك من وجود حراك إجتماعي واسع من أجل إعمال سيادة القانون، وضرب المفسدين، وإبعاد المتنافسين الأزليين على مقاعد الحزب الحاكم من ديناصورات الماضي لصالح الأجيال الجديدة.
ناهيك عن حراك آخر متزامن يطالب الدولة والحزب تقديمَ إعتذار تاريخي عما ارتكبته أجهزتهما من أعمال إجرامية في ساحة “تيان إن مين” في يونيو 1989.
ولعل ما يعزز قولنا بأن الصين وزعيمها المقبل أمام تحديات جسيمة، ما صرح به في شهر مارس الماضي رئيس الوزراء الحالي “وين جياباو”، الذي دارت حوله مؤخرا شبهات فساد واسعة، حينما قال أن “البلاد تمر بمرحلة عصيبة، وأنه من دون إصلاح سياسي ناجح فإن مشكلات جديدة قد تطفو على السطح، فتعيق بالتالي آمال الصينيين في رؤية بلادهم أكثر مناعة وقوة على الساحتين الإقليمية والدولية”، ثم ما صرح به أحد قادة المعارضة في الخارج من أن الوقت قد حان – إنْ كانت بكين تريد فعلا تدشين حقبة إصلاحية – أنْ تخفف من قمع المعارضين ومن قبضتها المشددة على وسائل التواصل الإجتماعي.
كتب “تشي” ذات مرة: “يجب ألا نقف في وجه الجماهير أو أن نفكر في أنها مصدر للتربح والإستغلال”، مضيفا أن “الحياة الصعبة للقاعدة الشعبية يمكن أن تصقل عزيمة الفرد. وبهذا النوع من الخبرة والتجربة، فإني سأواجه الصعاب في المستقبل وسأتعامل معها بالشجاعة اللازمة وسأتغلب على كافة المعوقات دون وجل”.
لكن مثل هذه التصريحات لم تبدد السؤال الكبير الذي يتردد على ألسنة الصينيين وغيرهم ومحوره هو “هل الزعيم القادم مؤهل أو قادر على مواجهة ما ينتظره من تحديات صعبة بإقتدار؟”
الحقيقة أنه من الصعب تقديم جواب شاف، لسبب بسيط هو أن سيرة “شي جين بينغ” بها أشياء متنافرة ومتضادة ومتشابكة، الأمر الذي يحول دون إعطاء رأي قاطع في نواياه وأسلوب حكمه، ونهجه السياسي المحتمل. فهو مثلا يكره الصراعات الايديولوجية ويفضل الأسلوب القيادي المعتمد على التصالح والتوافق (كما قال عن نفسه في 2003)، لكنه ثبت أنه دخل في مواجهات عاصفة ضد الحاكم المحافظ لمنطقة “خبي” حينما شغل فيها منصب المسئول عن ترويج السياحة المحلية والانشطة التجارية الريفية، الأمر الذي تسبب في نقله إلى مقاطعة “فوجيان” الواقعة على الساحل المواجه لتايوان.
وهو مصنف ضمن نخبة الحزب الثوري، لكنه يـُعرف في الوقت نفسه بالأمير الصغير وهو لقب يـُسبغ على المسئولين الذين استفادوا من صعود الصين الإقتصادي لجهة الحياة الإجتماعية المترفة، خصوصا وأنه أقدم على الزواج من مغنية مشهورة هي الجنرال في الجيش الأحمر “مين بنغ لي يوان”.
ومن جانب آخر، فإنه على خلاف ما يدعيه أو يدّعى المقربون له من أنه نشأ معتمدا على نفسه، وبرز من خلال شخصيته المتواضعة المقترنة بالإعتماد الكلي على الذات، فإن الثابت للجميع هو أن الرجل ارتقى السلم عن طريق الأسلوب البرغماتي الماكر، ومن خلال تكوين قاعدة دعم بين حزبيين بارزين، وخصوصا ممن عرفوا بزمرة “جيانغ زيمين” الذين عمل معهم في شنغهاي يوم أن كان “زيمين” حاكما للأخيرة.
ثم أن هناك موقفه المتناقض من الولايات المتحدة والغرب بصفة عامة. فالرجل الذي هاجم الغربيين وسخر من الحضارة الامريكية في خطابين له، محذرا إياهم من الإشارة إلى صعود الصين، هو نفسه الذي ألحق إبنته بجامعة “هارفارد” الإمريكية الراقية تحت إسم مستعار.
ومن خلال الرجوع إلى المقابلات الشخصية التي أجريت مع “شي”، وبعض المعلومات المستقاة من الدوريات الصينية الرسمية، لا نجد أن لدى الرجل نية للإقدام على دفع الصين في إتجاه الاصلاحات السياسية المطلوبة، رغم ما تسرب عن وجود دعم واسع له داخل الحزب الحاكم والجيش الأحمر، وبدرجة أكثر مما حظى بها “زيمين” و”جينتاو”.
لكن يبدو أن قطاع المال والأعمال هو الجهة الوحيدة التي تشعر بنوع من الإرتياح لصعود “شي” إلى زعامة الدولة، وذلك إنطلاقا من حقيقة أنه قضى جل حياته المهنية مترئسا قطاعات إقتصادية مزدهرة على الساحل الشرقي للبلاد. تلك القطاعات التي جسدت تجربة الصين المعتمدة على جعل السوق في خدمة الدولة، وجذب الاستثمارات الاجنبية، وتحويل خلايا الحزب الشيوعي إلى شركات خاصة، والتوسع في دعم الدولة لرجال وشركات أعمال محددين أي كما فعلت كوريا الجنوبية في إنطلاقتها الاقتصادية الجبارة. وفي هذا السياق يجب ألا ننسى حقيقة أخرى هي أن والد “شي” كان ضمن العقول المدبرة في مطلع الثمانينات للمنطقة الاقتصادية الصينية الخاصة الأولى في “شنتشن”، بل كان في الخفاء صاحب توجه ليبرالي داعم لـ”هيو ياو بانغ” الذي فصل من الحزب الحاكم في 1987 بسبب إعتراضه على قمع نشطاء الرأي.
elmadani@batelco.com.bh
*باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين
إقرأ أيضاً:
“شرعة 08”: 300 مثقف صيني يطالبون بحكم ديمقراطي ودستوري وبإنهاء هيمنة الحزب الشيوعي