رلى موفق
انقلبت حال الارتياح التي كانت تعمّ حلفاء النظام السوري في لبنان في الآونة الأخيرة إلى إحباط مشوب بالقلق جراء التطورات التي تشهدها الأزمة السورية على غير صعيد، مما يشي بأن ثمة جديداً يحصل داخلياً وخارجياً، لا يصب في صالح النظام، وإنْ كانت معالمه لم تتضح بعد. وتشكل الأنباء الواردة عن حجم قوات المعارضة المسلحة، التي تقوم بعمليات في دمشق صدمة لحلفاء سوريا، ولا سيما أن الرئيس السوري بشار الأسد كان يضعهم دائماً في صورة متفائلة عن إمكاناته وقدراته على الحسم، وكان قد وعد هؤلاء مؤخراً بأنه يحتاج إلى منتصف تشرين الثاني الحالي لإنهاء المعارك في المدن الكبرى وإحكام سيطرته عليها، فيما الوضع الميداني لا يعكس ذلك إطلاقاً.
ويترافق الإحباط مع حال من الإرباك بدأ يسود الدبلوماسية الروسية حيال هذا الملف وتداعياته عليها، خصوصاً أن مرحلة الانتظار الدولي، التي فرضها استحقاق الانتخابات الأميركية، انتهت، وأن عودة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى البيت الأبيض تسرّع من قدرة الإدارة الأميركية على طرْق الملفات الإقليمية والدولية العالقة، والتي تنتظر تفاوضاً أميركياً – روسياً حولها، من بينها الأزمة السورية.
فعشية الانتخابات الرئاسية الأميركية، شهد الملف السوري زخماً مختلفاً: سُجلت حركة عربية ودولية في اتجاه توحيد أطياف المعارضة، مع إشارات واضحة من واشنطن عبّرت عنها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بأن الأوان قد حان لقيام معارضة جديرة بالثقة في مواجهة بشار الأسد، تضم إلى ممثلي الخارج ممثلين عن القوى الفعلية على الأرض في الداخل السوري. وهي المهمة التي أوكلت إلى مؤتمر المعارضة في الدوحة. وعلى خط مواز، جرى العمل على توحيد غالبية الفصائل العسكرية المعارِضة وانضوائها في خمس جبهات قتالية، تعزيزاً لجهودها في مواجهة القوات النظامية، وتطميناً للغرب القلق من تقارير عن عبور متطرفين إلى سوريا وتكوينها مجموعات قتالية.
ففي رأي دبلوماسي أميركي، أن الملف السوري سيتقدم إلى الأمام بعد انتهاء الانتخابات الأميركية، ولا سيما أن الاستحقاق الانتخابي كان أحد أبرز الأسباب التي دفعت إدارة أوباما إلى الإحجام عن لعب الدور المؤثر في دعم الثورة السورية وتقديم الدعم المطلوب لها، خوفاً من أن يؤدي انخراطها في إنهاء نظام الأسد إلى نتائج سلبية عليه تؤدي إلى تأليب الرأي العام الأميركي ضد الرئيس المرشح لولاية ثانية، خصوصاً أن هاجس تكرار ما حصل في العراق، لا يزال ماثلاً أمام أصحاب القرار في البيت الأبيض، رغم أن ثمة رؤية أخرى يعبّر عنها بعض أركان الخارجية بأن سوريا ليست العراق، وموازين القوى مختلفة في كلا البلدين. وبالتالي فإن المخاوف قد لا تكون في مكانها على الإطلاق. وفي اعتقاد هذا الدبلوماسي أن هيلاري كلينتون، قد تكون أخطأت في كيفية تظهير موقفها حين عبرّت عن القلق من التقارير عن عبور متطرفين إلى سوريا يعملون على تغيير مسار الثورة، ذلك أنها أسقطت في مقاربتها لهذا الجانب حقيقية أساسية وهي أن الأسد هو من شكّل الحاضنة للمتطرفين والإرهابيين ومن حماهم وأرسلهم إلى العراق وغيرها، وأن ما يمارسه اليوم في حق شعبه هو الإرهاب بعينه الذي يستجلب إرهاباً مقابلاً. ويعزو تردد إدارة أوباما بتبني الثورة السورية في بدايتها إلى التقارير الاستخباراتية الإسرائيلية «المشوشة» التي كانت تشير إلى استحالة صمود الحراك الشعبي أمام قوة النظام الحديدي الذي لا يُقهر بسهولة، لكن الأيام برهنت على تصميم الشعب السوري على مواصلة ثورته وأن لا مجال للتراجع، وأن نظام الأسد ليس بالقوة التي كانت الاستخبارات الإسرائيلية تقدّره.
حزب الله لا يقدّم أية رؤية لتفادي كأس الصراع المذهبي إذا انهار الوضع الأمني من البوابة الدمشقية
وبدا واضحاً أن ثمة دفعاً قوياً أُعطي للمعارضة السورية بجناحيها السياسي والعسكري، في آلية عمل جديدة ومختلفة. وهذا ما برز خلال الأيام الماضية في النقلة النوعية في العمليات القتالية لفصائل المعارضة. ويكشف دبلوماسيون معنيون بالأزمة السورية أن الأيام المقبلة ستشهد مزيداً من النقلات النوعية في عمل المعارضة المسلحة، ومزيداً من الضغوطات على نظام الأسد، ما سيسهم في بلورة المسار الذي ستسلكه الأزمة السورية. ويذهب هؤلاء إلى الاعتقاد بأنه سيكون على روسيا آجلاً أم عاجلاً التسليم بالورقة السورية وسحب الغطاء الذي تشكله لنظام الأسد، في عملية للحد من الخسائر التي تدرك أنها باتت محققة في هذه الورقة، على أن تعوّض في ملفات أخرى أكثر حيوية لها، ولا سيما في ما خص دول آسيا الوسطى، وجمهوريات القوقاز التي تشهد حراكاً إسلامياً وبعض أعمال العنف، فضلاً عن أن الاضطرابات بدأت، وفق بعض التقارير، تطال بعض المناطق الروسية الداخلية ذات الأكثرية الإسلامية في محيط نهر الفولغا، ما بات يُهدد استقرارها الداخلي.
إزاء المشهد المقلق لحلفاء سوريا اللبنانيين والإقليميين، فإن كلاماً عن خطط بديلة لدى الأسد بدأ يتم الحديث عنها بقوة، في حال اشتد عليه الخناق في دمشق، وفيها أن الأسد سينتقل إلى اللاذقية، ليُكمل المعركة من هناك، ما سيضفي عليها طابعاً مذهبياً بامتياز، ويدفع في إطالة أمدها، رغم أن المعلومات المتوافرة من الداخل السوري تشير إلى أن القوة العسكرية التي يعتمد عليها الأسد راهناً تقدّر بنحو مائة ألف عنصر تصل نسبة العلويين فيها، من القوات النظامية ومناصرييه، إلى ثمانين بالمائة.
ويتحدث حلفاء النظام عن رغبة قوية لدى الأسد في توسيع رقعة الاضطرابات الأمنية إلى خارج الحدود السورية، ونقلها إلى دول الجوار علها تخفّف عنه الضغط، وفي مقدمها لبنان، الأمر الذي يسعى الحليف اللبناني الأقوى المتمثل بـ «حزب الله» إلى تجنب تفجير الساحة اللبنانية، وإبعاد هذه الكأس بالقدر الممكن, وسط مخاوف لديه من استعار الصراع المذهبي السنيّ – الشيعي في حال انهيار الوضع الأمني اللبناني من بوابة الأزمة السورية، لكنه في المقابل لا يُقدّم أية رؤية لكيفية تفادي هذه الكأس، في لحظة لا يؤشر أداء الحزب، بعد اغتيال رئيس شعبة المعلومات اللواء وسام الحسن وبدء توجيه أصابع الاتهام إليه ومن خلفه سوريا والحرس الثوري الإيراني، بأنه يستشعر حقيقة تلك المخاوف وجدّيتها على السلم الأهلي.
rmowaffak@yahoo.com
كاتبة لبنانية