كل نقاش حول قانون الإنتخابات في لبنان ينبغي أن ينطلق من “واقعة” سيطرة حزب الله بقوة السلاح على تصويت المواطن الشيعي، وحظره للمنافسة الإنتخابية في المناطق الشيعية!
حتى حرب ٢٠٠٦، كانت مراكز الإحصاء المقرّبة من حزب الله تعطيه نسبة ١٧ بالمئة من اصوات الشيعة، وتعطي حركة أمل ١٣ بالمئة! أي ما مجموعه ٣٠ بالمئة! بعد “غزوة ٧ أيار” صار حزب الله وشريكه الصغير حركة أمل يستأثران بنسبة ١٠٠ بالمئة من أصوات الشيعة اللبنانيين! أي نسبة تفوق ما كان يحصل عليه حسني مبارك وبشار الأسد وصدام حسين!
إذا لم يتم “تحرير المواطن الشيعي”، فإن كل نقاش حول قانون الإنتخابات يصبح عبثياً! هل يرفع “المواطن الشيعي” في لبنان صوته للمطالبة بـ”حقّه” في التصويت لمن يرغب؟
بانتظار ذلك، فإن حزب الله يضع أصوات الطائفة الشيعية “في جيبه”، و”ينافس” على أصوات السنّة والمسيحيين والدروز!
الشفاف
*
قانون الانتخابات: حسابات الربح والخسارة؟
مع انطلاق كل دورة انتخابية، ومنذ العام 2005، وتزامنا مع عودة الجنرال عون من المنفى، شكلت الانتخابات النيابية اللبنانية، محطة للتنافس على المقاعد المسيحية دون سواها، في ظل الانقسام المسيحي الحاد بين القوى الاستقلالية، من جهة وتلك المتحالفة مع العماد عون وقوى 8 آذار من جهة ثانية.
الانقسام المسيحي ادى الى أرجحية بدأت للعماد عون وفريقه في دورة 2005 الانتخابية، ثم تراجعت الارجحية المسيحية ليصبح الانقسام نصفيا بين المسيحيين الاستقلاليين، واخصامهم، في دورة 2009 الانتخابية، في حين تشير الاحصاءات الى ان الارجحية المسيحية سوف تؤول الى الاستقلاليين في الدورة المقبلة.
الظروف التي رافقت الدورتين الانتخابيتين السابقتين، تختلفان قانوناً، وسياسيا، عن الدورة المقبلة. إلا أن القوانين المطروحة لاجراء الانتخابات تبقي المعارك الانتخابية امتيازا مسيحياً، خصوصا ان الفرقاء المسيحيين متفقون على رفض القوانين التي أجريت في ظلها الانتخابات السابقة، وذلك تحت عنوان “تحرير الصوت المسيحي” وحق المسيحيين في انتخاب نوابهم.
الظروف التي حكمت انتخابات العام 2005، كانت في ظل ما يعرف بقانون “غازي كنعان، وفي اعقاب إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وحكمها ما عرف بـ”الاتفاق الرباعي”، الذي ضم حزب الله، وحركة امل والحزب التقدمي الاشتراكي، وتيار المستقبل. هذا التحالف، أدى الى ردة فعل مسيحية اطلقها الجنرال عون، معلنا ان الحلف يهدف الى تهميش المسيحيين وتحديدا تيار عون. وفي حين ان تيار المستقبل، يمثل أغلبية سنية موصوفة، وكذلك الحزب التقدمي الاشتراكي، لجهة احتكار الاغلبية الدرزية، وكذا ثنائية أمل حزب الله. فإن المسيحيين الذين انخرطوا، عونيين وقواتيين ومستقلين واحزاب أخرى في “انتفاضة الاستقلال”، إنقسموا بين مؤيد للحلف الرباعي، وبين تيار عون. وكانت الارجحية التمثيلية المسيحية لتيار عون بسبب ما سوّق له عون، من أن الحلف الرباعي هو لاستمرار تهميش المسيحيين واستلحاقهم، فتجاوزت نسبة التصويت المسيحي لتيار عون 70 في المئة في بعض الدوائر.
بين العام 2005 و2009، شهدت الاوضاع السياسية في لبنان تطورات درامية، مع سلسلة إغتيالات طاولت قيادات من قوى 14 آذار، واندلاع حرب 2006 مع إسرائيل، والاعتصام الشهير في وسط العاصمة من قبل قوى 8 آذار، وانطلاق المحكمة ذات الطابع الدولي، للنظر في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، ومن ثم الجرائم التي تتصل بجريمة الحريري، وانقلاب الجنرال عون على ذاته وشعاراته وتوقيعه ما سمي بـ”ورقة التفاهم” بين “التيار العوني” و”حزب الله”. وصولا الى السابع من أيار في العام 2008، حيث اجتاحت جحافل “حزب الله” العاصمة، واحرقت مؤسسات تيار المستقبل، وحاولت إقتحام الجبل.
بعد “اتفاق الدوحة” عون طالب بإجراء الإنتخابات بـ”قانون الستين”!
إجتياح ا٧ أيار أدى الى توقيع إتفاق “الدوحة”، الذي جرى في ظل اختلال ميزان القوى الداخلي لصالح “حزب الله” وحلفائه. فطالب حينها العماد عون، بالعودة الى ما يعرف ب “قانون الستين” لاجراء الانتخابات التي ستحصل في العام 2009، وصرح عون في طريق عودته الى لبنان مزهوا، بأنه استعاد الحقوق المسيحية من خلال إعتماد “قانون الستين” لاجراء الانتخابات.
نتائج إنتخابات العام 2009، جاءت مخيبة لامال عون وقوى 8 آذار. إذ انها أعادت الاغلبية النيابية الى قوى 14 آذار، وأتاحت بروز كتلة نيابية مسيحية من هذه القوى، في ظل القانون الذي طالب به عون وفي يقينه أنه ينقل دفة الاغلبية النيابية من 14 الى 8 آذار.
بعد إنتهاء إنتخابات العام 2009، بدأت القوى المسيحية العمل على دراسة قانون إنتخابي يحرر الصوت المسيحي، ويسمح للمسيحيين بإنتخاب نوابهم، او في افضل الاحوال اكبر نسبة من النواب المسيحيين. إلا أن دراسة القوانين، بدت في وقت من الاوقات وكأنها كلام حق يراد باطل. فالجنرال عون متسلحا بـ”ورقة التفاهم” يريد قانونا مفصلا على قياسه ليؤمن أغلبية نيابية لقوى 8 آذار، تنتخبه رئيسا للجمهورية، في العام 2014! في حين ان القوات اللبنانيية ومسيحيي قوى 14 آذار يريدون قانونا إنتخابيا يؤمن لهم “صحة التمثيل المسيحي” من جهة، وأغلبية نيابية مع الحلفاء، من جهة ثانية. وعين هذه القوى أيضا على إنتخابات رئيس المجلس النيابي والحكومة التي ستلي الانتخابات ومن خلفهما رئاسة الجمهورية.
وفي ظل بقاء موازين القوى على ما هي عليه، من خلال احتفاظ الثنائية الشيعية بالاغلبية في صفوف الطائفة الشيعية، وكذلك تيار المستقبل سنّياً، والحزب التقدمي الاشتراكي درزياً، فإن المعارك الانتخابية ستكون في الاوساط المسيحية التي ستحدد مصير الاغلبية النيابية المقبلة، وتاليا هوية لبنان السياسية للسنوات الاربع المقبلة نيابيا، ورئاسيا.
حكومة اللون الواحد طرحت قانون النسبية مع إعادة تقسيم لبنان الى 13 دائرة انتخابية، وهذا القانون، كان ليكون الافضل لجهة صحة التمثيل لو انه لا يعاني ثغرات منهجية مميتة.
اولها تقسيم الدوائر الذي فُصِّلَ على قياس قوى 8 آذار، من خلال إلحاق مناطق ذات اغلبيات سنية مؤيدة لتيار المستقبل، بأخرى شيعية، من اجل تعطيل الصوت السني! وكذلك الحاق مناطق ذات اغلبيات شيعية بأخرى مسيحية من اجل تعطيل صوت مسيحيي 14 آذار.
قانون النسبية يتيح لقوى 8 آذار إختراق جميع دوائر الشمال الانتخابية، على سبيل المثال لا الحصر! واستنادا الى نتائج إنتخابات العام 2009، فإن قوى 8 آذار ممثلة بـ 3 نواب في قضاء زغرتا فقط، في حين انها غير موجودة في دوائر البترون والكورة وبشري، وعكار والضنية- المنيه، وطرابلس، التي فاز جميع نوابها على لوائح 14 آذار.
وإذا كانت نسب توزع القوى الانتخابية للدورة المقبلة ما زالت كما هي عليه للدورة المقبلة، أي ارجحية في الدوائر المسيحية بنسبة 55 الى 45 في المئة لصالح قوى 14 آذار، وأرجحية سنية بنسبة 70 الى 30 في المئة لصالح تيار المستقبل، فإن قوى 8 آذار تستطيع الفوز بحوالي 40 في المئة من مقاعد الشمال الانتخابية، وفق قانون النسبية. في المقابل تستطيع قوى 14 آذار إختراق دائرة زغرتا بنائب واحد، أي أن قوى 14 آذار سوف تخسر 40 في المئة من نواب الشمال، لتربح نائبا واحدا.
في المقابل، كان قانون النسبية ليكون مثاليا لو انه يستطيع تأمين خرق الثنائية الشيعية! إلا أن هذه الامر دونه عقبات. اولها القبضة الحديدية التي تمارسها الثنائية على جمهورها، بالسلاح (أي بالإرهاب) والمال، ما يجعل إمكان اي خرق يقارب الاستحالة! كما ان بامكان تحالف امل حزب الله التحكم باللوائح وترشيح لوائح متنافسة إلا أنها موالية للثنائية ما يعطل أي منافسة فعلية في الوسط الشيعي. في حين ان خرق زعامة جنبلاط يصبح متاحا وإن بنسبة 20 في المئة، وخرق كتلة المستقبل يصبح هو ايضا متاحا بنسبة تتراوح بين 30 الى 35 في المئة.
قانون النسبية يسمح لمسيحيي 14 آذار باختراق لوائح عون في كسروان وجبيل وبعبدا والمتن، ولكن إذا قيست النسب لعدد النواب، في ما يمكن لقوى 8 آذار ان تكسبه، وما يمكن لقوى 14 آذار ان تخسره، لتبيّن ان الاغلبية النيابية سوف تنتقل من 14 الى 8 آذار التي يمكن أن تحصل على 85 نائبا كحد أدنى!
قانون الدوائر الصغرى، يتيح صحة التمثيل، إلا أن هذا القانون يبدو وكأنه تم تفصيله على قياس قوى ١٤ آذار! فالدوائر الصغرى تعزل الاصوات المختلطة طائفيا، بحيث يتم عزل الصوت الاسلامي في معظم الدوائر المسيحية، والصوت المسيحي في معظم الدوائر الاسلامية، وإعطاء الارمن دوائر على قياسهم، و ….
هذا القانون قال عنه الرئيس نبيه بري انه “يفتت المفتت”، واعتبره رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد، مخالفا لاتفاق الطائف، ورفضه النائب وليد جنبلاط لانه يلغي الاختلاط في الجبل، ويعزل الصوت السنّي في اقليم الخروب والمسيحي في الشوف وفي عاليه، وتاليا يسمح بتأسيس كتل نيابية موازية لكتلته.
مصادر سياسية لبنانية اعتبرت ان قانون الانتخابات حساس للغاية في لبنان، وهو يؤسس لحرب اهلية جديدة، استشهادا بتجارب تاريخية سابقة، حين اسقط قانون انتخابات العام 1957 الزعيم كمال جنبلاط في الشوف، فاندلعت الحرب بعد سنة، في العام 1958.
المصادر حذرت من ان اي صيغة قانون تتضح من خلاله الغلبة لفريق على آخر، لن يمر في المجلس النيابي وهو سيعيد خلط الاوراق السياسية من جديد ويهدد تحالفات قائمة، ويؤسس لتحالفات جديدة.
لذلك، فإن المصادر تعتبر ان اي الجدل بشأن قانون الانتخابات سيستمر من دون التوصل الى نتيجة، سواء لصالح إقرار قانون النسبية او قانون الدوائر الصغرى، حتى انتهاء مهلة إقرار قانون جديد للانتخابات بحلول بداية العام المقبل، ما يعني حكما العودة الى “قانون الستين” الذي اجريت بموجبه الانتخابات السابقة.
“قانون الستين” يبقي التنافس الانتخابي محصورا في الدوائر ذات الاغلبية المسيحية، ويريح الثنائية الشيعية، التي لا تعاني من مشاكل جدية في التنافس الانتخابي، ويبقي على زعامة جنبلاط، ويؤمن لتيار المستقبل احتفاظه بالسيطرة على نواب الطائفة السنية.
وبعد ذلك كله، يبقى ان الفوز بالمقاعد النيابية المسيحية هو الذي سيؤمن الارجحية النيابية لصالح قوى 14 او 8 آذار.
إنتخابات ٢٠١٣ بـ”قانون الستين”: جنبلاط “مُستّهدف” باقتراحات ٨ و١٤ آذار؟