كان الدكتور محمد مرسى موفقاً للغاية فى القرارات التى اتخذها فى الأيام العشرة الأولى من المائة يوم الأولى فى موقعه الجديد كرئيس لجمهورية مصر العربية.
1- من ذلك حسم موضوع القسم الرئاسى.. فقد فعل ما اقترحناه، وهو أن يؤدى هذا القسم فى أى مكان، وفى كل مكان، وأمام أى جمهور يرغب هو، ويرغب أصحاب المكان أن يكونوا شهوداً، فهذا يُكرّس شرعيته ولا ينتقص منها، ومن هنا، فبقسمه أمام جمهور ميدان التحرير «مساء الجمعة 29/6/2012»، أصبح هذا الميدان بمثابة السُلطة الرابعة، وربما الأهم فى الدولة المصرية، وهو كما سبق ذكرناه مراراً، فى هذا المكان، ومن هذا أيضاً تكراره حلف اليمين فى اليوم التالى «السبت 30/6/2012» ثلاث مرات أمام المحكمة الدستورية العُليا، ثم فى قاعة الاحتفالات الكُبرى بجامعة القاهرة، ضمن جمهور جامع لمُمثلين لكل أطياف المجتمع المصرى، بمن فى ذلك أعضاء مجلسى الشعب والشورى اللذين كانت المحكمة الدستورية قد قضت بحلهما، وكانت المرة الثالثة لترديد القسم فى عُقر دار المؤسسة العسكرية بمنطقة «الهايكستب».
2- دعوة عدد من رموز المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية، من كل طوائف هذه الأخيرة، ولا أعلم ما إذا كانت رموز الطائفتين الشيعية والبهائية قد دُعيت، فإذا لم يحدث فيجب على الرئيس أن يتدارك ذلك، لأنه رئيس لكل المصريين، وما دام الشيعة والبهائيون المصريون يحملون جنسية هذا الوطن، وشاركوا فى الانتخابات التى أتت بالرجل رئيساً، فواجب عليه أن يعترف بهم، ويشملهم برعايته.
3- دعوة عدد من النساء إلى احتفال جامعة القاهرة، وهو استدراك لغيابهن فى التحرير فى اليوم السابق، وحسناً ظهرت السيدة حرمه فى الصفوف الأولى، فهذا مؤشر على أن رئاسة «مرسى» لن تنطوى على تهميش المرأة، أو فرض الحجاب أو أى زى عليها.
4- سعدت برؤية د. أحمد زويل، ود. محمد البرادعى «صاحبى نوبل»، فى الصف الأول، وكذا السيد عمرو موسى، وهو مرشح سابق لرئاسة الجمهورية، ولا أدرى ما إذا كان غياب مرشحين آخرين مقصوداً – مثل حمدين صباحى، وعبدالمنعم أبوالفتوح، والفريق أحمد شفيق، أتمنى أن يكون الرجل أو مُساعدوه قد وجّهوا الدعوة لهم، وأنهم هم الذين لم يتمكنوا من تلبيتها، وفى كل الأحوال يمكن تدارك ذلك فى مناسبة أخرى قريبة، فالرجل على ما يبدو يُريد مصالحة وطنية. وتبدأ هذه المصالحة فى البلدان ذات التقاليد الديمقراطية فى لحظتين متقاربتين. الأولى بعد إعلان نتيجة الانتخابات فوراً، والثانية عند تنصيب الرئيس الجديد، وقد سمعنا وقرأنا أن الفريق أحمد شفيق، آخر المنافسين مع د. محمد مرسى – قد بادر بتهنئته بعد ظهور النتيجة، وكان المفروض أن يكون الفريق «شفيق» قد دعى إلى الاحتفال الجامعى.
5- كان خطاب الرئيس محمد مرسى بجامعة القاهرة حافظاً ومُحافظاً على أهم ثوابت المجتمع والدولة فى مصر، فقد استرجع أهم دوائر الانتماء التى تتحرك فيها مصر عبر العصور، وهى: «العربية، والأفريقية، والإسلامية»، وكان الرجل حتى فى مُفردات الخطاب يسترجع صفحات كتاب الزعيم الراحل جمال عبدالناصر «فلسفة الثورة»، وجاء التنويه بنضال الشعب السورى ضد طُغيان «آل الأسد»، والتضامن مع الشعب الفلسطينى مصدراً لتصفيق حاد وصاخب من القاعة، بل أعتبر أنا ذلك مؤشراً مُبكراً لإعادة إحياء ملف الوحدة العربية.
6- كان لافتاً أن الرئيس محمد مرسى فى حديثه عن السياسة الخارجية، ودوائر الانتماء أنه لم يذكر دولاً إسلامية بعينها، مثل تركيا، وإيران، وماليزيا، وإندونيسيا، رغم أن حزب الحُرية والعدالة أرسل وفوداً إلى تلك البُلدان لدراسة تجاربها التنموية، للاستفادة منها. وأظن أنه رغم أن مصر تختلف عن هذه البُلدان الأربعة، وأنها لا بد أن تبلور تجربتها التنموية الخاصة، إلا أن تركيا هى الأقرب فى مسارها التاريخى والتنموى إلى مصر. ففضلاً عن القرب الجغرافى والارتباط التاريخى الطويل «من 1517 إلى 1917» فإن هناك تقارباً فى الحجم السكانى، ومستوى التطور.
وقد توطدت العلاقات بحكم الملايين من حالات التزاوج، حيث كان الزواج من «تركية» هو أحد مُكملات الوجاهة الاجتماعية، والحراك الطبقى إلى أعلى، وضاعف من جاذبية النموذج التركى مُسلسلات الدراما التليفزيونية التركية، وتضاعف عدد السائحين العرب إلى تركيا، وحينما يذهب المصريون ممن هم فوق الخمسين إلى تركيا للسياحة فإن مُدنها الجميلة بشوارعها الفسيحة وعماراتها التراثية الأصيلة – تذكرهم بالقاهرة والإسكندرية فى النصف الأول من القرن العشرين، وتراها الأجيال الجديدة فى الأفلام القديمة «أبيض وأسود». لذلك فإن النموذج التركى، إذا أجادت إدارة الرئيس محمد مرسى مُحاكاته، فإنه سيجد قبولاً واسعاً.
… وعلى الله قصد السبيل.
semibrahim@gmail.com
المصري اليوم