اجريت الانتخابات البرلمانية الكويتية في الثاني من شباط/فبراير في ظروف استثنائية مختلفة عن كل سابقاتها . فهي الانتخابات المبكرة الرابعة التي يتم إجراؤها خلال ست سنوات، حيث كانت قد أٌجريَت انتخابات في الأعوام ٢٠٠٦ و ٢٠٠٨ و٢٠٠٩، مايدل على وجود أزمة وحالة احتقان سياسي حادة ادت الى عدم استكمال اي من المجالس الثلاثة لولايته، وهي أربعة سنوات للدورة البرلمانية العادية. وتعود حالة الاحتقان المزمنة تلك إلى استمرار عمليات الكر والفر السياسي التي كانت تتم بين عدد من النواب والحكومة، وخصوصاً مع رئيس الوزراء السابق.
وتختلف انتخابات العام ٢٠١٢ عن سابقاتها بأنها أٌجريت بناءً على مطالبات شعبية بحل البرلمان والحكومة معا والعودة الى صناديق الاقتراع. كان محور الحراك الشعبي وعناوينه الرئيسة مكافحة الفساد المالي والسياسي، خاصة بعد كشف الغطاء عن قضية ما سمي بالإيداعات المليونية، حيث ظهر تضخم في الحسابات المصرفية لحوالى ١٣ نائبًا تمت إحالتهم إلى التحقيق بموجب القانون الخاص بتبييض الأموال. وفيما يستمر التحقيق مع هؤلاء حيث لم تنعقد المحكمة بعد، تحوّلت تلك القضية الى محاكمة سياسية، أدت الى انسحاب غالبية النواب الواردة أسماؤهم من الترشح، وخسارة أغلبيّة من استمر في خوض الانتخابات، إذ لم يَفُز من المرشحين الـ ١٣ إلا نائبين فقط.
ويلزم التوضيح بان الحراك الشعبي المعارض لنهج رئيس الوزراء السابق كان قد سبق الربيع العربي، ذلك أن درجة الانفتاح السياسي وحرية الحركة كانتا عنصرين أساسيين استمرّ تأثيرهما وإن بدرجات مختلفة خلال سنوات عدة. مسارات الحراك الشعبي وسقف المطالب تختلف من بلد إلى آخر، والكويت ليست استثناءً عن تلك القاعدة، إذ إن سقف المطالب لايزال يدور في حدود السقف الدستوري. ومع ذلك تقدمت بعض المجموعات الشبابية برؤى وأفكار تتضمن الكثير من التصورات المستقبلية التي تجاوزت فيها طرح القوى السياسية التقليدية.
جاءت النتائج في عمومها لتعزز التوجه المُعارِض، ولانقول المعارضة، إذ لاتوجد معارضة مؤطرة بالمعنى المعروف للكلمة، حتى وإن كانت الفصائل المختلفة للمعارضة تطلق على نفسها ذلك، حيث بات واضحا بأن ما يطلق عليه معارضة كان يجمعها معارضة رئيس الوزراء السابق. ومن المتوقع ن تبدأ صياغة تصورات جديدة قد تؤدي الى تنوع الطرح وربما التصادم بين الفصائل المختلفة. فقد فاز عدد من المرشحين من أصحاب الخطاب الفئوي والطائفي في إطار معركة انتخابية سادتها أجواء احتقان طائفي وفئوي غير مسبوق، عكست تاثيرات إقليمية، خاصّةً أحداث البحرين وإلى حد ما أحداث سوريا.
كما جاءت ايضا بعض المفاجآت، حيث ارتفع رصيد بعض الأحزاب السياسية الإسلامية. فحصل الإخوان المسلمون (حدس) على ٥ مقاعد بينما كان لهم مقعد رسمي واحد في المجلس السابق، وحصل الحزب السلفي الرئيس (التجمع السلفي) على ٥ مقاعد، والحزب الشيعي (التحالف) على مقعدين، وخسر التيار الليبرالي (إن جاز التعبير) أغلبية مقاعده. كما كان ملحوظًا ازدياد التنسيق بين عدد من المرشحين الإسلاميين، واستخدام تكتيكات انتخابية لتحقيق النتائج المطلوبة. وهكذا، نجح مرشحو التحالفات المتنوعة، ومنها الإسلامية، في تحقيق نتائج جيدة، من خلال استخدام تبادل الأصوات أو التحالفات أو تشكيل كتلة رباعية أو ثلاثية في هذه الدائرة الانتخابية أو تلك.
وردّاً على التساؤلات المتكررة التي وردتني حول مدى ارتباط فوز الإسلاميين في الكويت بفوز الإسلاميين في عدد من الأقطار العربية بعد خلاصها من حكامها، فان الاجابة هي بالنفي حيث أن الإسلاميين في الكويت يشاركون بشكل رسمي في الإنتخابات النيابية الكويتية منذ سنة ١٩٨١، فيفوزون أحياناً ويخسرون أحياناً اخرى. فلو أخذنا تنظيم الاخوان المسلمين، لوجدناه أنّه حصل على ٦ مقاعد في العام ،٢٠٠٣ و٣ مقاعد في العام ٢٠٠٦، ومقعدين في العام ٢٠٠٨، ومقعد واحد في العام ٢٠٠٩، ثم ٥ مقاعد في العام ٢٠١٢. من هنا يبدو جليّاً عدم ثبات مقاعد الاخوان المسلمين، الأمر الذي يختلف عن وضع أغلب الإسلاميين في الدول العربية الأٌخرى، حيث كانو مستبعدين من المشاركة في الحياة السياسيّة بشكل او باخر وملاحقين.
ولربما تمثيل المرأة كان أكبر الخاسرين، إذ لم تخسر المرأة مقاعدها الأربعة في البرلمان وحسب، بل جاء التشكيل الحكومي أيضاً خالياً من اي امرأة؛ في حين أن جميع التشكيلات الحكومية منذ العام ٢٠٠٥ (السنة التي أقرّت فيها حقوق المرأة السياسية) لم تفتقر إلى وجود امرأة او اكثر كوزيرة.
وقد جرت انتخابات رئاسة المجلس وسط اجواء مشحونة نجح فيها النائب احمد السعدون، الذي كان قد خسرها آخر مرة في العام 1999 لصالح مرشح الحكومة حينذاك جاسم الخرافي. والسعدون ظل يسعى لاستعادة كرسي الرئاسة حتى تمكن من ذلك حين قررت الحكومة ان عدم إرغام الوزراء على التصويت ككتلة واحدة، ما أدّى في نهاية المطاف الى خلخلة أصوات الحكومة.
ماذا بعد؟
بعد ظهور نتائج الانتخابات، تم تكليف الشيخ جابر المبارك بتشكيل الحكومة. وكان لافتاً أن المشاورات لتشكيل الحكومة جرت في مناخات جديدة، أهمها التنازل عن مجموعة من المعطيات التقليدية التي اعتادت عليها الحكومة، كالتحرك بمرونة في اختيار الوزراء. كما أن رئيس الوزراء المكلّف يبدو انه يتعرض لمضايقات سياسية من عدد من أبناء أعمامه، كرئيس الوزراء السابق أو نائب رئيس الوزراء السابق، والذين يبدو أنهم يبذلون جهداً للإطاحة به.
وطُرحَت ايضًا مجموعة من الاحتمالات غير التقليدية التي صبّت في صالح تغييرات شبه جذرية كتعيين وزير شعبي بمرتبة النائب الاول لرئيس الوزراء، وتعيين شخصية شعبية لوزارة الداخلية. كما تم التشاور مع ممثلين للعديد من النواب الذين طرحوا رؤيتهم للمشاركة في الحكم، حسب طلب رئيس الوزراء، فكان أن تقدموا بطلب شبه تعجيزي وهو تعيين تسع وزراء (من اصل ١٦) محسوبين عليهم وليس من النواب. وقد رفض رئيس الوزراء العرض فعمد إلى تعيين وزرائه بسرعة، وكانوا بغالبيتهم من التكنوقراط أي غير سياسيين، الأمر الذي سيؤدي إلى ضعف في قدرة الحكومة على المناورة.
وبعد انتخاب المجلس الجديد وتشكيل حكومة جديدة هل نعود الى الاحتقانات نفسها؟
يلوح في الأفق احتمالان رئيسان، وهما إما أن نعود الى الاحتقانات نفسها، وإما أن تُؤخَذ بعين الإعتبار الطبيعة غير السياسية والتكنوقراطية للحكومة الجديدة، وبالمقابل الطبيعة السياسية للبرلمان الذي يتكون من أحزاب سياسية عدة وعدد من المتعاطفين معهم. فإن احتمال القدرة على التفاوض ضرورة أساسيّة لتسريع عمل الحكومة في جملة مبادرات تتخطى فيها مطالب البرلمان، وهي أعلنت عن بعضها مثل هيئة مكافحة الفساد والمفوضية المستقلة للانتخابات.
غانم النجار استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت.