أنتقل إلى موضوع ثانٍ هو مؤتمر علماء ليبيا وشيوخ القبائل وأئمة الدين الذى نظمته الجماعة المتأسلمة التى تريد أن تحتكر الحكم بإسم الدين فتستخدم حيلا مكشوفة وتسير فى طرق مظلمة وتسقط فى حفر كثيرة لكنها لا تتعلم من تجاربها وتعتقد دائما أنها تستطيع أن تخدع البسطاء من عامة الناس.. وتجد فى النصوص من يفتي لها باستخدام أية وسيلة للوصول إلى الحكم لأنها فى النهاية تريد أن تقيم شرع ألله. بحسب فهمها لهذا الشرع وتفسيراته. وفى سبيل ذلك تهون المبادئ والقيم، لان ما يؤمنون به أسمى من جيمع هذه المبادئ والقيم.
عقد المؤتمر فى أكبر قاعة فى فندق “ريكساس”، وهو أغلى فنادق طرابلس، وضمت القاعة أكثر من خمسين شخصا أمام كل منهم جهاز “لاب توب”, وسيحتاج هذا الحشد القادم من كل أنحاء ليبيا إلى طعام وشراب ومبيت وتنقلات وتذاكر سفر، ولن يقل إجمالي المصاريف عن مئة ألف دينار ليبي تنفق فى جلسة واحدة من أجل إصدار وثيقة تدعو إلى أن يكون الدين هو مصدر الدستور، فى حين أنه يجب علينا أن ننتظر لاكثر من عام حتى نبدأ بالتفكير فى وضع الدستور.
السوال المهم جدا هو من يدفع كل هذه الاموال؟ وما غايته وما غرضه ؟ وسأكرر هذا السؤال مرات ومرات، وكلما سنحت لى الفرصة. فهذا ليس من مصاريف الزكاة والأولى لمن ينفق هذا المبلغ، وهو ليس شخصا واحدا أو مجموعة أشخاص بل دولة بالتأكيد، أن يتكفل بالجرحى أو يساهم فى إنشاء مدرسة أو مستشفى أو دار رعاية تحمل إسمه.
من حقنا كذلك أن نسأل مجلس العلماء المحترم: ما هو تعريف “العالِم”؟ هل ينحصر فى خريجي الأزهر ومنارة سيدى عبد السلام وجامع الزيتوتة وكل من حفظ الاجرومية. أم يشمل أيضا علماء الكمبيوتر والرياضيات والهندسة وكل العلوم الانسانية الاخرى كالفلسفة والاجتماع. وهل هناك إمتحان يتقدم إليه الكثير ويجتازه القليل ليصبح الناجح عضوا فيه؟
من حقنا أن نسأله أيضا عن موضوع زعماء القبائل. من هم، ومن إختارهم للزعامة، ومن إختارهم لحضور الاجتماع؟ إن “القبيلة” كلمة مستَهجنة تثير الاشمئزاز ألغتها الدولة الليبية فى العهد الملكي فى عام خمسة وستين. واستبدلتها بكلمة “محلة”. وكانت بصدد وضع قانون يمنع إستخدام أسماء القبائل كألقاب.
ثم جاء نظام القدافى فأحياها من جديد لتفريق الليبين وشق وحدتهم وإثارة نعرات قديمة. واستخدمتها الصحف المصرية على وجه الخصوص لانها تعني أن ليبيا لا يسكنها شعب واحد وإنما مجموعة قبائل متناحرة تعيش فى الفراغ، ولذلك فنحن أولى بخيراتها منهم.
الليبيون شعب حضرى بكل ما تعنيه الكلمة. تاريخ الحضارة عندهم يزيد عن خمسة ألاف عام . وتضم طرابلس وحدها أكثر من ثلاثة ملايين نسمة أو بالتحديد (3300000 نسمة).
والقبيلة صلة تقوم على وحدة الدم ولا تقوم على وحدة الفكر، ولا يمكن أن تكون حزبا. ونظام الاحزاب لا ينشأ فى مجتمع قبلى. وأنا شخصيا لا أعرف أسم شيخ قبيلتي ولم يحدث أن حضرت إجتماعاً لقبيلة ولم أسمع بأى شخص آخر فعل ذلك. ولا نستطيع القول بأن هذه القبيلة شيوعية والاخرى إشتراكية. بل، سأضيف أن الاحزاب السياسية نشأت فى ليبيا مع قدوم القوات البريطانية فى 1945، والاحزاب لا تنشأ فى وجود القبيلة. بمعنى أن مفهوم القبيلة قد اختفى في ليبيا منذ دخول الايطاليين إلى ليبيا، لأنه كان نظاما عثمانيا زال بزوالهم.
لماذا يحاول السادة المتأسلمون الاستيلاء على المسجد ليتحول إلى قاعة للإختلاف والمجادلة تبعد به عن هدفه الرئيس، ألا وهو أننا نجتمع معا وأن أشياء كثيرة تجمعنا بالرغم من تنافسنا؟ بالرغم من أختلافاتنا السياسية. ولماذا تسييس القبيلة وتحويلها إلى “دوغما” سياسية ليحوّل الشعب الليبيى إلى مجموعات صغيرة متناحرة لا ترتبط برباط الأمة؟ لقد حاول النظام السياسي إستخدام كل هذه الحيل وفشل بعد أربعين عاما من العنف والاصرار.
هل لا يدرك المتأسلمون هذا؟ ربما وربما، لكنهم لجأوا إلى حيلة ماكرة لتمرير هدف خفي لن ينطلي علينا.
لأنهم يريدون أن يحيوا مفهوم “أهل الحل والعقد”، أو “أهل العقد والحل”، أى مجموعة الصفوة التى يكون بيدها الامر وترجع إليها المشورة. لانهم لا يرون فى المواطن العادى نفعا ولا قيمة. بل عليه أن يستمع دائما لما يُملى عليه، وهكذا نوجه للديمقراطية طعنة خفية فتموت فى مهدها.
swehlico@maktoob.com
* كاتب ليبي