خاص بـ”الشفاف”
لا یجد أي متابع للوضع الداخلي الإيراني صعوبة في رصد او تتبع مسار تفاقم الازمة الداخلية السياسية بين مواقع القرار في اعلى مراكز النظام، خصوصا بعد الصدام الذي حصل بين المرشد علي خامنئي ورئيس الجمورية محمود احمدي نجاد على خلفية اقالة وزير الاستخبارات ثم تطورت لاحقا بعد عمليات الاعتقال الواسعة التي جرت في صفوف الفريق المقرب من رئيس الجمهورية ودائرته المقربة، ثم تفاقمت بعد الكشف عن عملية الاختلاس الكبرى التي جرت في عدد من البنوك الايرانية الرسمية وبلغت نحو 2,7 مليار دولار.
هذه الازمة بين “المرشد” و”الرئيس” وجدت ترجمتها في لجوء “المرشد” إلى تعزيز تواجده في كثير من الفعاليات والانشطة التي شهدتها إيران في الاونة الاخيرة، ما اوحى بعمق الازمة الموجودة ومحاولة استبعاد الرئيس عن التعاطي مع هذه الفعاليات.
فقد القى خامنئي، وخلال اسبوعين، ثلاثة خطابات في ثلاثة مؤتمرات حدد فيها سياسات إيران من التطورات الاقليمية والدولية هي “مؤتمر الوحدة الاسلامية” حيث شدد في هذا المؤتمر على ضرورة الوحدة بين المسلمين مؤكدا على وجود مؤامرة من اعداء الاسلام لافتعال فتنة طائفية بين المذاهب الاسلامية، ثم “مؤتمر الصحوة الاسلامية” الذي اكد فيه على تأثر ثورات الربيع العربي بالثورة الاسلامية في إيران واستلهام الشعوب العربية والاسلامية للنموذج الإيراني في مواجهة اعداء الامة، ثم “مؤتمر دعم الانتفاضة الفلسطينية” الذي اعاد التأكيد فيه على رؤيته لحل القضية الفلسطينية من خلال اجراء استفتاء عام في فلسطين بمشاركة المكونات الاساسية من مسلمين ومسيحيين ويهود واستبعاد المهاجرين اليهود والصهاينة حول مستقبل وشكل النظام السياسي الذي يريدونه في فلسطين، متهما كل من يرفض عودة فلسطين من النهر إلى البحر بالخيانة، رافضا وانطلاقا من هذه المعادلة المشروع الذي تقدم به رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى مجلس الامن الدولي المطالب بالاعتراف بالدولة الفلسطينية على اراض عام 1967.
هذه المشاركات والمواقف التي تعتبر استراتيجية بالنسبة لموقف إيران من التطورات الاقليمية والدولية، جرت في ظل غياب واضح لرئيس الجمهورية الذي اكتفى بالقاء الكلمة الختامية لمؤتمر دعم الانتفاضة الفلسطينية.
ولعل المؤشر الابرز على ادراك قيادة النظام عجز الرئيس عن التعبير عن مواقف النظام بالدقة المطلوبة في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ إيران والمنطقة، ما قام به “المرشد” من تحديد سياسات إيران ومواقفها من الازمة السورية والتي رسمت السقف للموقف الرسمي للحكومة الايرانية.
توتّر في المحافظات الكوردية والآذرية
ومع تصاعد الاعمال العسكرية والمواجهات القاسية التي تخوضها قوات حرس الثورة الاسلامية في محافظات غرب إيران مع عناصر حزب “بيجاك” الكوردي وما تركته من اثر سلبي على الرأي العام الكوردي وما تسرب عن حركة احتجاج بين الاكراد الايرانيين في هذه المحافظات ترافقت مع اضرابات واعمال شغب ضد قوات الشرطة والحرس في هذه المناطق، لم يجد النظام بداً من التحرك للتخفيف من تفاقم هذه الاحتجاجات والعمل على تهدئة النفوس وتقديم تطمينات لسكان هذه المناطق من الاكراد لقطع الطريق على نشوب موجة اعتراضات جديدة قد يصعب على النظام ضبطها اذا ما اتسعت وترافقت مع حركة احتجاجات لمكونات قومية اخرى في إيران، مثل المكون الأذري الذي بدأ حركة احتجاج متقطعة لم تأخذ شكلا متكاملا حتى الان. لكن تراكم الاعتراضات القومية بين هؤلاء الإذريين يشير إلى امكانية تفجر ازمة كبيرة بينهم وبين السلطة المركزية ونظام الجمهورية الاسلامية، خصوصا وان التوجهات المطالبة بانفصال أذربيجان عن إيران وتشكيل دولة موحدة مع اذربيجان السوفياتية سابقا ارتفعت في الاونة الاخيرة بين الاحزاب الأذرية المعارضة.
هذه التطورات دفعت بالمرشد علي خامنئي لزيارة المحافظات الكوردية الشيعية والسنية في كرمنشاه وكوردستان وعقد لقاءات مكثفة مع علماء الدين، خصوصا السنة والمثقفين والمفكرين والعامة من ابنائها، وتقديم ضمانات ومشاريع تساعد على التخفيف من حدة الازمة بينهم وبين المركز والنظام بهدف التقليل من موجة الاعتراض والاحتجاج والتململ التي تسود داخل طبقات هذا المكون الكوردي الذي عانى ويعاني من سياسة الاهمال والتهميش والقمع بحجة وجود جماعات معارضة مسلحة بين ابنائه معادية للنظام. وهي زيارات يمكن وصفها بالتطمينية التي يُفترض طبيعيا ان يقوم بها رئيس الجمهورية.
وتتزامن هذه الزيارة مع تهميش متعمد للزيارات الدورية التي يقوم بها احمدي نجاد إلى المحافظات الايرانية في اطار سياسته لزيارة المحافظات واعتماد برامج تنموية مباشرة بناء على احتياجات كل محافظة بعيدا عن خطط الحكومة للتنمية والخطة الخمسية التي اعلنها. اضافة إلى توزيع مساعدات مالية مباشرة على المستقبلين والمواطنين كلفت خزينة الدولة ووزارة النفط بالتحديد مبالغ طائلة، وهي السياسة التي بدأها منذ توليه منصب الرئاسة قبل ست سنوات.
وقد تبلورة سياسة التهميش لاحمدي نجاد من خلال السياسة التي لجأت اليها مؤسسة الاذاعة والتلفزيون الرسمية الخاضعة مباشرة لمرشد النظام، التي توقفت عن بث خطابات الرئيس مباشرة من المحافظات او مواكبة هذه الزيارات الدورية مكتفية بنقل اخبارها بشكل عادي مشابه لاي نشاط يحدث او يقع في إيران. ولم يبق لاحمدي نجاد سوى وكالة الانباء الرسمية (ارنا) التي يتولى رئاستها “علي اكبر جوان فكر” لتغطية اخبار هذه الزيارات إلى المناطق الايرانية.
ويكشف هذا الحراك الملفت للمرشد الإيراني ما كان متوقعا من وراء دخوله المباشر على خط تسمية احمدي نجاد ليكون مرشحه لرئاسة الجمهورية منذ البداية عام 2005. اذ يبدو ان “المرشد”، من وراء هذا الاختيار، اراد ان يضع حدا للشراكة القائمة بين موقعه كـ”ولي فقيه مطلق” على رأس النظام ومؤسسة الرئاسة وما تعنيه من سلطة تنفيذية، حيث كانت هذه الشراكة تشكل عائقا في عهدي الرئيسين السابقين الشيخ هاشمي رفسنجاني والسيد محمد خاتمي امام إشرافه الكامل على جميع السلطات ومؤسساتها في النظام، وبالتالي تجاوزا للنص الدستوري الذي يعتبر رئيس الجمهورية اعلى سلطة في البلاد بعد ولي الفقيه ومكلفاً الدفاع وحماية وتطبيق الدستور، وان اختيار احمدي نجاد لهذا الموقع سيساهم في تفريغه من مضمونه وتحويله إلى مجرد منصب غير مسمى “رئيس للوزراء” لرئيس فعلي لا يحمل هذه الصفة. أي العودة بالعلاقة بين المرشد والرئيس إلى بدايات الثورة ومرحلة التأسيس عندما كان موقع ودور رئيس الجمهورية دستورياً، وفي ظل وجود وقيادة المؤسس الامام الخميني، مجرّدَ منصب بروتوكولي او على حد تعبير اول رئيس للجمهورية في إيران ابو الحسن بني صدر ” آلة للتوقيع من دون صلاحيات”.
وعلى الرغم من الاخطاء السياسية والاقتصادية والادارية والازمات التي نتجت عنها في إيران في ظل رئاسة احمدي نجاد للسلطة التنفيذية، الا ان المرشد لم يتراجع يوما عن الدفاع عن هذه السياسات وشكل سدا منيعا وخط دفاع اول عن اداء الرئيس وحكومته، انطلاقا من ان الدفاع عن قرارات هذه الحكومة وسياساتها كان دفاعا عن رؤية “المرشد” الاقتصادية والسياسية والادارية لتسيير عجلة الامور في البلاد. وهو ما الزم كل المسؤولين في التيار المحافظ، وحتى المؤسسة الدينية، ودفاعا عن انفسهم كونهم كانوا شركاء في هذا الاختيار، بالسكوت والدفاع عنه وعن أدائه. خاصة وان احمدي نجاد تحمل عبء المعركة مع اقطاب في النظام ومع التيار الاصلاحي وتولى مهمة اخراجهم وابعادهم عن مراكز القرار والادارة نيابة عن “المرشد” والتيار المحافظ، وتحول في مرحلة من المراحل إلى “درع” يحمي “المرشد” من انتقادات ومواقف اقطاب مؤسسين في الثورة والنظام مثل رفسنجاني وخاتمي.
اطلاق يد احمدي نجاد في التحكم بمصير إيران السياسي والاقتصادي والدعم الواسع الذي ناله من “المرشد” والمؤسسة العسكرية (حرس الثورة) دفعته مع فريق عمله للاعتقاد بانه يحظى بتأييد ودعم شعبي واسع، وان وصوله إلى الرئاسة لم يكن مدينا لاي من الاحزاب او الاطراف او التيار المحافظ! وقد ازداد هذا الشعور وتعاظم بعد سنة من الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل عام 2009، بعد حصوله على نحو 25 مليون صوت التي لم تقنعه، ما دفعه لالتزم الصمت خلال المرحلة الاولى بعد اعلان النتائج وانفجار الشارع الشعبي اعتراضا على فوزه على حساب المرشح الاصلاحي مير حسين موسوي. لكنه بعد التدخل المباشر للمرشد واعلانه صحة الانتخابات والنتائج، وبعد ان استطاعت الاجهزة الامنية والعسكرية السيطرة على الحركة الاحتجاجية وقمعها وزج قادتها في السجون وفرض الاقامة الجبرية على زعمائها، بدأ مع فريقه نوعا من التمرد على “المرشد” ومؤسسة الحرس، وصل إلى حد اتهام “المرشد” بانه ساهم في خفض عدد المقترعين بما يعادل خمسة ملايين صوت على الاقل بسبب تأييده ودعمه له في الانتخابات.
الازمة الاخيرة التي نشبت بين “المرشد” و”الرئيس” قد تكون احد تعبيرات “الغرور السياسي”، اذا جاز التعبير، الذي اصاب الرئيس وفريقه لاعتقادهم بان شعبية احمدي نجاد ونفوذه داخل شرائح وطبقات ومؤسسات قد تجاوزت شعبية “المرشد” ونفوذه، وتجاوزت التيار المحافظ إلى طبقات اخرى من المجتمع الإيراني لم تكن على وفاق مع النظام في المراحل السابقة. الامر الذي استدعى تحركا من “المرشد” والمؤسسات التابعة والخاضعة له للتحرك قبل ان يتسع الخرق ويصعب الرتق، والعمل على تحجيم الرئيس وطموحه واعادته إلى حجمه الطبيعي! فتحولت ازمة إقالة وزير الاستخبارات إلى “القشة التي قسمت ظهر البعير” واعلنت بداية النهاية لطموحات تجاوز او التجاوز على سلطات المرشد وصلاحياته، واعادة لتصويب المسارات ودور السلطات في ظل ولاية الفقية التي وضعها الدستور فوق كل السلطات الدستورية، وعمليا فوق الدستور.
كل هذه التطورات والاحداث تطرح تساؤلا حول الهدف من وراء هذه السياسات في تهميش موقع ودور رئيس الجمهورية في تركيبة النظام الإيراني، هل هي فقط نتيجة للاخطاء التي ارتكبها احمدي نجاد خلال السنوات الست من رئاسته بحق إيران والشعب الإيراني داخليا وخارجيا؟ وهل هو فقط من يتحمل المسؤولية في هذا الامر؟ وهل هناك نية لدى قيادة النظام بانهاء دور رئاسة الجمهورية من خلال تهميش دوره، والتقليل من دور رئاسة الجمهورية، خصوصا وان الاستبعاد كان واضحا في الازمة الاخيرة بين طهران وواشنطن حول الاتهامات التي وجهت لايران بالوقوف وراء التخطيط لعملية اغتيال السفير السعودي عادل آل جبير في اميركا وكان نجاد آخر المسؤولين الايرانيين الذي علقوا وادلوا بدلوهم في الرد على هذه الاتهامات.
fahs.hassan@gmail.com
* كاتب لبناني- خبير في الشؤون الإيرانية
أزمة “المرشد” و”الرئيس”: تهميش الرئاسة و.. السلطة المطلقة!
لا اعرف اين من يعنيهم الامر من العرب لما لايتدخلون في شؤون ايران الداخلية لتقويض اركانها كما تفعل في بلدانهم؟! ايران نمر من ورق قوتها في ضعف خصومها.