بمحض الصدفة التاريخية وجدَ قسمٌ من الشعب الكوردي نفسه داخل أسوار الدولة السورية الحديثة، وأُلحقتْ جزء من أراضيه التاريخية التي يعيش عليها بالدولة السورية التي انتدبت عليها الدولة الفرنسية. لم يك هنالك كائنٌ سياسي عبر التاريخ يدعى سوريا، ولكن المسطرة الكولونيالية والشرط السايكس – بيكوي ثم الانتدابات الفرنسية والبريطانية على تقسيماتهما السياسية في المنطقة هما اللذان أوجدا مجموعة دول، بينها الدولة السورية التي تحولت بعد رحيل الفرنسيين إلى كيانٍ مقدسٍ بصبغةٍ عروبوية وشديدة المركزية إلى يومنا هذا.
تحولتْ سوريا خلالَ عقودٍ إذنْ إلى كعبةٍ عروبويةٍ وملكيةٍ حصرية للمكوِّن العربي فقط، وقد ضربَ ساسة سوريا الحديثة بعرض الحائط وعي أن سوريا مكونة من فسيفساء قومي وإثني وطائفي، وأنَّ الأحادية مقتلُ سوريا وعامل مؤخرٌ لتقدمها ولاندماجها الوطني. فمن الاستقلال وإلى يومنا هذا تمَّ تهميشُ الكورد بوتيرةٍ متصاعدة، وعبرَ العشرات من القوانين والمشاريع الإقصائية، ومن خلال سلالٍ من الممارسات التعسفية الانتهاكية. لمْ يحدثْ ذلكَ على يد البعث والدولة المخابراتية فقط، بل يلقَ ذلك جذورهُ منذ بدايات الاستقلال وصولاً إلى هيمنة البعث على مفاصل الدولة ومصادرتها، إذ خلا دستور سوريا لسنة 1950 مثلاً من أي ذكرٍ للمكون الكوردي ولغته وثقافته.
لم تقتصر الرؤى الأحادية على تنظيمات سياسية عربية سورية، بلْ امتدت لتشكل لا وعيَ النخب السياسية والثقافية والفكرية والمواطن العادي في عدم تقبل الوجود القومي الكوردي في سوريا، إلى درجة أنَّ غالبيةً من الديمقراطيين السوريين يتحولونَ إلى عفلقيين بإمتياز، حينَ يتعلقُ الأمرُ بحقوق القوميات والإثنيات الأخرى في البلاد، وكأنَّ سورية بالنسبة إليهم كتلة واحدة غير قابلة للتحول، مهما كان هذا التحول، أو كأنها مُطلقٌ غير قابلٍ للتبديد والتجزيء وإعادة التشكيل والتكوين مجددا، وأي محاولة لتفكيك هذه المسلمة النظرية المطلقة سيبدو تقسيماً وضلالاً ومؤامرة وعبثاً وتجاوزاً للخطوط الحمر، وسيُتهمُ الكردي وفاقاً لذلك وبناءً عليه بالارتداد عن المقدس العربي السوري، وسُينظرُ إليه بمثابتهِ مُدنساً مدفوعاً من الخارج لخلخة خرائط ” خرائط سايكس – بيكو ” التي يسهر على حمايتها وتقديسها سدنة البعث ومحاكمه الأمنية الاستثنائية، التي تختصُ بتوجيهِ تهم الانفصال وشرذمة سوريا إلى النشطاء الكورد، في تناقضٍ سافرٍ وواضحٍ بينَ النظرية البعثية وممارستها في الموقف من “سايكس – بيكو”.
نقرأ بينَ الفينة والأخرى كتاباتٍ لسوريين موالين أو معارضين أو أزلاماً للسلطة أو نتابع مواقفهم الشفاهية أو وثائقاً يصدرونها تقاربُ الكوردَ وقضيتهم سلباً، لكنا لا نستغربُ ذلك لأننا نعرفُ المرجعية الإيديولوجية الأنساقية الموجهة لهم والكامنة وراء إطلاقهم الكلام والموقف على عواهنه، وإصرارهم على ممارسة اللاءات باسم البعث والعروبة ومفاهيمها المفوتة بالتجربة التاريخية، فهم والكورد يعيشونَ بداخلِ أسوار دولة تتسمى ” سورية ” أسهمت سياسات سلطتها القهرية في الحيلولة دون وصول مكونات الدولة إلى شبه اندماجٍ حتى، ولا ننسَ هنا التذكيرَ باستحالةِ خلقِ اندماجٍ بين مكوناتٍ وجدتْ نفسها في إطارٍ نسقي مُتعالٍ أطلقَ عليه تسمية ” الجمهورية السورية ” ثم لاحقاً ” الجمهورية العربية السورية “، واستمر هذا الاختلال البنيوي العُضالْ في تركيبة وتأسيس تلكم الدولة في ما بعد وإلى يومنا هذا، فلمْ تعمل الأنظمة والسلطات المتعاقبة من أجل التوأمة الوطنية الحقة في البلاد، ولم تستطع بعقلانيةٍ ومنطقٍ ووعي ومعقولية احترامَ التمايزاتِ والخصوصياتِ، فأصبحتْ سورية دولة كانتوناتٍ غيرَ متحدة فعلياً، ويبدو أنَّ المعارضات السورية العديدة والتي تنمو كالطحالبِ من دون أن يكونَ لها تمثيلٌ حقٌ في الشارع الشعبي اختارت السيرَ في ركاب السلطات والأنظمة إياها مفاهيمياً، ولم تستطعْ أنْ تشذَّ عن تلكم الرؤى الابتسارية المُعلبة الجاهزة إلا فيما ندرْ.
إذْ أنَّ قوى المعارضة السورية العربية تركزُ دائماً على البعد العربي أو الإسلامي، وتتكلُ عليهما، وتخطبُ ودّهما، مُرجحةً البعدين على كلِّ أولوية سورية أخرى جديرة بالحل، ومن هذه الأولويات القضية الكوردية، وبدلاً من الاهتمام بالمصير السوري المشترك والعملِ عليه، وخلق الأرضية اللازمة له، لبناء مستقبلٍ سوري مُفارقٍ، تهتمُ تلكمُ المعارضات البلاغاتية بالمصير العربي المشترك، والمصير الإسلامي المشترك، ومن هنا، فبديهي أن توضع القضية الكوردية من قبل القوى القومجية والإسلاموية السورية على الرفِّ، في كل وثيقةٍ، وكل مؤتمرٍ، وكل لقاءٍ صحفي، وكل محاضرة.
مشكلة الأحزاب العربية والتيار الإسلامي في سوريا، أنها تنظرُ إلى سوريا ككيانٍ سياسي عابر، وهذا ما خلقَ على الدوام نقصاً في الاندماج لدى قواهُ السياسية، فعينُ الأحزاب العربية والإسلامية دائماً إلى الخارجِ، وطابقتهم في ذلك أحزابٌ كردية لا يمكنُ أنْ تغني سوى على ليلاها خارجَ حدود سوريا، وهذا الشعورُ بعدم الاكتفاء الكياني السياسي هو الذي يسم تصرفات البعض المعارض العربي السوري في اختزاله للقضية الكوردية كقضية داخلية، والبحث عن الاكتفاء في ما وراء الحدود السياسية لسوريا، وهي سياسةٌ مُريبة ومكشوفة، إذْ يُطمسُ الداخلي فيها، ويُستعاضُ عنهُ بالخارجي. ومن هنا نلاحظُ أنَّ الأحزابَ العربية القومية والإسلامية السورية ضائعةٌ وهائمة، في ما يتعلق بسوريا المستقبل، في وثائقها، وممارساتها، ومواقفها، بينَ المُطلق الخارجي لسوريا المستقبل، والتكتيكي اللحظي في ما يتعلقُ بالداخل السوري، فتبني السياسات من منظوراتٍ قومجية أو دينوية من المعارضة السورية بزيحها عن تمثيل الواقع السوري المستقبلي، ويُحوّلها ( سوريا) إلى بيئة خصب لقوميات وأقليات متطاحنة وهويات طائفية متطاحنة.
ولعلَّ من شأن ذلكَ كشفُ أنَّ قوى ماضوية سياسياً وثقافياً لا يمكنها تحديثُ بلدها، وإحداث قطيعةٍ مع التوجهات السائدة سلطوياً في بلدها، والديمقراطية التي تطرحها، وكذك الأمرُ فإن التغيير الديمقراطي المطروح ليسَ في واقع الحال سوى إكسسواراتٍ من النوع ( القطعة بـ 5 ليرات سورية ).
ما يأملهُ السوريونَ هو أنْ تكونَ المُعارضة مُتضادة فكرياً ومفاهيمياً مع النظام الحاكم، وإلا فإنَّ على سوريا الغد السلامُ منذ الآنْ.
mbismail2@gmail.com
كاتب سوري
http://www.facebook.com/mustafa.ismail73
http://twitter.com/kobaniname
سوريا: الكورد والمنظورات الأحادية للآخر ألشعب الكردي بطبيعته شعب طيّب ،وصبور كما صبر البغال على تحمل المشاق ؛لقد عانى هذا الشعب الآري القديم عبر العصور من اضطهادات كثيرة على أيدي الفرس والترك (المغول)والعرب المسلمون ،وظلوا كما هم مخلصون لتفرقهم وشرذمتهم كما تنوع واختلاف لهجات لغاتهم، والفروق الكبيرة التي كانت موجودة بين لهجات هذه اللغات؛قد قاربت الزوال والانتهاء ،ولا ريب في أن الكرد اذا اهتموا بنشر المعارف وتعميم التعليم باللغة الكردية في بلادهم؟؟،فسوف تنقص هذه الفروقات والاختلافات الموجودة بين لهجاتها شيئا فشيئا،ولتصبح الأمة الكردية ذات لغة عامة موحدة اللهجات واللسان ؛كسائر الأمم التي نالت نعمة الاتحاد والوحدة؛فالشكوى من سطوة القومجية العروبوية… قراءة المزيد ..