حرصت قيادات الجمهورية الاسلامية الايرانية في الاشهرالاخيرة على ادراج ما يجري في العالم العربي، من ثورات وانتفاضات على الحكام، في سياق “صحوة اسلامية”. هذا ما اكد عليه مجددا المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية السيد علي خامنئي في افتتاح مؤتمر “الصحوة الاسلامية”، الذي عقد في طهران قبل عشرة ايام بحضور شخصيات وممثلين عن احزاب اسلامية من 80 دولة تقريبا. ولا يخفى على المراقب ان هذا يعبر عن حراك ايراني يريد ان يضع ما يجري في جملة “امتداد الصحوة الاسلامية” التي توجتها الثورة الايرانية عام 1979، في مقابل مقولة ترى ان ما يجري هو فصل جديد يتجاوز التجربة الاصولية الاسلامية، ليس من موقع نبذ الدين بل من ميدان التصالح معه في مواجهة تحديات الحريات والديمقراطية والكرامة الوطنية والانسانية.
استثنى المرشد خامنئي سورية، وهو يشيد بالدول العربية التي تنتفض شعوبها على سلطات القمع، من دون ان يبرر إن كان هذا الاستثناء عفوا او مقصودا. لكن السامع بالتأكيد لا يغفل إزاء هذا الخطاب المكتوب، وامام حشد من الاسلاميين من السنة والشيعة، ان يكون الخطيب ساهيا عن هذه الدماء التي تسيل وعن آلة القتل.
وإذا كان المعيار الايراني في التشكيك بالثورات هو التدخل الغربي في دعم هذه– الثورة او تلك – وهذا ما يحاول الخطاب الرسمي الايراني واصداؤه تطبيقه على الحالة السورية – فلسائل ان يسأل عن اسباب الاندفاعة الايرانية اخيرا للترحيب بالثورة الليبية، التي ما كانت لتحقق انتصاراتها لولا صواريخ “حلف الناتو” التي تلاحق الزعيم الفار معمر القذافي من باب العزيزية الى مخابئه المفترضة على امتداد الاراضي الليبية.
مقولة الصحوة الاسلامية بالمفهوم الايراني وتجلياته اليوم تحاول الغاء الخصوصية التي تحملها الثورات العربية اليوم، ليس باعتبارها خصوصية تتعارض مع الاسلام كمكون حضاري وتاريخي راسخ في هذه المجتمعات، بل باعتبارها خصوصية تعكس التصالح مع الدين والدولة المدنية، من دون الوقوع في اسر الالغاء الذي اعتمدته تجربة “تنظيم القاعدة” الدموية وأخواتها التي الهبت لسنوات مشاعر فئات معتبرة من العرب والمسلمين وما لبثن أن انكفأن وتهاوين لصالح عدم الانجرار امام الشعارات الدينية المطلقة بما تحمله من مصادرة خبيثة للعقل.
خصوصية الثورة العربية هي في التصالح مع الدين والدولة المدنية
بهذا المعنى يمكن ان نفهم كيف انكفأت شعارات “الاسلام هو الحل” و”لا حكم الا لله”. تلك الشعارات التي كانت بطاقة بعض المراهقين اوالدجالين لكسب الشعبية واستغلالها لمآرب خاصة لا علاقة للدين ولا خير الشعوب ومصالحها بها. ولكثيرين ان يستحضروا كيف اقصي امام المتقين علي بن ابي طالب عن الخلافة في موقعة صفين بمثل هذا الشعار الذي رفعه انصار معاوية وتبناه الخوارج حتى قال حينها بن ابي طالب مقولته الشهيرة: “كلمة حق يراد بها باطل”… ردا على خديعة “لا حكم الا لله”.
في محاولة ادراج اعلى موقع سياسي شيعي ما يجري في العالم العربي من ثورات
تحت عنوان الصحوة الاسلامية، في هذه المحاولة ما يتقاطع مع محاولات بعض الرموز المسيحية والشيعية والعلوية والدرزية في لبنان وسواه – ممن تغريهم وتطربهم مقولة الاقليات – خلق الهواجس او تضخيمها لجهة اختصار الثورة العربية التاريخية اليوم على انها ثورة سلفيين واصوليين يريدون الانقضاض على الاقليات، علما ان الخيط السري والساحر والحقيقي الذي يجمع بين هذه الثورات هو مدنيتها وشعاراتها التي تؤكد على مبادىء الديمقراطية والتعددية وحرية الرأي وحقوق الانسان.
وإذا كان البعض، كما هو الحال لدى بعض قياديي حزب الله، يحاول الالتفاف على خصوصية الثورات العربية بادراج معيار صلاح هذه الثورات في مدى ارتباط خيار المقاومة ضد الاحتلال والهيمنة الغربية بالتغيير الديمقراطي ، فان ذلك قول يترجم نظرة قاصرة ترى ان الانظمة الاستبدادية في عالمنا العربي يمكن ان تكون ضد الهيمنة الاستعمارية ومنسجمة فعلا مع مستلزمات التحرر من الهيمنة والاحتلال. وهي نظرة بائسة ان لم تكن ساقطة لجهة اعتقاد البعض ان في عالمنا اليوم يمكن لنظام استبدادي وفردي واقلوي بالمعنى الاجتماعي وقامع لتطلعات شعبه ان يصمد في وجه التحديات الخارجية، هذا اذا صدقنا انه يتطلع الى غير السيطرة على السلطة مهما كلفت من دماء وقهر للشعب. وتعكس هذه المقولة، كما يروج لها، انكارا لقدسية الحرية كمصدر لشرعية كل خيار وطني او قومي او ديني، انطلاقا من ان الدين خلق لاجل الانسان وليس العكس، تماما كما أنّ المقاومة خيار حر وعقلاني وليست قرارا فوقيا يفرض على الشعوب ولا ينبع من داخلها.
يبقى أنّ التشكيك المذهبي والطائفي بالثورة السورية،هو المدخل الموضوعي لاستكمال حلف الاقليات، ذلك الذي ما تزال إسرائيل تعتقد انها من يبرره ويحميه ويقوده…
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد
“حلف الأقليات” او “يهودية” إسرائيل؟
ايران تعتمد المنهج الصهيوني التوسعي من حيث استعمال البطش والحيلة