يصل رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس الى بيروت في 16 آب الجاري، وستتركز الزيارة التي تستمر يومين على عنوانين، اولا: التوجه الفلسطيني الى الامم المتحدة لنيل العضوية الكاملة الشهر المقبل، علما بأن لبنان يترأس مجلس الامن الدولي في شهر ايلول. وثانيا: طلب اعتراف لبنان بالدولة الفلسطينية، باعتباره الدولة العربية الوحيدة التي لم تعترف بعد رسميا، علما بأن سورية فعلت ذلك الشهر الماضي.
وكانت ممثلية فلسطين في بيروت، التي ستتحول الى “سفارة فلسطين”، لم يتحقق وجودها الديلوماسي الا بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان في العام 2005. اذ ساهم هذا الخروج، إلى جانب انتفاضة 14 آذار 2005، في فكّ اسر العلاقة اللبنانية الفلسطينية وتحرير جزء منها من قبضة الوصاية، رغم بقاء التأثيرات السورية على هذا الصعيد مستمرة، وذلك بحسب تراجع او تقدم نفوذ النظام السوري في المعادلة الداخلية اللبنانية، وحتى الفلسطينية.
السلطة الفلسطينية تبدو مدينة للانتفاضة السورية بالاعتراف السوري بدولتها، لكنّ اللافت في النتائج التي تحققها الثورة السورية، فلسطينيا، هو أنّها تدفع باتجاه التقارب بين الفصائل الفلسطينية وتقدم مشروع الوحدة الوحدة الفلسطينية خطوات جدية، مع تراجع واضح لخيار الانقسام بين قطاع غزة والضفة الغربية.
تراجع القبضة السورية الاقليمية يساهم في إنجاز المصالحة الداخلية
يظهر تراجع القبضة السورية الاقليمية، وارتخاؤها حيال الفصائل الفلسطينية، انه يساهم في انضاج شروط ايجابية لانجاز المصالحة الداخلية. لكن تبقى المفارقة هي في ارتباط الانقسام على الساحة الفلسطينية، في العقد الاخير تحديدا، بتمدد النفوذ السوري والايراني إلى داخل المعادلة الفلسطينية، فيما اظهرت الوقائع الحسية ان كارثة الانقسام الفلسطيني وتخوين القيادة الفلسطينية، بدءا من تخوين الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وصولا الى تخوين القيادة الحالية المتمثلة بالرئيس محمود عباس، لم يؤدّ الا الى مزيد من الاستيطان والتعنّت الاسرائيلي حيال اي تسوية سلمية، وبالشروط الدولية.
واللافت ان عنوان المقاومة، المتفلتة من القيود السياسية والعمليات الانتحارية بين عامي 1995 و2003، شكل عنوان الخلاف بين السلطة الوطنية والقوى المدعومة من سورية وايران، فيما اليوم، ومنذ سنوات، نشهد سقوط هذه الشعارات لحساب الامساك بالسلطة في غزة، حيث يمكن ملاحظة التشابه الهائل بين مواقف السلطة الفلسطينية ومواقف حركة حماس بشأن العمليات العسكرية ضد الاحتلال الاسرائيلي: المواقف التي خوّن أبو عمّار لاتخاذها تتبناها، بحذافيرها، الفصائل التي خونته، لكن في ظروف اسرائيلية افضل من السابق، وواقع فلسطيني اسوأ مما كان.
الفرز كان انتاجا سياسيا سوريا ايرانيا، كما تصف اوساط في حركة فتح: “اذ لم تشأ الدولتان أن تتعاملا مع القضية الفلسطينية على قاعدة دعم المؤسسات الشرعية الفلسطينية ووحدتها كشرط لنجاح مشروع المقاومة، بل عملت على اضعافها في وجه اسرائيل”.
هذا قول لا يبرّىء السلطة الفلسطينية وحركة فتح من مسؤوليتيهما على هذا الصعيد، وان كان الثابت في وجدان كل فلسطيني ان السياسة السورية، ولاحقا الايرانية، لم تؤسسا حضورهما في المشهد الفلسطيني الا على قاعدة فرض الوصاية على القرار الفلسطيني.
اليوم تراجعت لغة تخوين السلطة الفلسطينية لكن من دون ان تتبدل خياراتها السلمية، وتقدمت فرص الوحدة الفلسطينية من دون ان تشتعل جبهات المقاومة ضد اسرائيل. وباتت الدعوات الى الوحدة الفلسطينية تنطلق من شفاه الذين عملوا سنوات، وبوعي، على ضربها اكثر من غيرهم.
لعلّ ما تقدمه الثورة السورية إلى فلسطين، من دون ان تتلطى بها، هو اهم ما يمكن ان يطلبه الفلسطينيون: الوحدة الفلسطينية والقرار المستقل. بهذا المعنى يصبح احتفاء الفلسطينيين بالثورات العربية متصلا بقضيتهم، التي طالما شكلت حصن الاستبداد لدى العديد من الانظمة العربية.
مرّة أخرى يتضّح أنّ شعار “الحرية أولا” أعلى، وأنّ الأصوات المطالبة بالحريّة كان يجب أن تعلو منذ زمن طويل فوق صوت المعركة، وأنّ الداعين إلى المعركة الدائمة ليسوا دائما على حقّ، وأنّ بناء الدول يحرّر القدس، وليس تحرير القدس ما يبني الدول.
lyalamine@gmail.com
* كاتب لبناني
البلد