في 12 حزيران/يونيو، تواجه تركيا ما يمكن أن تكون انتخابات تاريخية. وتؤكد استطلاعات الرأي أن «حزب العدالة والتنمية» [«الحزب»] الحاكم سيفوز في هذه الانتخابات للمرة الثالثة منذ عام 2003. ومع ذلك، فإن السؤال هو فيما إذا كان «الحزب» سيكسب الأغلبية المطلوبة، وهي ثلثي المجلس التشريعي، لكي يستطيع بشكل منفرد تشريع مسودة دستور للبلاد، تؤدي إلى تغييرات رئيسية في النظام السياسي التركي منذ أن أنشأ أتاتورك الدولة كجمهورية علمانية في قالب أوروبي.
وفي هذه المرحلة، تعتمد قدرة «حزب العدالة والتنمية» على إعادة تشكيل الإرث التركي على تلك العتبة الانتخابية التركية الفريدة وذات النسبة العالية. إن العتبات الانتخابية شائعة في النظم الديمقراطية المتعددة الأحزاب. وفي نظام فيه عشرات الأحزاب، لن يتم تشكيل الحكومة قط إذا ما نجحت جميع الأحزاب في الدخول إلى البرلمان، لذلك يتم إبعاد الأحزاب الصغيرة عن المجلس التشريعي.
ولكن في حين لدى معظم الديمقراطيات متعددة الأحزاب الحد الأدنى من العتبات لتمثيلها في البرلمان، والذي يتراوح بين اثنين إلى خمسة بالمائة من الأصوات الشعبية، نجد أن لدى تركيا أعلى عتبة انتخابية بين الدول الديمقراطية الليبرالية، وهي 10 في المائة.
لقد كانت هذه العتبة الانتخابية تهدف بالأصل إلى منع «الحزب الوطني الكردي» من القدرة على الدخول إلى البرلمان. ومنذ سنِّ القانون كان لـ «الحزب الوطني الكردي» تمثيل في كل برلمان، حيث خاض مرشحوه الانتخابات كمستقلين في بعض المحافظات الكردية. والمستقلون ليسوا بحاجة إلى أن يكونوا مؤهلين للعتبة الوطنية، لكنهم ببساطة يجب أن يحصلوا على دعم كافٍ في محافظاتهم لدخول البرلمان.
ولم يكن القانون غير فعال في أهدافه فحسب، بل أدى أيضاً إلى عواقب غير مقصودة. فبدلاً من منع «الحزب الوطني الكردي» من الدخول إلى البرلمان، منعت العتبة الانتخابية أحزاب أصغر من يمين الوسط ويسار الوسط من دخول المجلس التشريعي، مما نتج عنه الاستقطاب الحالي للنظام السياسي بين «حزب العدالة والتنمية» الحاكم و«حزب الشعب الجمهوري» المعارض.
وعلاوة على ذلك، تُشوه العتبة الانتخابية الرأي الشعبي. وبتخصيص هذا العدد الكبير من المقاعد لصالح «حزب العدالة والتنمية» الفائز — تلك المقاعد التي كانت ستذهب إلى الأحزاب الصغيرة — أسفرت العتبة الانتخابية عن حصول حزبٌ حاكم لعدد أكبر من المقاعد مما كان سيستحقه وفقاً لحصته من الأصوات. وقد أدى ذلك إلى حصول «حزب العدالة والتنمية» على أغلبية مطلقة. ويفسر «الحزب» الحاكم أغلبيته التشريعية غير التمثيلية كصكٍّ على بياض لسحق وسائل الضبط والرقابة مثل المحاكم والإعلام. وكما عبَّر عن ذلك أحد المحللين، أدت العتبة الانتخابية إلى عيش “«حزب العدالة والتنمية» على المنشطات [أي في أقوى حالاته]، ويتصرف كما لو كان فيلاً في متجر خَزَف الديمقراطية.”
وفي انتخابات عام 2002، على سبيل المثال، فاز «حزب العدالة والتنمية» بستة وستين بالمائة من مقاعد البرلمان بعد حصوله على 34 بالمائة فقط من الأصوات. وقد فشل الجميع في تخطي العتبة الانتخابية باستثناء «حزب الشعب الجمهوري»، كما حصل «حزب العدالة والتنمية» على أغلبية المقاعد التي كان من المفترض أن تذهب إلى الأحزاب الأصغر. ومن الصعب على أية حال تصديق أن ستة عشر حزباً — التي تلقت ما يزيد عن 45 بالمائة من إجمالي الأصوات — قد تم منعها من الوصول إلى البرلمان لأن كلاً منها فشل في الوصول إلى العتبة الانتخابية التي تبلغ عشرة بالمائة، كما أن أكثر من 14 مليون مصوتاً قد حُرموا من حقهم في الحصول على تمثيل.
كما أن الأغلبية الكاسحة لـ «حزب العدالة والتنمية» في البرلمان قد سمحت حينئذ لـ «الحزب» بأن يهجر تدريجياً ائتلافه المبكر مع الليبراليين ومجتمع رجال الأعمال.
وأما الحزبان المحبَطان على وجه الخصوص واللذان عانا من عواقب هذا القانون في عام 2002، فهما «حزب الطريق القويم» من يمين الوسط، و«حزب الحركة القومية» اليميني؛ وبالكاد فشل كل منهما في الوصول إلى العتبة الانتخابية، إذ حصلا على 9.5 بالمائة و 8.5 بالمائة من الأصوات على التوالي. ومنذ تلك الانتخابات ظهر استقطاب النظام السياسي التركي بين «حزب العدالة والتنمية» و«حزب الشعب الجمهوري» وظلت علاقتهما عدائية حتى يومنا هذا.
ومرة أخرى في انتخابات عام 2007، منحت العتبة الانتخابية «حزب العدالة والتنمية» مقاعد أكثر من حصته، تلك المقاعد التي كانت ستمليها الأصوات الشعبية. فقد حصل الحزب على 62 بالمائة من المقاعد في البرلمان بنسبة 46 بالمائة من الأصوات الشعبية. وهذه المرة تخطّى كلٌ من «حزب الشعب الجمهوري» و«حزب الحركة القومية» اليميني عتبة العشرة بالمائة، فيما حصل أحد عشر حزباً بصورة مجتمعة على أكثر من 13 بالمائة من الأصوات، وكل واحد منها فشل في الوصول إلى العتبة الانتخابية، وبالتالي، فإن 4.5 مليون من بين 35 مليون ناخب قد انتهى بهم المطاف دون الحصول على أي صوت في البرلمان.
إن الأغلبية البرلمانية التي يتمتع بها «حزب العدالة والتنمية» قد شجعته. ورغم أن «الحزب» كان يستند في حملاته الانتخابية على برنامج سياسي يعزز أجندة ليبرالية إلا أن السلطة السياسية المتضخمة التي منحتها العتبة الانتخابية لـ «حزب العدالة والتنمية» قد سمحت له باعتناق الاستبداد بدلاً من الليبرالية، لأنه في نهاية المطاف، لم يتعرض «الحزب» للمساءلة عما يقرب من نصف المقاعد التي حصل عليها.
ومع قرب الانتخابات المقبلة في 12 حزيران/يونيو، سوف تقوم العتبة الانتخابية مرة ثانية بـ “سحرها”. وفي حين من المتوقع أن يتخطى كلٌ من «حزب العدالة والتنمية» و«حزب الشعب الجمهوري» هذه العتبة، تُظهر استطلاعات قليلة أن «حزب الحركة القومية» ربما يفشل في الوصول إليها. وليس من المتوقع أن يصل أي حزب آخر إلى نسبة عشرة بالمائة من الأصوات. وهذا يعني حسب أفضل سيناريو للتمثيل الشعبي أن حوالي سدس الناخبين ربما يُحرموا من حقهم في الحصول على تمثيل، مع افتراض دخول «حزب الحركة القومية» للبرلمان. أما لو فشل «حزب الحركة القومية» في الوصول إلى العتبة الانتخابية فإن حوالي ربع الأصوات مجتمعة لن يكون لها على الأرجح تمثيلاً في البرلمان.
وفي هذه الحالات، يمكن أن يحصل «حزب العدالة والتنمية» على ما بين 330 إلى 380 مقعداً في المجلس التشريعي، وهذا يعني أنه إما بالكاد سيفشل في الحصول على أغلبية ثلثي الاصوات (367) في المجلس أو يقترب من الحصول عليها، وهي الأصوات التي يحتاجها لكتابة — من جانب واحد — مسودة دستور جديد لتركيا والموافقة عليها دون الحاجة إلى الحصول على إجماع بقية المجتمع التركي.
إن توازن تركيا يتعلق الآن أكثر من أي وقت مضى، بهذه العتبة.
سونر چاغاپتاي هو مدير برنامج الأبحاث التركي في معهد واشنطن حيث تعمل هيل أريفاجاوجلو كباحثة مساعدة. جيزيم كوكفر هو باحث متدرب سابق في المعهد.
حريت ديلي نيوز, 8 أيار/مايو 2011