نيو ريبليك أونلاين, 9 نيسان/أبريل 2010
خلال الغزو الأمريكي للعراق، كان نظام الأسد في سوريا يساعد المتمردين على عبور الحدود وقتل الأمريكيين. ورداً على الاستفزاز السوري، فكرت إدارة بوش [بتقييم] مجموعة واسعة من الخيارات السياسية. لكن ثمة فصيلة واحدة من الخيارات بقيت دائماً خارج الطاولة ألا وهي: تغيير النظام أو فرض أي مجموعة من الضغوط التي قد تزعزع استقرار دمشق. وكان القلق السائد بين مختلف الوكالات الأمريكية هو أن سوريا دون الأسد يمكن أن تكون أكثر تطرفاً من بقائها تحت نظامه الذي يدعم الإرهاب.
وفي وزارة الدفاع الأمريكية — حيث عمِلتُ — كان لنا رأي مخالف. ففي حين لم يدعو البنتاغون إلى إسقاط نظام الأسد، لم نرى نحن المسؤولين أيضاً وجود مصلحة في المساعدة على الحفاظ على قبضة هذا الحاكم المستبد على السلطة. وخلال مناقشة سياسة الإدارة الأمريكية تجاه سوريا، تذكَّر مساعد وزير الدفاع في ذلك الحين بيتر رودمان — مساعد سابق لوزير الخارجية الأمريكية هنري كيسينجر الذي خدم في خمس إدارات أميركية — بما قاله ذات مرة أفيريل هاريمان، سفير الولايات المتحدة لدى الاتحاد السوفياتي في الفترة بين 1943- 1946. وأشار رودمان
ساخراً، بأن هاريمان قال: “أستطيع التعامل مع ستالين. إن المتشددين في الكرملين هم الذين يخيفوني”.
وبعد مرور ثلاثة أسابيع من بدء الانتفاضة السورية، التي وقعت خلالها مئات الإصابات، بدأت تطفو على الساحة السياسية مخاوف قديمة حول من الذي سيحل محل الأسد. وهو الحال فيما يخص التعلق الرجعي بنظام لم يقتصر فقط على قتل الآلاف من مواطنيه، بل ساهم في موت العشرات إن لم يكن المئات من الجنود الأمريكيين والمقاولين في العراق. ويتجاوز دعم النظام، المعيار المنطقي المتمثل بـ “الشيطان الذي تعرفه”. وللفطنة، عبّر مؤخراً أحد المعلقين في “ذو نيشونل إنتريست” عن رأيه بأن “واشنطن تعرف جيداً [الرئيس السوري] بشار وتعلم ما هي منطقيته وما يمكن توقعه منه في الشؤون الخارجية.” وليس هناك شك بأن الأسد لم يقتل الملايين كما فعل ستالين. لكنه أمضى سنواته العشر الأولى في السلطة قام خلالها بتكريس جهوده بصورة متهورة من أجل زعزعة الاستقرار — والمصالح الأمريكية — في الشرق الأوسط.
وهذا هو الشيطان الذي نعرفه: منذ عام 2006 فقط، زادت سوريا تحت حكم الأسد أضعافاً مضاعفة من قدرات ميليشيا «حزب الله» الشيعية اللبنانية، بتزويدها المنظمة بصواريخ “إم – 600” المتقدمة المضادة للسفن والدقيقة للغاية، التي تعتبر أفضل نوع في خط الأسلحة المضادة للدبابات، وسمحت للمنظمة بإنشاء قاعدة لصواريخ “سكود” على الأراضي السورية. وفي الوقت نفسه، يستمر الأسد في التدخل [والتورط] في أعمال قتل في لبنان، وإيواء حركة «حماس» ودعمها، وإيقاع الاضطرابات في العراق. ولا تزال دمشق هي الحليف الاستراتيجي لطهران، التي خلاف ذلك ستكون معزولة. وفي عام 2007، كُشف النقاب بأن سوريا تحت حكم الأسد كانت تسير على قدم وساق نحو بناء سلاح نووي. ونظراً للتأثير الضار لسياسات الأسد على مصالح الولايات المتحدة والمنطقة، فمن الصعب تصور قيام نظام يخلفه أو بديل له، قد يكون أسوأ من النظام الحالي.
وبطبيعة الحال، لا تستطيع واشنطن أن تستبعد بصورة مطلقة حدوث سيناريو “العاصفة المثالية”. فعلى سبيل المثال، قد يتم استبدال الأسد بعضو من طائفته من الأقلية العلوية يكون حتى أكثر عدائية بصورة علنية. وكبديل لذلك، يمكن أن يقوم مجلس عسكري سني يحل محل النظام الحالي ويكون أكثر تشدداً ومناهضاً للولايات المتحدة، مما سيثير مجزرة كاسحة ضد العلويين ويؤدي إلى هجرة المسيحيين بأعداد هائلة. وربما سيتم استبدال نظام الأسد من قبل سلطة دينية إسلامية بقيادة جماعة «الإخوان المسلمين»، أو ما هو أسوأ، بغياب حاكم مستبد وفعال، يمكن أن تنحدر سوريا نحو حالة من الفوضى، مما سيوفر فرصة لـ تنظيم «القاعدة» لكسب موطىء قدم في بلاد الشام. ويمكن لهذه السيناريوهات أن تتضح وتتطور — ولا تخدم أياً منها مصالح الولايات المتحدة. وهو الحال بالنسبة للأسد، حيث هو أيضاً لا يخدم مصالح واشنطن، وعلى الرغم من بقاء بعض التفاؤل غير الواقعي القائل بأنه سوف يقوم بإجراء بعض الإصلاحات، يجب أن يكون واضحاً الآن بأنه يتعذر إصلاح النظام.
وربما غني عن القول بأنه لا ينبغي على الولايات المتحدة أن تتورط في أعمال تتعلق بإزالة النظام في سوريا. بيد، حان الوقت لإعادة النظر في الإفتراض القائل بأن لواشنطن، بطريقة أو بأخرى، مصلحة راسخة في البقاء السياسي لبشار الأسد. وفي الوقت الذي يقوم فيه الشعب السوري الشجاع بمجهود العمل الشاق ويدفع ثمناً باهظاً للتخلص من حاكم مستبد فاسد ومتقلب وقاس، ينبغي على أمريكا أن لا ترمي طوق نجاة لهذا الدكتاتور.
قبل سنوات عندما كنت أعمل في إدارة بوش، كُلفتُ بكتابة ورقة خيارات حول سوريا. وقبل قيامي بوضع القلم على الورق، سعيت إلى الحصول على الاستشارة الحكيمة للراحل بيتر رودمان، الذي سخر بطريقة نموذجية بقوله، “كيسنجر كلفني بكتابة نفس الورقة في أوائل السبعينات من القرن الماضي.” واليوم بعد مرور 40 عاماً تسلم خلالها سبعة رؤساء إدارة الحكم في الولايات المتحدة، ما زالت واشنطن تسعى إلى اتباع سياسة فعالة للتعامل مع نظام الأسد. إن إدارة أوباما — مثلها مثل إدارة بوش قبلها — تواصل التمسك بالوضع الراهن بسبب عجزها عن مواجهة القلق الذي يساورها مما قد يأتي في وقت لاحق. ومما يؤسف له، أنه إذا نجح نظام الأسد في الصمود أمام هذه العاصفة، فبشعوره بالعجز من استمرار المخاوف من حدوث أسوأ حالة لسيناريوهات الخلافة في دمشق، فإن بشار — أو ابنه حافظ — سيظل يشكل تحدياً لسياسة الولايات المتحدة حتى بعد مرور عقود من الآن.
ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. وشغل منصب مدير شؤون بلاد الشام في وزارة الدفاع الأمريكية بين الأعوام 2002 و 2006.