ليبيا بلد قاري، مساحته الشاسعة البالغة حوالى مليون و800 ألف كلم2، كلها تقريباً صحارى ضئيلة السكان في وسط أفريقيا الشمالية، وتلامس ساحل البحر المتوسط على امتداد 2800 كلم بين مصر شرقاً وتونس غرباً.
على هذا الساحل الطويل الذي تمتد خلفه أمداء صحراوية مترامية – سوى مرتفعات الجبل الأخضر الصغيرة في الشرق، ومرتفعات جبل طرابلس الضئيلة الحجم في الغرب – تنتشر مدن ليبيا وبلداتها التي ينزل فيها 90 في المئة من الليبيين البالغ عددهم اليوم حوالى 7 ملايين نسمة، وكانوا لا يتجاوزون المليونين العام 1970، غداة قيام العقيد معمر القذافي مع مجموعة من ضباط الجيش بانقلاب عسكري أطاح الملك إدريس السنوسي. أما الداخل الليبي، الصحراوي الشاسع، متصلاً بالصحراء المصرية شرقاً وبصحراء التشاد والنيجر جنوباً، وبالصحراء الجزائرية غرباً، فيكاد يخلو من السكان، إلا في واحات، وفي مدينة سبها الصحراوية الداخلية في الوسط الى جهة الغرب.
المثلث القبلي
الطبيعة الجغرافية والظروف التاريخية والسياسية، لم تساعد الجماعات الليبية المدينية الساحلية في تجاوز ولاءاتها وعصبياتها القبلية، إلا على نحو ضيق أو ضئيل، قبل أن يدهمها الانقلاب القذافي. فالدولة الليبية الملكية الموحدة، نشأت بعد الحرب العالمية الثانية. وفي نهاية الستينات من القرن العشرين، هبت عليها موجة الانقلابات العسكرية العروبية من مصر الناصرية، وسرعان ما صفى العقيد معمر القذافي زملاءه الضباط في “مجلس قيادة الثورة” الانقلابية، وتفرد وحده في السلطة، معتمداً التأليب والدسائس الأمنية والاغتيال والاحلاف القبلية ركائز لتسلطه على الدولة والثروة والمجتمع.
مدينة سرت في وسط الساحل الليبي، لا أهمية لها إلا لأنها مسقط العقيد القذافي. وهي، مع مدينة سبها الصحراوية الداخلية في الوسط، موطن قبيلته (القذاذفة) الصغيرة. لذا عوّض العقيد عن تصفيته زملاءه الضباط، بعقده حلفاً بين قبيلته وقبيلة الروافلة، مستعيناً بأبناء القبيلتين في أجهزته وكتائبه الأمنية والعسكرية الخاصة، بديلاً عن الجيش الوطني، الذي همشه وأضعفه لأنه لا يضمن ولاءه، ما دام مؤسسة لا تخضع لسلطته المباشرة. أما قبيلة المقارحة التي ضمها ايضاً الى حلفه القبلي، فأطلق أيدي أبنائها في التجارة والادارة. وعلى هذا الحلف القبلي المثلث، اضافة الى قبائل أخرى من الغرب الليبي، نهض تسلط القذافي على إقصاء قبائل الشرق الليبي ومدنه الساحلية المعروفة بنخبها المتقدمة على نخب مدن الغرب، منذ كانت مدن الشرق ركيزة الملكية السنوسية.
منذ أواسط سبعينات القرن العشرين، سجن العقيد النفطي والأمني المهجوس بعظمته، بلاده في ما سماه “الجماهيرية الليبية العظمى”، تعظيماً هستيرياً لشخصه وتسلطه، قبل أن يستكمل عظمته بلقب “ملك ملوك إفريقيا”. وكلما هبت على العقيد نوبة هستيرية من العظمة، كانت ليبيا التي حكمها حكم إحتلال أو استعمار داخلي، تزداد بؤساً واختفاء وعزلة عن العالم، وتتشرد نخبها وكل معارض للتسلط القذافي، في أرجاء المعمور، وهذه سُنَّة عروبية عرفتها سائر الدول العربية الحديثة، منذ مطالع خمسينات القرن العشرين. وشأن غيرها من ديكتاتوريات العروبة، نشرت القذافية الخوف والبطالة المقنّعة والمهانة والذل في ليبيا، فيما أوغل العقيد وأولاده ورهطه في الدم ونهب عائدات النفط وتكديسها في أرصدة خاصة، وامعنوا في قهر المجتمع وتدميره، وأقاموا على أنقاضه “جمهورية خوف” واغتيالات و”لجان ثورية”، مستدخلين حداثة الارهاب الشمولي في البداوة والاحلاف القبلية، على مذهب صدام حسين في العراق البعثي. وطوال 42 سنة، غابت ليبيا وتاريخها وشعبها وثقافته، خلف ستار حديد قذافي قاتل، سماه العقيد “جماهيرية عظمى” كتب لها “مصحفاً” سماه “الكتاب الأخضر”، على مثال كتب سلاطين الديكتاتوريات الشمولية.
تمويل حروب لبنان
من خلف هذا الستار خرجت التظاهرات الشبابية الليبية السلمية، الى شوارع مدينة بنغازي في 17 شباط الماضي، استلهاماً لما حدث في تونس غرباً، ومصر شرقاً. ثم انتقلت التظاهرات الى مدن الساحل الليبي الاخرى، فنبهت العالم، أو ذكرته، بأن في ليبيا بشراً سوى العقيد والمهرج الدموي في أفعاله وكلماته وحركاته وأزيائه، فهبت على المهرج نوبة عظامية جارفة حملته على إطلالة تلفزيونية هستيرية طوال أكثر من ساعة، أعلن فيها أن الليبيين المحتجين على سلطانه، ليسوا سوى “جرذان”، وسيطاردهم “شبراً شبراً، وزنقة زنقة، وبيتاً بيتاً”. هذا بعدما كانت كتائبه الأمنية والعسكرية الخاصة طاردت المحتجين بالرصاص ومدفعية الميدان والطائرات الحربية، فقتلت منهم ألوفاً، إيذاناً بتحويل التظاهرات السلمية حرب مواقع عسكرية. هكذا تحولت مدن الساحل الليبي من الزاوية غرباً الى طبرق شرقاً، مسرحاً لحروب متنقلة، بعدما كانت طوال أكثر من عشرة أيام مسرح احتجاجات شعبية سلمية تطاردها كتائب العقيد بالقتل والاغتيالات والإعدام الميداني.
والعقيد موغل في الدم في بلاده وفي خارجها ايضاً. وخلف نوبات تهريجه الدموي الهاذي، سفاح مزمن في اغتيال معارضيه ومطاردتهم في بعض مدن العالم. وهو ضالع في تمويل عمليات ومنظمات إرهابية كثيرة خارج بلاده، منها تفجير طائرات مدنية في الجو. كما أنه سبق الجمهورية الاسلامية الخمينية، الى جانب سفاح العراق صدام حسين، في تمويل الحروب الاهلية الملبننة. وفي منتصف ثمانينات القرن العشرين، بادله أمراء هذه الحروب عطاياه المالية، فشحن له الحزب الشيوعي اللبناني، من مطار بيروت، حمولة أكثر من طائرة من المقاتلين المرتزقة، للقتال في حروب قذافية إفريقية في التشاد التي أخذ العقيد يستورد منها ومن دول إفريقية أخرى، مرتزقة لكتائبه العسكرية والأمنية وكتائب أولاده، ليُبقي ليبيا وشعبها محتلين احتلالاً داخلياً.
ابنة القذافي الوحيدة، عائشة، تطوعت، كمحامية، للدفاع عن صدام حسين بعد خلعه عن عرش العراق والعثور عليه في حفرة، ومحاكمته في بغداد. وشارك عائشة القذافي في دفاعها هذا، محامون لبنانيون صداميون وقذافيون.
لكن فضائل جماهيرية العقيد القذافي على لبنان تعود الى عشايا الحروب الاهلية الملبننة، حينما موّل، طوال أكثر من عقد من السنين، صحافة “الحركة الوطنية اللبنانية” المقاتلة، وفي طليعتها إحدى كبريات الصحف العروبية، الناصرية والفلسطينية الهوى، قبل أن تنقل هواها الى الخمينية والعروبة السورية.
شرق ليبيا وغربها
منذ 17 شباط الماضي تفرغ العقيد وأولاده وكتائبهم، لإعادة احتلال مدن الساحل الليبي، التي انتفضت للخروج من السجن القذافي. استطاعت الكتائب القذافية الدموية شطر ليبيا شطرين، ووضعتها على شفير حرب أهلية تستعيد الولاءات والانقسامات القبلية والجهوية، التي حاولت التظاهرات الخروج عليها والخلاص منها. فبرغم انطلاق التظاهرات الاحتجاجية، الشبابية والشعبية، من مدينة بنغازي في وسط الساحل الشرقي، فإنها امتدت الى المدن الشرقية الاخرى، البريقة وأجدابيا والمرج والبيضاء ودرنة، وصولاً الى ميناء طبرق النفطي القريب من الحدود المصرية في اقصى الشرق الليبي. لكن الاحتجاجات لم تقتصر على هذه المدن الشرقية التي تختلف في تاريخها عن المدن الساحلية الغربية، مصراتة وطرابلس العاصمة والزاوية التي انتقلت إليها الاحتجاجات والتظاهرات. ورغم تركز قوة العقيد وكتائبه العسكرية في مدن الساحل الغربي هذه، استطاع المحتجون في مصراته والزاوية الصمود في وجه كتائب القتل القذافية التي جمعت قواتها في طرابلس العاصمة واستطاعت إهماد الاحتجاجات فيها، وحولتها قاعدة للهجوم العسكري على المدن الاخرى. وبما أن الهاجس الأمني لدى العقيد حمله على إضعاف الجيش النظامي الوطني وتفكيكه وتهميشه، لصالح الكتائب الامنية الخاصة، فإن المجابهة العسكرية الدموية التي اعتمدها القذافي ضد المحتجين، استطاعت أن تحول الاحتجاجات مجابهات عسكرية متنقلة، وتفرغها من أشكالها المدنية والسلمية. فمن العاصمة طرابلس انطلقت الكتائب القذافية الى حصار المحتجين في الزاوية ومصراتة، وقصف المدينتين بمدافع الدبابات والطائرات، تمهيداً لاستعادة السيطرة على الساحل الغربي كله، وصولاً الى معقل القذافي القبلي والعسكري في مدينة سرت في وسط الساحل، والمتصلة بمعقله الآخر، مدينة سبها في الوسط الصحراوي، وامتداداً الى الجنوب مورد مرتزقته من البلاد الإفريقية الداخلية. وهذا ما حمل الحركة الاحتجاجية في مدن الساحل الشرقي وعاصمته بنغازي، على حمل السلاح للدفاع عن نفسها، محاولة التقدم نحو مدينة سرت، مروراً برأس لانوف وبن جواد.
عامل آخر تدخل في خارطة المجابهات العسكرية، هو حقول النفط وموانئه الساحلية. فآبار النفط الليبي وموانئ تصديره، تنتشر في دائرة داخلية من المنطقة الشرقية، مفتوحة على الطرف الشرقي من خليج سرت، حيث الموانئ النفطية الكبرى في رأس لانوف والبريقة وأجدابيا التي سيطر عليها المحتجون، اضافة الى ميناء طبرق في أقصى الشرق. وهذا ما حمل القذافي على تشديد هجمات كتائبه على هذه المدن، براً على بن جواد ورأس لانوف، وجواً على البريقة وأجدابيا، في محاولة للسيطرة عليها ووصلها بقاعدته العسكرية في مدينة سرت. والى هذا العامل النفطي، هناك عامل آخر رسم جغرافية المجابهات الحربية بين الطرفين، وهو اختلاف التاريخ الاجتماعي والسياسي بين شرق ليبيا وغربها، والذي يرقى الى ما قبل نشأة الدولة الليبية الملكية السنوسية.
بنغازي وطرابلس
قبل الانقلاب العسكري الذي قاده العقيد القذافي العام 1969، كانت الحركة السنوسية الاسلامية والصوفية المقاتلة، هي التي تتصدر التاريخ الاجتماعي والسياسي في ليبيا، وهي التي استطاعت توحيد قبائلها ومدنها ومناطقها الشاسعة المنقسمة بين شرق عاصمته بنغازي، وغرب عاصمته طرابلس.
ففي خضم الحرب العالمية الثانية بدأت تنشأ ليبيا الدولة الملكية الموحدة، وتحررت من الاستعمار الايطالي في رعاية بريطانية وأممية، فاعتلى عرشها الملك إدريس السنوسي الذي انقلب عليه العقيد القذافي. الحركة السنوسية التي ينتسب اليها الملك، تحدرت من قبائل عربية على المذهب المالكي، ونشأت دعوتها الزهدية في مدن ليبيا الشرقية، البيضاء مهد الحركة، ودرنة وبنغازي. ومن هذه المدن انتشرت الدعوة نحو مدن الغرب الليبي الساحلية. وتعود نشأة الحركة السنوسية الى نهايات القرن التاسع عشر، مع بدايات تفكك الامبراطورية العثمانية، منذ احتلال نابليون بونابرت مصر (1798)، واستعمار الفرنسيين الجزائر (1830). وفي دعوتها الاسلامية الزهدية المقاتلة، تشبه الحركة السنوسية الحركة المهدية في السودان، والحركة الوهابية التي أسست المملكة السعودية.
الباحث الفرنسي لويس مارتينيز، المتخصص في الشؤون الليبية والجزائرية، في مقابلة معه (صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية، 22 شباط الماضي)، أشار الى أن البريطانيين استعملوا رجال الحركة السنوسية الاقوياء، لمقاومة القوات الايطالية والالمانية في الحرب العالمية الثانية. إدريس السنوسي جعل عاصمته في البيضاء، أما القذافي فنقل العاصمة الى طرابلس الغرب. لكن قبائل الشرق الليبي الملكية، لم تقر بسلطة القذافي، فسكتت على مضض، حيال الحلف القبلي الجديد الذي اقامه العقيد وقبيلته في سرت، واستبعد قبائل الشرق ومدنه وحرمها من عائدات النفط ومن الانخراط في أجهزة الدولة. لذا انتشر المعارضون الليبيون لنظام القذافي في ثمانينات القرن العشرين، في مصر والسودان والتشاد، حيث عملوا واقاموا مهاجرين ومهجرين وهاربين من القمع الدموي. وحين اتبع القذافي سياسة إفريقية رمت الى إقامة حلف مع أنظمة إفريقية صديقة لقاء قيامها بطرد المعارضين الليبيين، لجأ هؤلاء الى بريطانيا وسويسرا والولايات المتحدة.
أما العوامل والدوافع الاجتماعية التي تجعل الحركة الاحتجاجية الليبية البادئة في 17 شباط الماضي، شبيهة بنظيرتيها التونسية والمصرية، فتظهر جلية في تزايد عدد السكان وهرم الاعمار في ليبيا القذافية. فبعدما كان عدد سكان ليبيا 1,3 مليون نسمة في العام 1960، صار عددهم 7 ملايين نسمة في العام 2010، يقيم 90 في المئة منهم في المدن الساحلية، وخصوصاً في طرابلس وبنغازي، بعدما كان ربعهم فقط ينزل في هذه المدن العام 1970. ثم إن 50 في المئة من السكان اليوم هم من فئة الشبان ما دون العشرين من العمر. وكثيرون من هؤلاء يحملون شهادات جامعية وعاطلون عن العمل، في ظل اقتصاد ريعي يعتمد في 90 في المئة من عائداته على النفط والغاز.
الباحثة الفرنسية ميراي دوتيل كتبت (“لوبوان” الباريسية، 24 شباط الماضي، وترجمت منال نحاس في “الحياة” مقالتها في 2 آذار الجاري)، ان “بنغازي مدينة مصرية اكثر منها ليبية. فلسان ابنائها اقرب الى اللهجة المصرية، واكثر من 25 في المئة من الزوجات فيها مصريات. والمدينة لم تخضع يوما لهيمنة طرابلس الغرب ولقبضة القذافي. ومستوى التعليم في بنغازي أعلى منه في طرابلس. فقبل اكثر من عقد من السنين التحق عدد كبير من شبان المدينة الشرقية بالجامعات المصرية لدراسة الحقوق في القاهرة والطب في الاسكندرية، ولدى عودتهم الى مدينتهم وبلدهم، كانت البطالة في انتظارهم”، اضافة الى التهميش والقمع والتسلط الامني.
السنوسية والقذافية
“مرابط” لبناني “تائب” من منظمة “المرابطون” العسكرية البيروتية، وعمل في مطالع السبعينات في السفارة الليبية في بيروت، وهرب امنياً في مطلع التسعينات الى ليبيا، فأقام فيها خمس سنين، بعد تصفية “المرابطون” – يروي ان الموجة العروبية الناصرية العارمة، حملت جنوداً وضباطاً كثيرين من ابناء مقاتلي الحركة السنوسية ما قبل استقلال ليبيا، على موالاة العقيد القذافي في انقلابه على الملكية. وكان ضباط سنوسيون الى جانب العقيد، ومن مقدميه، في الانقلاب، قبل ان يستبعدهم ويقصيهم ويصفّي بعضهم في العام 1977، ليقدم منه ابناء قبيلته، ويجعلهم ركيزة تسلّطه وكتائبه العسكرية، بعد تفكيكه الجيش الليبي النظامي، تمهيداً لانشاء “جماهيريته” و”لجانه الثورية”. وهذا يذكر بما اقدمت عليه ما تسمى “الحركة التصحيحية” في سوريا العام 1970، وبما اقدم عليه صدام حسين في العراق البعثي في التاريخ نفسه تقريباً.
الاجيال الجديدة من ابناء المدن الشرقية الليبية في بنغازي ودرنة والبيضاء وغيرها، انكفأت على حياتها المحلية، بعد اقصاء آبائهم من الجيش الليبي، وتهميشهم وتهميش مناطقهم ومدنهم، وتصدّر القذاذفة وحلفهم القبلي الجديد في سرت والعاصمة طرابلس. استمر هذا الانكفاء والاقصاء حتى بروز منظمة “القاعدة” وجهادها الافغاني في النصف الثاني من الثمانينات، فهاجر شبان من درنة والبيضاء وبنغازي هجرتهم الجهادية الى افغانستان هاربين من البطالة والعسف القذافيين، وعادوا من أفغانستان الى ديارهم “افغاناً عرباً ليبيين”، فتلقّفتهم الاجهزة الامنية القذافية وزجتهم في السجون ما بين العام 1990 والعام 1992. وحين تمردوا العام 1996 في سجن ابو سليم، قتل الجهاز الامني القذافي 1200 سجين منهم في مذبحة شهيرة، عرفت باسم السجن المذكور. جيل اسلامي من ابناء قتلى السجن، توجه الى الجهاد في العراق بعد سقوط صدام حسين العام 2003. ووفقاً للاحصاءات الاميركية عن “القاعدة” في العراق، كان نصف مقاتليها البالغ عددهم حوالى 6500 مقاتل، وافدين من مدينة درنة الليبية، حوالي 1300 منهم نفذوا عمليات انتحارية في العراق، وكانت المخابرات القذافية والسورية تسهّل انتقالهم من ليبيا الى بلاد الرافدين.
بعد الانقلاب العسكري القذافي الاول العام 1969، يقدّر عدد المحاولات الانقلابية العسكرية بعشرين، وهذا ما حمل القذافي على تهميش الجيش النظامي وتفكيكه. واحدة من المحاولات الانقلابية تورطت فيها العام 1993 قبيلة الروافلة الحليفة للقذافي وقبيلته، فأعدم العقيد المئات من ابناء القبيلة المتورطة. وهذا ما حمل احد زعماء القبيلة، أكرم الروافلي، على دعم حركة الاحتجاج الليبية الاخيرة، فأعلن من على الشاشات التلفزيونية ان “الأخ معمر القذافي لم يعد اخاً، ونقول له: ارحل من البلاد”.
شبان المدن الليبية الشرقية المشاركون في حركة الاحتجاج الاخيرة، من جيل قُتل بعض اقاربه في سجن ابو سليم. المحامي فتحي تربل (39 سنة) الذي شكّل اعتقاله في مدينته بنغازي فتيل اشتعال الحركة الاحتجاجية، روى (“النهار” 28 شباط الماضي) ان “نقطة التحول” في حياته، تعود الى تسلمه واحداً من ملفات قتل السجناء، بينهم شقيقه وابن عمه وزوج شقيقته. في 3 ساعات اعدم السجناء الـ1200، وحاول نظام القذافي طمس الجريمة. ومنذ تسلمه الملف اعتقل تربل سبع مرات، كانت الاخيرة في 15 شباط الماضي، حينما دهم حوالى 20 من رجال الامن منزله، فانتشر الخبر بين عائلات الضحايا وبادر ابناؤها الى التظاهر احتجاجا، بعد ايام من تنحي الرئيس المصري حسني مبارك.
الباحثة الفرنسية ميراي دوتيل، ذكرت ان مجزرة السجناء بقيت طي الكتمان حتى العام 2006. وبين القتلى، الى الاسلاميين، ليبراليون وناصريون سابقون وديموقراطيون. اما صلة الاسلاميين باحتجاجات 17 شباط الماضي، فبالغة الضعف في المدن الشرقية الساحلية. وروى الصحافي الايطالي بيترو دل ري (“لارببليكا”، ترجمة منال نحاس، “الحياة” 24 شباط الماضي)، ان استاذ الاقتصاد ادريس الشريف، كان دليله في بنغازي، فقاده الى مركز الشرطة وسط الدخان والانقاض، وادخله غرفة بلا نوافذ في وسطها كرسي تشبه كرسيا في عيادة لطب الاسنان. وروى الشريف ان اعترافات المعارضين في عهد القذافي، كانت تُنتزع منهم على هذه الكرسي، فاذا امتنع احدهم عن الكلام، كانت تقطع اصبعه، او يجدع انفه، او تقطع اذناه، او اجزاء من اعضائه التناسلية.
تجارة العبيد والمرتزقة
“المرابط” البيروتي “التائب” والهارب الى ليبيا والعائد منها العام 1995، روى ان مصادر مرتزقة القذافي وسكك استقدامهم واساليب تجنيدهم، تعود جذورها الى تجارة العبيد الافريقية القديمة التي كانت وجهتها اوروبا واميركا، ويمر طريقها البري في وسط ليبيا من جنوبها الى شمالها، وظل ميناء بنغازي الميناء الاساسي لتصدير العبيد بحراً، حتى العام 1920، حينما حظّرت المواثيق الدولية هذه التجارة التي كانت تحترفها القبائل الليبية. قبيلة القذاذفة في مناطق ليبيا الوسطى، حيث كانت تمر طريق قوافل التجارة الصحراوية ونقل العبيد من الداخل الافريقي الى ميناء بنغازي، كان لها دور اساسي في الحماية والوساطة والنقل، حيث يرعى ابناء القبيلة إبلهم ومواشيهم، حاملين بنادقهم الحربية. وتعود علاقة بنغازي الحميمة بمصر الى الدور القديم لمينائها كصلة وصل تجارية بين مصر ووسط افريقيا. بعد توقف تجارة القوافل وحظر تجارة العبيد، انخرط القذاذفة البدو في الجيش الليبي. واذ تصدّر عقيد منهم الانقلاب العسكري، جعلهم ركن كتائبه الامنية والعسكرية الخاصة، وقلب جهاز “حرس القائد”.
مع ازدهار الهجرات الافريقية غير الشرعية الى اوروبا، تصدّر القذاذفة واجهزة القائد الامنية دور الوسطاء في هذه الهجرات من قلب افريقيا ودولها الوسطى الى الموانىء الليبية، فموانئ فرنسا وايطاليا واليونان، لقاء مبالغ مالية يتقاضونها من الراغبين في الهجرة. وكلما ألقت اجهزة الامن في دولة اوروبية القبض على افارقة قدموا اليها في هجرات غير شرعية من طريق ليبيا، تقوم سلطات هذه الدولة باعادة المهاجرين الى الموانئ الليبية. وبدل ان تعيد الاجهزة الأمنية القذافية هؤلاء الافارقة الى ديارهم، اخذت تغريهم بالمال وتجنّدهم كمرتزقة في كتائب عسكرية خاصة. والعبارة الشائعة على لسان القذافي وألسنة ابنائه، الساعدي وخميس وهنيبعل وسيف الاسلام وسواهم، لاقناع الافارقة التائهين الخائفين، بأن يصيروا “عبيداً” في كتائبهم، هي: “تهاجر الى الغرب؟ تخدم الكفار؟! اخدم افريقيا”. الراتب الشهري للمرتزق “العتريس”، اي القبضاي، هو 1400 دولار و800 دولار للعادي. ثم طوّر القذافي وأولاده كتائب المرتزقة، فأخذوا يستوردون رجالها مباشرة من تشاد وبوركينا فاسو والنيجر والسنغال وسييراليون ونيجيريا وموريتانيا وبنين، ومن الطوارق في جنوب الجزائر، فصار العقيد حقا “ملك ملوك افريقيا”، بعدما اقام لكتائب مرتزقته معسكرات ومساكن في جنوب المنطقة الوسطى من ليبيا، كي يتسنى لهم الذهاب الى ديارهم في اجازات، يعودون منها الى معسكراتهم ومهماتهم العسكرية. ونقلت “النهار” في 14 آذار الجاري، عن وكالات انباء عالمية، ان سجل القذافي منذ مطالع التسعينات، حافل في تجنيد المرتزقة وتمويلهم لزعزعة الاستقرار في دول افريقية كثيرة، منها التشاد ومالي والنيجر وسييراليون، قبل ان يدعم الرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلور الذي يحاكم حاليا بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في بلاده.
قادة عسكريون في الجيش الليبي النظامي الذي عطّله القذافي منذ العام 1975، رووا لأحمد رحيم، مراسل “الحياة” (6 آذار الجاري) في بنغازي، ان كتائب المرتزقة القذافية، وعددها 12 كتيبة، هي التي تقوم وحدها بشن الهجمات على المحتجين في المدن الليبية. اما الجيش النظامي الذي التحق معظمه بالثورة فمضت أعوام كثيرة على تحويله مجموعة ضباط لا يحملون سوى رتب عسكرية عليا، من دون ان تكون في امرتهم وحدات عسكرية من رتب متوسطة تشكل العمود الفقري لأي جيش. فالقذافي، وفقاً للمقدم في سلاح الدفاع الجوي الليبي، مفتاح مؤمن موسى، “دمر الجيش الوطني، وتركه بلا سلاح وبلا وحدات مدربة ولا آليات حديثة”. لذا اختلفت الثورة الليبية عن سابقتيها التونسية والمصرية، حيث قامت المؤسسة العسكرية النظامية في كل من تونس ومصر، بالتضحية برأس النظام، فعزلته، بعدما استنفدت المؤسسة الامنية البوليسية وسائلها في قمع المحتجين وارهابهم، قبل انهيارها. اما في ليبيا القذافية فلا احد يمتلك تعريفاً واضحاً للمؤسسة العسكرية وللنظام الحاكم الذي تحرسه كتائب المرتزقة. اقوى هذه الكتائب هو “الجحفل 82” الذي يتلقى اوامره من خميس القذافي، ويضم سلاحاً جوياً ومدرعات وكتائب دبابات ومشاة. قواعد الكتائب القذافية ومقارها في مناطق تعتبر موالية، مثل سرت وفزان ومعيتيقة قرب طرابلس. وفي مقر كل كتيبة اقام العقيد واولاده منازل خاصة بهم، فهم لا يأمنون على انفسهم الا في احضان مرتزقتهم. واذا لم يكفِ عدد الطيارين القذاذفة، يشتري العقيد طيارين اجانب.
ختاماً، لا بد من التساؤل: مَنْ اخطر ارهاباً على العالم، ومن أقوى في ارادة الشر الشيطانية، ليبيا القذافية ام “قاعدة” اسامة بن لادن للجهاد العالمي؟!
أيهما أخطر على العالم: “الأخ” معمّر أم أسامة بن لادن؟
رد مخابراتي قائم على التجهيل و التجاهل.ولن ينفعه توسط YOWREI MUESVEVI
غريبة كيف تتحرك إسرائيل من خلال أصدقائها لدعم “أمين القومية العربية” سابقا وملك ملوك افريقيالاحقا ..
غريبة كيف يدعون الان الى مؤتمر في اديس ابابا لدعم صاحب” اللحليح”.
في مجلة الفورن افييرز ، كان لي تعليقا مطولا كعادتي على خليفة عيدي أمين!!!
أيهما أخطر على العالم: “الأخ” معمّر أم أسامة بن لادن؟
لا اعرف مالمقصود بالسؤال ولاكن كلا الشخصين دكتاتوريين ذاقوا ابناء جلدتهم الامرين منهما اولا قبل ان ينشرا بؤسهما حول العالم ولاكن من اوجدهما وسمح لهما بالوصول الى ماوصلا اليه .اعتقد ان العرب عرق مشهور بانجاب الفاسدين والقساة وبشكل او اخر قفزوا على السلطة سواء دول او جماعات لماذا؟؟
أيهما أخطر على العالم: “الأخ” معمّر أم أسامة بن لادن؟ لم اكمل المقال لأن من الاسطر الاولي واضح ان الكاتب لا يفهم في الشأن الليبي و يهرف بما لا يعرف. انا عمري 49 سنة اول مرة اعرف ان في ليبيا جبل اسمه جبل طرابلس !!! و اول مرة اعرف انه يوجد منطقة اسمها افريقيا الشمالية !!! فالكاتب لا يفرق بين شمال افريقيا كرقعة جغرافية معروفة لها كيانها العرقي و الاجتماعي و السياسي و بين شمال افريقيا التي لم يسمع بها احد من قبل !! و لا اعرف كيف حكم علي الجبل الاخصر باته صغير و هو يغطي كل 80% من… قراءة المزيد ..