يوم الجمعة هو يوم عطلتنا الأسبوعية، التي تبدأ بعد أداء صلاة الجمعة في حرم السيدة “المعصومة”.
والمعصومة هي فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم سابع أئمة الشيعة الإثني عشرية، وشقيقة الإمام علي الرضا ثامنهم. ومثواها في “قم” قبلة المسلمين الشيعة، يقصدونه من كل جهات الأرض. كانت حوزتنا، وباقي الحوزات والمعاهد العلمية والمساجد تشكل امتداداً لحرم “المعصومة” الذي يتوسط قلب “المدينة المقدسة”.
فإلى شمال الحَرَم، ينتصب أشهر مساجد المدينة، “المسجد الأعظم”، وهو معهد للدراسات الحوزوية العليا. بمحاذاته، مسجد “بالاسر” التاريخي. كما يتصل بالحَرَم عدد من المساجد الصغيرة من الجهة الغربية، ويفترش جهته الجنوبية ما يعرف بـ”الصحن الكبير”، وهو باحة عظيمة بها أربعة أبواب عملاقة تفضي إلى داخل الحَرَم هي: باب الكبير، القبلة، طبطبائي والجمهورية. ومن جهة الغرب تتصل به أهم الحوزات في إيران، “الفيضية”، التي بُنيت في العهد الصفوي، وشهدت زمن الشاه مواجهات دموية، ومنها انطلقت شرارة الثورة الإسلامية (عام 1963) لتنصب رجال الدين فيما بعد أولياء على الشعب الإيراني.
على مبعدة من المدرسة “الفيضية” حوزة علمية أخرى يطلق عليها “الحُجَّتية”، وهي مخصصة للطلاب غير الإيرانيين. وكان محظورا على الأجانب الإلتحاق بـ”الفيضية”، وقد أتاحت لهم الحكومة الإيرانية فرصة التزود بالعلوم الإسلامية في حوزة “الحجتية”، تماما كالجامعات المتدنية المستوى التي أمنتها روسيا الشيوعية لطلاب العالم الثالث.
كنا نتوضأ قبل خروجنا إلى صلاة الجمعة، وتقف “الأخت الكبيرة”على بوابة “الحوزة” تمارس دور شرطي الآداب: تتفحص أيدينا وأقدامنا وثيابنا، وتوصينا أن نجذب أحد طرفي عباءتنا من الداخل لنغطي وجوهنا، بحيث لا يظهر منها سوى أعيننا. الأخت “فريبا” كانت تملك عينين ساحرتين وأنفا طويلا محدبا. تأمرها “الأخت الكبيرة” أن تكشفه لتستر بقبحه جمال عينيها! جمال المرأة في المجتمعات الدينية المتزمتة خطيئة، وصوتها عورة وجسدها فتنة متنقلة. لذا قيّدوها بالحجاب، وجعلوه شرنقة تطوّقها وتمنعها من استكمال دورة حياتها الطبيعية، فلا تتحول إلى فراشة تجوب بجناحيها الآفاق.
والحجاب الإسلامي في “قم” هو العباءة السوداء فقط. يوجد نساء أخريات في المدينة يرتدين عباءات ملونة، شبيهة بالساري الهندي، توضع على الرأس وتلتف تحت الإبطين، هي بقايا زي تراثي لنساء الأرياف. بعد الثورة، أصبحت الغلبة للأسود. والأسود في “قم” هو لون التعصب ولون القهر ولون الفقر أحيانا. ألوان تشكل مجتمعة صفات المدينة. كانت “الأخوات” يطلقن على صاحبات العباءات الملونة “دهاتي” أي ريفيات ويعتبرنهن سافرات. بينما يطلقن على صاحبات العباءات السود “حزب اللهي”، وهن المحجبات الحقيقيات.
ننطلق من “الحوزة” إلى الصلاة، صفّاً صامتاً خلف “المرشدة”.
الناس هنا لا يحبون الكلام، نادرو الإبتسام، لا يتبادلون التحايا.
وإذا صادفنا رجلا أثناء مسيرنا، علينا أن نتوقف وندير وجوهنا مطأطئات باتجاه حائط الزقاق. نترك وراءنا سلسلة من الكهوف الطينية المتشابهة، و نخرج من جحيم الأزقة اللولبية إلى رحابة البازار. هنا يتبدل مشهد المدينة قليلا، تتسع الشوارع، وتتزين ببضعة أشجار متباعدة، تتنقل بينها طيور مغبشة، ثقيلة الحركة، وتزدحم بالعابرين: معممون وعباءات سوداء وأطفال حليقو الرؤوس، يزحفون بكل الإتجاهات.
الأبنية واجهاتها من حجر الآجر الداكن، يسمونه “الطوب”. في طرف المدينة مجرى عميق لنهر شتوي يجف صيفا، ويتحول إلى مكب للردميات والأوساخ ومرتعا للحشرات والروائح، تمتد فوقه جسور متآكلة الحواف,ينفتح من الطرف الآخر على صحراء واسعة تنتصب في أفقها جبال مسننة يميل لونها إلى الإحمرار. من هناك تهب نسمات جافة تحمل الكثير من الرمال نهاراً، وفي الليل تلسع المدينة بموجات من الصقيع الجليدي. لتقلّبات المناخ الصحراوي أثر واضح في تكوين أمزجة أهل المدينة وطباعهم,وفي جفاف العلاقات بينهم وبرودة الإنفعالات!
ننعطف بعدها باتجاه الحَرَم. هناك نلتحق بجموع المصلين الذين يضيق بهم الصحن والباحات. بعد الصلاة، يبدأ التدافع للدخول إلى “الضريح المقدس”، ملاذ المؤمنين وملجأهم ساعة الأتراح و الشدائد، يتمسّح الزوار ببواباته، يقبّلون أعمدته ويستعطفون حجارته، متوسلين الفرج والإستجابة. الداخلون إلى “الضريح” غالبا ما كانوا يفقدون أحذيتهم التي يتركونها في الصناديق الخشبية عند الباب الكبير، إذ تمتد إليها أيدي سارقي الأحذية، يتصيدون الجيد منها ويتاجرون بها! أطفال فقراء يأتون من الأرياف البعيدة, يقنصون أحذية الزوّار ويبيعونها بأسعار زهيدة لفقراء مثلهم، ويبقون حفاة. في الداخل عراك وتدافع، ونساء يحملن قطعا من الثياب يمرّغنها بجنبات القفص. يمرّ الوقت وهن يقبّلن الحدائد ويبكين ويتمتمن بكلمات غير مفهومة.
في طريق العودة، مررنا على “المسجد الأعظم” الذي بناه آية الله البروجردي، وهو يحوي حوزة علمية يقدّم فيها طلاب العلوم الدينية “بحث الخارج” بعد إتمامهم مرحلتي “المقدمات”والسطوح” وما يتبعها من دراسات وبحوث فقهية شاقة.
تجولنا في المكان، قرأنا الفاتحة على ضريح آية الله البروجردي، وتحلقنا حول مرشدتنا في نهاية مطافنا في المسجد. تغرينا بصوت حاولت أن يكون أمومياً، أنه بإمكان أي واحدة منا أن تتشرف بمناقشة “بحث الخارج” في هذا المكان المقدس على يد أكبر آيات الله في العالم الإسلامي إذا ما أتمت دراساتها الإبتدائية في العلوم الدينية. لتنضم بذلك إلى كوكبة “المجتهدات” التي بدأت تتنامى في إيران، وتصبح “عالمة دين” يمكنها إصدار فتاويها لنفسها.
الباعة في “البازار” لا ينادون على بضاعتهم، ولا يستوقفون المارة لتسويقها. يقبعون داخل دكاكينهم الضيقة، كمساجين في زنزانات متجاورة. النساء يفاصلنَ الباعة وكل منهم ينظر باتجاه معاكس للآخر، كي لا تلتقي العيون وتشتعل ربما النظرات.
تدخل إمرأة إلى محل لبيع “السوهان” وهو الحلوى الشهيرة في “قم” المصنوعة من عجين الفستق و الزبدة، طعمها الحاد لا يبدد مذاقها اللذيذ. تلبس عباءتها السوداء لجهة “المخيط” وتخرج على الفور، فيطردنا البائع، ويغلق باب دكانه على عجل، ويلحق بها ويغيبان في زحمة السوق والمتسوقين.
عادة ما ترتدي “الأرامل” في المدينة المقدسة عباءاتهن “بالمقلوب” كإشارة شبه سرية إلى رغبتهن في إجراء عقد “المتعة”!
عطلة الجمعة تنتهي بتلاوة القرآن. فنؤوب خاشعات إلى المصلى، وتلتئم حلقة “التجويد” بدخول “الأخت الكبيرة”.
كنت أهم بالنهوض عن مصليتي حين أعلمتني الأخت “أقدس” أن الليلة دوري في “التلاوة” وغمزت بطرفها “الأخت الكبيرة”، فلم أفطن إذا كان ما بينهما رهان أم مؤامرة. تربعت قبالة الحاضرات ووضعت “المصحف” أمامي، ورحت أتلو عليهن سورة “يس”. كان جدي لأبي يجمعنا أخوتي وأنا وبعض أترابنا،عصر كل يوم، على سطح داره، نرتّل خلفه السور القصار. وحين بلغت الثامنة، كنت أحفظ جزء “عم” بأكمله عن ظهر قلب وبعض السور الطوال، من بينها سورة “يس”. انتهيت من إمتحان التلاوة. لم أسمع نقدا كما لم أسمع عبارة استحسان. نهضت “الأخت الكبيرة” وتبعتها الأخوات. كانت تردد بصوت مسموع: “دين هذه اللبنانية دلال”. صباحا نصحتني في الغرفة الفسيحة بالإلتحاق بدروس السلوكيات الإسلامية التي تعقد في غرفة “السطوح”.
لملمت أطراف عباءتي، وتوجهت إلى حيث تُهذَّب الأخلاق. “الشيخ” الذي يتكلم إلى الحائط كان يتحدث عن “رقابة”غيبية على نوايانا وسلوكياتنا، وملكين شهيدين يجلسان على كتفي كل واحدة منا يكتبان كل ما يصدر عنها من كلام وتصرفات، وينصحنا أن نمارس رقابة على ذواتنا ونحاسبها، كي لا نكرر أخطاءنا فتتراكم وتثقل موازيننا يوم الحساب.”الشيخ” نسي أن يضيف شباك “الغرفة الفسيحة” وعيون “المرشدات” و ألسنة بعض “الأخوات” في الحوزة، ورجال الأمن ودوريات الإنضباط في”كشت ثار الله”، التي تجوب الشوارع في الخارج، إلى لائحة المراقبين!
يتبع…
يوميات فتاة لبنانية في “الحوزة العلمية” في “قُم” (1)
http://www.metransparent.net/spip.php?page=article&id_article=13366&lang=ar
يوميات فتاة لبنانية في “الحوزة العلمية” في “قُم” (2)
أن هذه الثلاث مقالات تلفيق وافتراء وكذب لتشيه صورة الاسلام والمسلمين. هذه المقالات مدفوع ثمن تاليفها من ال 500 مليون دولار التي دفعها الصهيوني فيلتمان لتشويه صورة الحزب
يوميات فتاة لبنانية في “الحوزة العلمية” في “قُم” (2) إن سماحة السيد علي الخامنئي تاج على رأس كل من شهد أن لا إله إلا الله و أنّ محمداً رسول الله في هذا الزمان . ثم إنّ ما روته أختنا ليس دقيقاً و إن قاموا بهكذا عمل إنّما قاموا به للحفاظ على الأمانات التي أرسلت إليهم من شتى أقطار العالم و أما إرتداء العباءة مقلوبة من المؤكد أنّها ليست كما ذكرت الأخت بتاتاً لأن عقد الزواج الكنقطع هناك مراقب من قبل الدولة يعني ينفذ في المحاكم الشرعية لأنه كالزواج الدائم يحتاج إلى عرض و قبول فجميل جدا أن لانرمي حجراً في… قراءة المزيد ..
يوميات فتاة لبنانية في “الحوزة العلمية” في “قُم” (2)
ممكن حدا يشلحنا قصة العباية عالمقلوب أنا شوي فهمي ثقيل وعلى قدي؟؟!!
وياريت كمان حدا يوضح لنا ماهي العلامات الأخرى السرية وشبه السرية الخ.
وشكرا
يوميات فتاة لبنانية في “الحوزة العلمية” في “قُم” (2)
كانت ولازالت السيطرة على الناس بإسم الدين والمقدس من انجع ادوات الطغاة والمستبدين ولن يحدث تطور في صالح الانسان مهما فعل طالما يقتات على الدين ويدخله في كل شأن من شؤون الحياة.
يوميات فتاة لبنانية في “الحوزة العلمية” في “قُم” (2) والله يا أستاذ “علي” قصة هذه الفتاة اللبنانية في إيران مثل القصص الكنيسة المسيحية التي كانت تحصل منذ 800 سنة في أوروبا فهي كانت السلطة العليا فكانوا الرهبان والبطاركة من الأغنياء ، كانوا يتدخلون في أمور الناس وتتحكم بهم وبفرض الضرائب على الشعب الأوروبي خصوصاً على الفقراء والمساكين تحت إسم الله والدين ليس هذا فقط ، الذي كان يعارضهم بالفكر والرأي كانت تحكم عليه الكنيسة بالإعدام أو الحرق من أمثال القديسة ” جان دارك ” والمستكشف ” ماركو بولو”الذي فرَّ من بطشهم لأنه عارضهم بالرأي . كانت الكنيسة تعتبر نفسها هي… قراءة المزيد ..