مرة أخرى: “الشفاف” ينشر هذه السلسلة من المقالات للعفيف الأخضر، بناءً على طلبه، لأنها تمثّل النقيض لموقف “الشفاف” من الثورات العربية الراهنة، كما قلنا في تقديم الموضوع السابق! ولأنها تمثّل وجهة نظر منتشرة في صفوف عدد من المثقّفين المتنوّرين، وقد عبّر عدد منهم عنها بالإمتناع عن الكتابة حول ما يحصل! أي أن وجهة نظر العفيف الأخضر تستحق الردّ والتساؤل (مثلاً، لماذا لا يشير العفيف في هذا “الرثاء الحزين” لنظامي تونس ومصر إلى نظام القذافي؟ وهل ينطبق على ليبيا ما يزعم العفيف أن نظامي تونس ومصر حقّقاه على صعيد قوانين الأحوال الشخصية، والتعليم، والإعلام؟
وإسئلة أخرى كثيرة..
“الشفاف”
*
قد تكون”الثور العربية” الزاحفة تدشيناً لمسلسل ثوري، تحمله ثورة الاتصالات وقانون المحاكاة الملازم لها، إلى بلدان وقارات أخرى. خوف الصين وروسيا وكوبا ودول إفريقيا جنوب الصحراء من محاكاة شبابهم لشبابنا مؤشر على هذه الإمكانية. هل يشير ذلك إلى أن شباب العولمة وفايس بوك بدأ يودع آخر أوهامه عن حكامه، مطالباً ليس بالتداول بين النخب، بل بالتداول بين الأجيال؟هل أصبح التناقض بين الأجيال بحدة التناقض بين الطبقات في القرن الـ 19 وبداية القرن الـ 20؟ يبدو ذلك. حقبة العولمة هي حقبة عولمة المشاكل وعولمة حلولها وعولمة فاعليها. المشاكل فعلاً معولمة وفعلاً لا حلول لها إلا إذا كانت معولمة. لكن دون ذلك شوك المصالح القومية الأنانية، أي المصالح غير المعرّفة تعريفاً صحيحاً.
كيف؟ حتى أواخر الستينات، كانت النخب السائدة تطارد المشاكل بالحلول. لماذا؟ لأن المشاكل كانت قومية وحلولها قومية وفاعلوها قوميين. تغيرت المعادلة في منتصف السبعينات بظهور ثورة الاتصالات والعولمة الحاملة لها. عندئذ لم تعد النخب القومية قادرة على حل مشاكلها الكبرى التي غدت أكثر فأكثر تتطلب حلولاً معولمة. فلجأت بدلاً من حل الأزمات إلى مجرد إدارتها ودائماً بسوء متزايد. التناقض الأساسي، والحامل لشتى المخاطر للنوع البشري، هو التناقض بين حضور عولمة المشاكل وغياب عولمة حلولها. وهكذا بقيت المعضلات الكبرى مثل تدهور البيئة، الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، انتشار السلاح النووي، الإرهاب العالمي، تجارة المخدرات، نزع فتيل قنبلة الإنفجار السكاني العالمية (75 مليون نسمة كل عام). . . مما يجعل جميع الكوارث ممكنة في أية لحظة؛ ستبقى هذه المشاكل دون حل حقيقي طالما الأنانيات القومية تقف عائقاً في وجه حلولها العالمية الضرورية والملحة. وهكذا بقيت الحلول معولمة بالقوة وليس بالفعل. لن تخرج من القوة إلى الفعل إلا عندما تعي نخب العالم ضرورة تضحية كل أمة بأنانيتها القومية على مذبح مصلحة جميع الأمم الأخرى بما فيها مصلحتها هي نفسها المفهومة فهماً صحيحاً، عندئذ لن تبقى المشاكل المعولمة كوابيس تؤرق البشرية. وهذا للأسف ليس غداً.
يبدو من شعارات الانتفاضة الثالثة (انظر مقالي“نداء إلى الحكام العرب: القرار هو الفرار”) كما لو أن شبابها أقاموا الحداد على تحرير فلسطين التاريخية مستبدلين له، لا شعورياً، بتحرير بلدانهم من “احتلال” حكامهم. يشهد على ذلك غياب الشعارات الروتينية ضد الإمبريالية والصهيونية وشياطين “المؤامرات” الخارجية. شعارات المنتفضين في تونس ومصر مجتمعيةsociétals ، اقتصادية، وسياسية ودنيوية وليست دينية. شذ عن القاعدة شباب قطر الذين تنادوا للتظاهر في الدوحة (16مارس) لمساءلة أمير البلاد عن سبب “وضع نفسه في خدمة إسرائيل”، وللتعبير له عن سخطهم عن “طمع الشيخة موزة ونهبها لثروات قطر، الذي حولته إلى وكر للرذيلة والفجور”، مطالبين له أخيراً بـ”غلق القاعدة الأمريكية في قطر وبقطع علاقاته بإسرائيل”… المفارقة هي أن شباب مصر لم يطالبوا بقطع العلاقات مع إسرائيل ولا بإلغاء سلام كامب ديفيد ولا رفعوا مطالب دينية أو أخلاقوية كإسلامي قطر المتخلفين كثيراً عن الركب!
تميزت الانتفاضة الحالية ببداية ظهور ذهنية جديدة؛ سابقاً كان الهتاف لزعيم منقذ وبشعارات موغلة في الهمجية: “يا صدام لا تهتم عندك رجال تشرب دم”!
أما في الانتفاضة الحالية التي صنعها الشباب المتعلم دونما حزب ثوري، سوى حزب فايس بوك، فتهتف لأفكار غائمة أحياناً، شأن أفكار الجموع التي يمليها اللاشعور، الذي يملي على الشعراء إلهامهم وعلى الأنبياء وحيهم. سأغامر بتفسيرها على مسؤوليتي: لا نريد بعد اليوم أن ُنحكم بمجتمع مغلق في تناقض مع المجتمع العالمي المعولم الذي جعلته ثورة الاتصالات بيتاً من زجاج؛ لا ُنريد بعد اليوم قضاءً غير مستقل يحكم بتقارير الشرطة بدلاً من القانون الوضعي العقلاني؛ لا ُنريد بعد اليوم إعلاماً رئيسا تحريره الرقيب والرقيب الذاتي؛ لا ُنريد بعد اليوم أن تجرحوا كرامتنا بمعاملتنا ككمٍّ مهمل، كحثالة لا حقوق لها ولا كرامة، لا ُنريد بعد اليوم أن ندفع رشوة عن كل خدمة بما فيها الدخول إلى المستشفى، لا نريد بعد اليوم أن نحيا بلا مستقبل: بلا عمل، بلا سكن وبلا أسرة؛ لا نريد بعد اليوم فوارق فاحشة بين الطبقات والجهات والطوائف والقبائل، لا نريد بعد اليوم الدخول إلى الوظائف بالوساطة بل بالشهادات والكفاءات، لا نريد بعد اليوم مجتمع المكانة statut والوجاهة والانتساب للأحزاب، والطوائف، أو القبائل التقليدي، بل نريد الانتقال إلى مجتمع الكفاءة mériteالحديث الوحيد الكفيل بتلبية مطالب تشغيل ملايين الخريجين؛ لا نريد بعد اليوم مجتمع الحرمان السائد بل مجتمعاً متساهلاً permissive لا يعتقلنا أو يجلدنا عقاباً على الغناء والرقص الجماعيين؛ لا نريد بعد اليوم العقد الاجتماعي الذي وقعه آباؤنا الذين تنازلوا لكم به عن حرياتهم مقابل الأمن والازدهار الاقتصادي أو شيئاً منهما؛ بل نريد منذ اليوم عقداً اجتماعياً جديداً يعطينا الأمن والازدهار وحقوقنا وحرياتنا التي كفلها لنا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ لا نريد بعد اليوم عدم تأمين الحق في الحياة لجميع الفقراء، 142 مليون نسمة (40%من السكان) يعيشون تحت عتبة الفقر، نريد منذ الآن الاعتراف بالأجر المقبول لكل الأجراء؛ لا نريد بعد اليوم سماع شعار الرأسمالية المتوحشة “اغتنوا” en richissez vous بكل الوسائل؛ لا نريد بعد اليوم نهب المال العام ولا الإثراء غير المشروع من مواقع السلطة…
خلفاؤكم سيكونون خيراً منكم إذا فهموا وتفهموا هذه الرسالة وترجموها إلى قوانين، إضافة إلى الاستمرار في تطوير إيجابياتكم، التي لا ينكرها إلا مصاب بالعناد العصابي obstination nèvrotique “عنزة ولو طارت”، وتفادي، أو على الأقل التقليل من سلبياتكم التي دفعتنا للإنتفاض عليكم وجعلت أوطاننا، دون قصد منا، تقف أمام المجهول: بوعد ما زال لا يلوح في الأفق ووعيد يبدو داهماً.
تكليف خلفائكم بتحقيق مطالب الشباب الغاضب هو من قبيل الطمع في تحقيق مطالب بعيدة المنال. تحقيق هذه المطالب فوق وسائل خلفائكم وخلفاء خلفائكم. بالإمكان تحقيقها تدريجياً إذا، وفقط إذا، توفرت ثلاثة شروط:
1ـ حل النزاع العربي الإسرائيلي للانتقال من الحرب على الأرض، إلى محاربة التلوث والأوبئة، والفقر، والأمية، ورداءة التعليم، والانفجار السكاني، وسوء صناعة القرار. . . الكفيلة جميعاً بشفاء الشباب العربي من الذّهان الهوسي الإكتئابي الجماعي، ومن الهذيان الديني الجماعي. على باراك أوباما، أحد صنّاع الانتفاضة، أن يعود إلى حماسه الأول لصنع السلام العربي الإسرائيلي كمدخل لمصالحة عربيةـ إسرائيلية شاملة تقطع الطريق على احتمال أن تفضي الانتفاضة إلى تحويل بلداننا إلى قاعدة للـ”القاعدة”.
2ـ إعداد مشروع مارشال دولي لتنمية الشرق الأوسط كله مرفوقاً بمشروع إقليمي ودولي لإصلاح الإسلام بدراسته وتدريسه بعلوم الأديان(انظر حديثي: إصلاح الإسلام بدراسته وتدريسه بعلوم الأديان)، ومشروع تربوي قائم على مناهج وطرق تدريس حديثة، ومدرسين أكفاء، وإصدار قوانين أحوال شخصية تستلهم مجلة الأحوال الشخصية التونسية والاتفاقية الدولية لمنع التمييز ضد المرأة، لكل بلد، لوضع نهاية لاضطهاد النساء الدائم في أرض الإسلام، وترجمة الاتفاقية الدولية لحماية الأقليات إلى قوانين قومية في كل بلد لوضع نهاية لانتهاك حقوق الأقليات في شرق أوسط هو فسيفساء من الأقليات وأخيراً تعويض القوانين القديمة الشرعية أو نصف الشرعية بقوانين وضعية عقلانية تحمي حقوق الفرد وحرياته.
3ـ المساعدة الإقليمية والدولية على إنجاح الانتفاضة الإيرانية المستمرة منذ العام 2009 في إيران عسى أن يسقط شبابُها أقصى اليمين الإسلامي الحاكم لصالح وسط اليسار الإسلامي [=الإصلاحيين والمحافظين المعتدلين].
تحقيق هذه الإمكانية سيكون انجازاً تاريخياً من نتائجه الممكنة تحالف وسط اليسار الشيعي الإيراني مع وسط اليمين السني التركي ومع مجموعات وسط اليمين ووسط اليسار السني والشيعي العربي لتهميش أقصى اليمين الإسلامي السني والشيعي العربي، الذي يشكل العائق الأول في وجه السلام العربي الإسرائيلي، وفي وجه مشروع مارشال دولي، وفي وجه إصلاح التعليم، وفي وجه إصلاح ديني سني ـ شيعي يقطع مع الشريعة ومع التسمّر القهري la fixation compulsive في القراءة الحرفية للنص، كما فعل الإسلام التركي، ليغدو ممكنا دمج العالم الإسلامي في العالم الذي نعيش فيه، لمقاسمته القيم المشتركة بلا تحفظات ولا عقد ولا شعور بالذنب. ظهور حكومات وسط اليمين ووسط اليسار الإسلامي، الملائمة للمزاج الشعبي الحالي، قد تلعب ذات الدور الذي لعبته حكومات الديمقراطية المسيحية في أوربا الغربية، غداة الحرب العالمية الثانية، في إعادة بناء بلدانها [=ألمانيا وايطاليا] ومصالحة المسيحية السياسية نهائياً مع الحداثة السياسية [=الديمقراطية وحقوق الإنسان] وتهيئة المناخ للتداول على الحكم، لاحقاً، بين وسط اليسار ووسط اليمين العلمانيين تارة ومع الأحزاب المسيحية الديمقراطية تارة أخرى مع المحافظة على ثابت أساسي هو استمرار أساسيات النظام العلماني الديمقراطي. هذا ـ في السيناريو المتفائل ـ ما قد تسفر عنه نهاية المسار الفاعل الذي دشنته الانتفاضة الثالثة بعد المرور، ربما، بالشوك والنار. شوك الفوضى ونار أقصى اليمين الإسلامي أو احتمالات أخرى لا تقل سوءاً.
فما هي ايجابياتكم وسلبياتكم التي أورثتموها أو ستورثونها لخلفائكم؟
الايجابية الأولى، في نظري، هي أنكم ـخاصة في مصر وتونس ـ أخرّتم وصول أقصى اليمين الإسلامي إلى الحكم لأكثر من عقدين حققتم فيهما، بدرجات متفاوتة، بدايات مشروع مجتمعي، العقلانية منطلقة والحداثة رائده؛ وكوّنتم بالتعليم والإعلام والتشريع، جيلاً واعياً بحقوقه الطبيعية المكفولة بالقانون الوضعي العقلاني، التي لا يستطيع أقصى اليمين الإسلامي انتهاكها دون عقاب من المجتمع المدني القومي والعالمي، الحارسين اليقظين لحقوق الإنسان من عدوان الشريعة وعدوان الدولة السلطوية. وباختصار، جعلتم إسلام المشروع الديني الظلامي الطالباني يأتي في ظروف داخلية وخارجية معادية، مما قد يعجل بانهيار مشروعه المجافي لروح العصر وظهور بديله الحديث. كما أدت فترة إقصاء أقصى اليمين الإسلامي عن المشهد السياسي إلى تحولات واعدة في صلبه هو نفسه بفضل العولمة وثورة الاتصالات، اللتين أوصلتا قيم الحداثة وأسلوب حياتها إلى زوايا وخبايا المجتمع العالمي، وعولمتا قيم المساواة في الحقوق والكرامة بين الرجل والمرأة، والمسلم وغير المسلم، ومنع التمييز ضد النساء وضرورة حماية حقوق الأقليات وحقوق الطفل. . .
رجال ونساء، وخاصة شباب أقصي اليمين الإسلامي، ليسوا مطعمّين ضد قيم الحداثة الإنسانية التي تسللت، بدرجة أو بأخرى، إلى صفوفهم؛ فحفزت ديناميك نقاش مثمر بينهم فظهرت الاتجاهات الوسطية وحتى الحداثية داخلهم، فأصبحوا يشعرون بالعار من مطلب تطبيق الشريعة، الذي كانوا يتباهون به في الثمانينات، حتى أن البعض من قادة أقصى اليمين الإسلامي السياسي، الأكثر انغلاقاً وصلابة ذهنية، بات يتخفى وراء أسماء مستعارة للدفاع عن العقوبات الشرعية ودونية المرأة واضطهاد الأقليات!
ظهور حزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي كان شبيهاً بصخرة هائلة ألقيت في مستنقع أقصى اليمين الإسلامي ما زالت دوائرها وآثارها تتفاعل داخلة وتهز استقراره السياسي ويقيناته الفقهية الراسخة. حزب العدالة والتنمية تخلى عن جوهر مشروع أقصى اليمين الإسلامي:عن الشريعة، التي تبنى بدلاً منها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وعن الجهاد، الذي فضل عنه توقيع السلام العربي ـ الإسرائيلي، وقرن في كل مرة القول بالفعل، فألغى عقوبة الزنا والإعدام واعترف للمسلم التركي بالحق في تغيير دينه طبقاً للمادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛وبدلاً من المناداة الوسواسية بالجهاد، تقدم كوسيط لتوقيع السلام بين سورية وإسرائيل واعداً، كجائزة للسلام، بإعطاء الماء لكل من سورية، والأردن، وفلسطين، وإسرائيل لجعل الحرب بينهم مستحيلة. ونصح حماس، بعد فوزها في الانتخابات، بترك الجهاد، أي العنف والعمليات الانتحارية، كما صرح رئيس الجهورية التركية عبد الله غل.
تأخير عودة أقصى اليمين الإسلامي إلى الحلبة السياسية، لم يتسبب في تحولات إيجابية داخلة وحوله فحسب، بل تسبب أيضاً في تحولات مماثلة داخل المعسكر العلماني الديمقراطي، الذي أدرك لا جدوى الجدال العقيم مع خصمه وضرورة الحجاج العقلاني معه، متخلياً عن الإسلامو فوبيا. كرد عقيم عن العلمانوفوبيا، وباختصار أصبح يفهم، وأحياناً يتفهم أفضل الإسلام السياسي ويقرأ حساباً للنقاشات الجدية الدائرة داخل مكوناته. فما عاد يعامل كل حركة إسلامية ككتلة صماء أو عدواً لا ترجى مودته، بل فقط كخصم يحاوره ليؤثر فيه ويتأثر به، ليتقدما معاً إلى حلول وسط ومواقف أقل انغلاقاً من التحديات الكبرى التي تواجهها مجتمعاتنا في عالم معولم يتطلب تضافر جميع العزائم الصادقة لرد تحدياته.
في نهاية فترة الانتقال، القصيرة جداً للأسف، قد يصوت الناخبون لمرشحي أقصى اليمين الإسلامي عملاً بقانون التصويت الاحتجاجي le vote protestataire إخراج الخارجين المنتهية ولايتهم، ليس حباً في أقصى اليمين الإسلامي بل كراهية في الوجوه القديمة التي ملوا رؤيتها في التلفزيون. كما حدث في الجزائر، في 1990، عندما صوت للجبهة الإسلامية للإنقاذ أكثر من مليون ناخب لمجرد الاحتجاج على جبهة التحرير !. في هذه الحالة قد يكون النساء الفريسة الأولى السهلة لحكومات أقصى اليمين الإسلامي كما فعل دائماً، حيث حكم. إيران الإسلامية رجمت حتى الآن حوالي ألفي امرأة آخرهن سكينة محمد اشكياني التي، لولا حملة الإعلام العالمي للمطالبة بإنقاذها، لكانت اليوم ضحية لحجارة الراجمين، وحكومة حسن الترابي الإسلامية التي كانت تجلد على قارعة الطريق من يشرب كأس بيرة 80 جلدة، فضلاً عن التعذيب واغتصاب النساء والرجال في بيوت الأشباح. . .
في تونس ستعمل العناصر الأكثر جموداً ذهنياً في أقصى اليمين الإسلامي على إلغاء مجلة الأحوال الشخصية، خطوة خطوة، بد ءاً بنسخ أحكامها”المتعارضة مع أحكام الشريعة”كمنع تعدد الزوجات وإباحة التبني، على أمل طي صفحة الحداثة التونسية طيلة 54 عاماً للعودة إلى “صفر حداثة”. منذ الآن بدأت المطالبة، بأسماء مستعارة، بـ”تعديل” قوانين الأحوال الشخصية لتطهيرها من “كل ما يتعارض مع الشريعة الإسلامية” لأنها “ليست بقرة مقدسة”. حتى إذا استطاع أقصى اليمين الإسلامي الإقدام على ذلك، وهي احتمالية ليست عالية، فإن ذلك لن يكون، في عالم العولمة، إلا قوسان سيغلقان، بل إن ذلك سيعزز وعي النساء وأنصارهن بضرورة تحديث قوانين الأحوال الشخصية أكثر بالمطالبة بتطبيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقية الدولية لمنع التمييز ضد المرأة، التي تعترف لها بجميع حقوقها الطبيعية ومنها المساواة في الإرث بين الذكر والأنثى.
ومن إيجابياتكم الأخرى، مجانية وتعميم وتحديث التعليم، خاصة في تونس حيث تكوّن جامعاتها سنوياً 80 ألف من حاملي الشهادات العليا، ويحمل حوالي مليون، من 10,5 مليون نسمة، شهادات عليا مثل الماجستير والدكتوراه. وهو انجاز لا مثيل له في العالم العربي وإفريقيا؛ومنها تحقيق الأمن والاستقرار اللذين ساعدا، في ظل الحكومات السلطوية، على إقامة نواة بنية تحتية حديثة شكلت رافعة للتنمية غير المسبوقة كما في تونس ومصر مثلاً. في تونس شهد رئيس صندوق النقد الدولي، شتروس كان، بأهمية “النموذج الاقتصادي التونسي والإدارة الاقتصادية السليمة”. وفي 2010 أعلن منتدى دافوس: “أن الاقتصاد التونسي أكثر تنافسية من الاقتصاديات العربية والإفريقية بما في ذلك اقتصاد إفريقيا الجنوبية”. طبعاً، وجهت له الانتفاضة العشوائية ضربة موجعة بتجفيف ينبوعيه الأساسيين: الاستثمارات الخارجية (300 ألف عامل) والسياحة (600 ألف عامل) مما سيجعل أعداد العاطلين تتضاعف في نهاية سنة 2011.
إذا كان بعض قادة أقصى اليمين الإسلامي من “تلامذة خميني” يأملون ويحلمون بتكرار سيناريو الثورة الإسلامية الإيرانية بالدعوة إلى “تفكيك دولة بن علي” على وزن تفكيك دولة الشاه… تفكيك المؤسسات الحزبية، الإدارية والأمنية. . . لقيام مؤسسة “الحرس الثوري” على أنقاضها، فإن بعض عناصر أقصى اليسار “الثوري” تداعب وهم ثورة بروليتارية بالتحريض على الإضرابات المطلبية في جميع القطاعات عسى أن تنفجر مراكمتها لاحقاً في إضراب سياسي حاشد وعام يفكك “الدولة الرأسمالية وأجهزتها القمعية”. . .
أهمس في أذن الرفاق بأن أضغاث الأحلام سرعان ما تتحول إلى كوابيس… “الدوار” التونسي لن يحتمل أية “ثورة” ستكون، وبكل يقين هذه المرة، كارثة حقيقية على العمال أنفسهم الذين سيفقدون عملهم لينضموا إلى جيش العاطلين الجرار الذي لم تعرفه تونس في كل تاريخها. وأذكركم بأن الرفيق ستالين، طيب الله ثراه، كتب رداً على تروتسكي، الذي كان يؤكد على استحالة الاشتراكية في بلد واحد، بأن “روسيا ليست بلداً واحداً بل هي سدس الكرة الأرضية”. . . أما “الدوار” التونسي فلا يكاد يري، بغير الميكرسكوب، على الخارطة الكوكبية !. حتى دولة الرفاه L’Etat providence التي أقامتها الرأسمالية، غداة الحرب العالمية الثانية، لـ”رشوة” العمال حتى لا يستجيبوا لنداهة الأحزاب الشيوعية الأوربية، شرع اليوم أحفاد الذين أقاموها بقضمها بل بتقويضها تدريجياً [وأنا شخصياً، بصفتي مصنفاً مع 8 مليون فرنسي ومهاجر يعيشون تحت عتبة الفقر، أحد ضحاياها، فقد خسرت منذ أسبوع هذا الحق مع 1,5 مليون مريض مدقع !] الجميع متفقون على أن دولة الرفاه بات من المستحيل انقاذها من القضم في فرنسا. انقاذها ممكن فقط على مستوى 27 دولة التي تشكل الاتحاد الأوربي. لذلك ُشرع في تأسيس نقابات قارية للنضال ليس من أجل حقوق جديدة بل فقط للمحافظة على الحقوق القديمة المهددة… العولمة عولمت مشاكل جميع البلدان وعولمت إمكانية حلها كما عولمت فاعليها. لا تملوا من تكرار هذه الحقيقة الأساسية لمن يتعاطى السياسة ممارسة أو تنظيراً. ولا تفكروا بعد اليوم بثورة اشتراكية في أي دوار عربي.
الخلاصة: المهمة الثورية حقاً اليوم في تونس ومصر الجريحتين… هي التنمية الاقتصادية لمكافحة البطالة الحاشدة والمجاعات الزاحفة بسبب نقص عرض المواد الغذائية وانفجار أسعارها وليس ـ رحمة بالبروليتاريا ـ الثورة البروليتارية!
من ايجابياتكم أيها الحكام المخلوعون، الذين قد تبكيكم شعوبكم بالدمع والدم وهي تري كوابيس البطالة والمجاعة والحرب الأهلية والفوضى العمياء تتراقص أمام ناظريها، انكم شيدتم، جنباً لجنب مع البنية التحتية الاقتصادية، خاصة في تونس منذ 1956 وفي المغرب منذ 2003، بنية فوقية قانونية وضعية عقلانية في طليعتها مجلة الأحوال الشخصية التونسية ومدونة الأحوال الشخصية المغربية. اعترفت قوانين الأحوال الشخصية التونسية للمرأة بحقوقها الطبيعية باستثناء المساواة في الإرث بين الذكر والأنثى التي ُخففت وطأتها بتحريض الآباء على ترك وصية تساوى بين الذكر والأنثى في الإرث.
إقرأ أيضاً:
هل سيكون خلفاؤكم خيراً منكم؟! (1 من 2)هل سيكون خلفاؤكم خير منكم؟ سؤال يُسأل ويُرد عليه بسؤأل:؟ على ماذا تأسف؟بعد مئتين سنة من “يقظة العرب” هل تحسنت احوالنا؟! صحيح إزدادت أعدادنا ، وصرنا ،أو وصاروا بأعتبارنا من جيل سابق 350 مليونا!!! وأرتفعت معدلات الاعمار، وكل هذا بفضل الطب الغربي، وكذا حال الهند و الصين ودول الجنوب،ولكن هل تحسنت أوضاعنا؟أتذكر قول شوقي في هجاء كرومر:”لا مصر إستقرت على حال و لا السودان دامَ”.فلنعطهم فرصة ولا نجعل من أنفسنا أوصياء عليهم. ولنتأكد أنّ مشاريع الاحوال الشخصية( الطبعة الاسلامية القديمة) ستلغى ، ليس من العقلانيين ولا دعاة الحداثة ولا من الرجال بل من… قراءة المزيد ..
هل سيكون خلفاؤكم خيراً منكم؟! (1 من 2)من سبقوا لينين و ستالين كانوا أفضل , لأنهم تركوا إمبراطورية مساحتها سدس الكرة الأرضية . ما يجري اليوم في المنطقة اقرب من النموذج الأوربي- ((مند عام 1830 الى 1852) -1831- بلجيكا-1832 اليونان حرب التحرير –1838بريطانيا اضربات من اجل إصلاحات سياسية – وفي عام 1848 قامت الثورة البرجوازية في كل أنحاء أوربا-12 يناير صقلية – 21-24-فبراير في باريس- 12 مارس البندقية-13- مارس15- فيناء -18- مارس19برلين-22 مارس في ميلان -23 ابريل في وارسو -15 مايو في باريس 1852 والنتقال من الملكية الى الجمهورية الثانية – 17 يونيو انتفاضة في براغ ) – من الثورة… قراءة المزيد ..