إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
عنوان هذا المقال يثير ثلاثة أسئلة:
ما الديمقراطية؟
وما الديمقراطية الإلكترونية؟
ومن مؤسسها؟
الديمقراطية عندي، لها أربعة مكونات: العلمانية والعقد الاجتماعي والتنوير والليبرالية. بدايتها العلمانية في القرن السادس عشر ومفجرها العالم الفلكي البولندي نيقولا كوبرنيكس (١٤٧٣- ١٥٤٣) عندما أعلن أن الأرض تدور حول الشمس، ومن ثم لم تعد مركزاً للكون، وبالتالى لم يعد الإنسان مركزاَ للكون، الأمر الذي ترتب عليه عدم إمكان الإنسان امتلاك الحقيقة المطلقة. ومن هنا جاء تعريفي للعلمانية بأنها التفكير في النسبي بما هو نسبي وليس بما هو مطلق. وفي القرن السابع عشر تأسست نظرية العقد الاجتماعي عند الفيلسوف الإنجليزى جون لوك (١٦٣٢- ١٧٠٤).
وموجز النظرية أن المجتمع من صنع الإنسان. ومن العلمانية والعقد الاجتماعي تأسس التنوير في القرن الثامن عشر وتعريفه عند الفيلسوف الألماني كانط (١٧٢٤- ١٨٠٤) في هذه العبارة «كن جريئاً في إعمال العقل»، ومعناها عندي، لا سلطان على العقل إلا العقل نفسه. وفي القرن التاسع عشر نشأ المكون الرابع والأخير، وهو الليبرالية والأب الروحي لها هو الفيلسوف الإنجليزي جون ستيوارت مل (١٨٠٦- ١٨٧٣)، وهى تعني أن سلطان الفرد فوق سلطان المجتمع. هذا موجز لما أسميه «رباعية الديمقراطية» التي استغرق تحقيقها أربعة قرون في أوروبا.
والسؤال إذن:
ما ثمرة هذه الرباعية؟
بزوغ الثورة العلمية والتكنولوجية في القرن العشرين.
وماذا أفرزت؟
أفرزت من بين ما أفرزت ظاهرتين: الجماهيرية والإلكترونية.
عن الجماهيرية شاعت مصطلحات جديدة مثل إنتاج جماهيري ووسائل إعلام جماهيرية وثقافة جماهيرية ومجتمع جماهيري ووسائل اتصال جماهيرية وإنسان جماهيري ( رجل الشارع). وعن الإلكترونية والإنترنت والتجارة الإلكترونية بزغت ظاهرتان: «موت المسافة» زمانياً ومكانياً، والـ«فيس بوك». بفضل «موت المسافة» يمكن اختزال الزمن، أي يمكن اختزال القرون الأربعة التي تحققت فيها الديمقراطية، وبفضل الـ«فيس بوك» يمكن تكوين جماعات بالآلاف أو بالملايين من أجل أن تمثل رباعية الديمقراطية. وقد كانز إذ اجتمع أكثر من مليون مصري في ميدان التحرير بالقاهرة يوم الثلاثاء الموافق ٢٥ يناير من هذا العام مطالبين بتأسيس الديمقراطية. وكان زعيم هذا التجمع فى ذلك اليوم هو الناشط «الإلكتروني» وائل غنيم، المدير التسويقي لشركة جوجل في الشرق الأوسط. وفي هذا الإطار يمكن أن تكون الإلكترونية سمة الديمقراطية، فتكون «ديمقراطية إلكترونية»، وشعارها الذي أعلنه مؤسسها وائل غنيم «لا إخوان ولا أحزاب.. ثورتنا ثورة شباب».
والسؤال إذن:
ما مغزى هذا الشعار؟
مغزاه أن ثورة الشباب تغيير جذري لوضع قائم بفضل وضع قادم هو رباعية الديمقراطية، مختزلة في عدم الخضوع لسلطة دينية (لا إخوان) أو لسلطة سياسية (لا أحزاب). هكذا يمكن اختزال القرون الأربعة إلكترونيا. ولا أدل على صحة ما انتهيت إليه من قول الرئيس الأمريكى أوباما في خطابه الذي ألقاه يوم الجمعة الموافق ١١/٢/٢٠١١ بأن «ثورة مصر غيرت العالم، بل إنها ألهمتنا» ثم استطرد قائلا: «إن عجلة التاريخ كانت تدور بسرعة فائقة».
وبعد ذلك يبقى سؤال:
إذا كان في الإمكان تحقيق رباعية الديمقراطية إلكترونياً فمعنى ذلك أن السمة الإلكترونية ينبغي أن تسود مؤسسات الدولة والمجتمع. ومع ذلك فهذه السيادة لن تكون ممكنة من غير عقول إلكترونية.