إستقبلت “الجمهورية الإسلامية” الرئيس سعد الحريري بكلام عن الوضع الإقتصادي الصعب لإيران وطلبت منه تسهيلات إقتصادية ومالية ومصرفية.. وحتى جوّية. أما “المرشد”، فقد حدّث رئيس حكومة لبنان عن حزب الله الذي سيحمي “لبنان الإزميرالدا” إلى.. الأبد! وسمح المرشد لأحمدي نجاد بالإطاحة بوزير خارجيته، “متّكي”، وإذلاله علناً. ولكنّه استقبل الوسيط القطري، أمير قطر الشيخ حمد، مباشرةً بعد زيارة الأسد لقطر، وأبلغه “قراره” بأن المحكمة الدولية “باطلة”! وهذا “يُبطل” أيضاً الوساطة السعودية-السورية!
من يمثّل سياسة إيران الخارجية؟ الكاتب، مهدي خلجي، يستند إلى 30 سنة من عمر الجمهورية الإسلامية ليَخلَص إلى أن الملفّات الحساسة تظل في يد خامنئي!
مع ذلك، فصحّة المرشد ليست “من حديد”! وميزان القوى بين “المشايخ” المكروهين شعبياً (بعض كبار رجال الدين يخلع زيّه الديني قبل الخروج بين الناس) و”الحرس الثوري” يمكن أن يختلّ إذا اعتلّت صحة المرشد. وقد تكون وفاة المرشد المناسبة التي يحلم بها “الحرس” لتحويل سلطة رجال الدين إلى ما يشبه سلطة “فاتيكان شيعي”! أي ما يشبه وضعها في أيام “الشاهنشاه”.
*
لم يشعر المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، آية الله علي خامنئي، يوماً بالإرتياح إلى وضعية رئاسة الجمهورية الإيرانية – لا أثناء فترة ولايته شخصياً كرئيس للبلاد، من 1981 إلى 1989، ولا أثناء فترات خلفائه الثلاثة.
إن التوتر بين الرئيس والمرشد الأعلى من صُلب الجمهورية الإسلامية. فالمرشد الأعلى يتمتع بالسلطة المطلقة ويمكنه نقض القرارات التي تتخذها فروع السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية في الحكومة. وفي الوقت نفسه، يأتي الرئيس إلى السلطة في إطار عملية انتخابية ويعمل وفق أجندة وطموحات خاصة به. وأثناء فترة ولايته الثانية – التي بدأها محمود أحمدي نجاد الآن – ستظهر التوترات حتماً إلى ساحة الرأي العام.
ولم يُبدِ خامنئي يوماً أي استعداد لتحمل رئيس يتمتع بقاعدة سلطة كبيرة ومستقلة. فقد عمد في الماضي إلى تقليم جناحي الرئيسين، أكبر هاشمي رفسنجاني الذي كان يتمتع بروابط قوية مع طبقة التجار، ومحمد خاتمي الإصلاحي الذي كان يستمد الدعم من أصحاب المهن الحرّة ذوي الميول الغربية من أبناء الطبقة الوسطى. ورغم حصول أحمدي نجاد على دعم المرشد الأعلى في مواجهة الاحتجاجات الواسعة ضد إعادة انتخابه لفترة ولاية ثانية في العام الماضي، لا يبدو خامنئي متردداً في تقييد سلطات الرئيس الحالي.
وفي الواقع، يبدو أن المظاهرات الحاشدة ضد أحمدي نجاد قد أدت إلى تأجيل المواجهة بينهما، لأن كلاً من المرشد الأعلى والرئيس شارك في الدفاع عن شرعية الانتخابات. لكن وجهات النظر الإسلامية المتشددة لأحمدي نجاد وما يتمتع به من دعم بين الشرائح الدنيا المتديّنة من الطبقة الوسطى الإيرانية لم يكفِ لحمايته من خامنئي.
وفي الغالب، تجنّب الرجلان المواجهة المباشرة. ومع ذلك، يمكن ملاحظة الصراع بينهما من خلال مناوراتهما داخل فروع الحكومة الأخرى. وفي هذا الميدان، يقف أحمدي نجاد في مواجهة مباشرة مع رئيس البرلمان علي لاريجاني، ومع شقيقه الذي يتولى رئاسة السلطة القضائية الإيرانية، صادق لاريجاني.
لقد كان الشقيقان لاريجاني من أشد المنتقدين عنفاً للرئيس، إذ يتهمانه بتجاهل تشريعات وأحكام قضائية أساسية. وتنقسم كتلة المحافظين داخل البرلمان بين مؤيدي أحمدي نجاد وأنصار زيادة الرقابة البرلمانية على الرئيس.
وقد أظهر البرلمان مؤخراً معارضته للسياسات الاقتصادية التي يتبناها أحمدي نجاد حين قرر إعفاء الرئيس من منصبه التقليدي كرئيس لـ”الجمعية العمومية للبنك المركزي”. ومن شأن ذلك أن يحد من قدرة أحمدي نجاد على التدخل في السياسات الاقتصادية ويمنعه من تعيين محافظ البنك المركزي.
لكن تنفيذ هذا القرار يتوقف على موافقة “مجلس صيانة الدستور”، حيث شنت مجموعة من مؤيدي الرئيس هجوماً مضاداً. ويريد أعضاء هذه المجموعة أن يسمح المرشد الأعلى للرئيس بإصدار تحذيرات لكل من البرلمان والسلطة القضائية إذا ارتأى بأنهما قد تجاوزا سلطاتهما، مما يعني إخضاع الأخوين لاريجاني.
وحتى الآن، عمل البرلمان كأداة فعالة يستعين بها المرشد الأعلى بصورة مشروعة لكبح جماح السلطة الرئاسية؛ ومن الصعب تخيل قيام الأخوين لاريجاني بشن مثل هذا التحدي السافر لأحمدي نجاد من دون موافقة المرشد الأعلى. وإذا انتصر الأخوان، فسيفقد الرئيس سلطته ونفوذه في الجانب الذي كان يحظى فيه بأكبر قدر من السلطة: ألا وهو الاقتصاد الإيراني.
بالمقابل، لا يتمتع الرئيس بسلطة كبيرة في السياسة الخارجية، التي تخضع للإشراف المباشر للمرشد الأعلى. والمعروف عن خامنئي أنه يطلب المشورة من أطراف مختلفة، ولكنه في النهاية يتخذ القرارات بمفرده. فعلى سبيل المثال، أبطل المقترحات الوسَطية التي تقدم بها المفاوضون النوويون الإيرانيون أثناء مفاوضات جنيف في أكتوبر/تشرين الأول 2009. كما عمل على تقليص مكانة وصلاحيات وزارة الخارجية بتعيين عدد من المبعوثين الخاصين في مجالات رئيسية.
خامنئي “يحمي” رجال الدين من تحالف نجاد والحرس!
بالمقابل، يعتمد خامنئي على أحمدي نجاد في قيادة دبلوماسية إيران العلنية. فالرئيس يسافر كثيراً ويتحدث مراراً وتكراراً، ويحشد الدعم السياسي بلغته الخطابية المعادية للولايات المتحدة والغرب. ولكن الدبلوماسية العلنية تختلف عن الدبلوماسية. وبهذا المعنى، فمن الواضح أن أحد من الدائرة المحيطة بأحمدي نجاد – وخصوصاً الرئيس نفسه – لا يحظى بثقة المرشد الأعلى. فعلى سبيل المثال، لا يزال الملف النووي يقع تحت السيطرة الحصرية لخامنئي.
وفي مجال السياسة الدينية، استخدم خامنئي راديكالية أحمدي نجاد بصورة حذرة. ومن المعتقد على نطاق واسع أن الرئيس كان يتمنى أن يستطيع أن يقلل من نفوذ رجال الدين وأن يزيد من السلطات التي يتمتع بها “الحرس الثوري”، الذي يشكل المصدر الرئيسي الذي يستمد منه الدعم المؤسسي. وهذا التطلّع يسمح لخامنئي أن يقدم نفسه كمدافع عن رجال الدين، الأمر الذي يعزّز مكانته في وجه التشكيك بمؤهلاته الدينية منذ توليه السلطة قبل 21 عاماً.
..ويدافع عن سلطات نجاد في وجه المحافظين وعلى رأسهم الأخوين لاريجاني!
ويعلم رجال الدين أن أي تراجع قوة خامنئي ستسمح لدائرة أحمدي نجاد باستغلال مشاعر الاستياء الواسعة ضد رجال الدين لإبعادهم من السلطة. بالمقابل، يعلم أحمدي نجاد أنه لولا الضبط الذي يفرضه عليهم خامنئي، فإن رجال الدين كانوا سيستخدمون شبكاتهم السياسية بين المحافظين من أمثال الأخوين لاريجاني لفرض قيود أكبر على سلطة الرئيس بصورة أكبر. إن العداء المتبادل بين أحمدي نجاد وطبقة رجال الدين يخدم مصالح المرشد الأعلى على أفضل وجه.
ويشير تاريخ الجمهورية الإسلامية إلى أن الصراع على السلطة بين المرشد الأعلى والرئيس لن يهدأ أبداً. كما يدلّ هذا التاريخ نفسه على أن المرشد الأعلى سيثبت أنه الطرف الأقوى في هذا الصراع.
والأهم من ذلك بالنسبة للمجتمع الدولي أن هذا الصراع الداخلي يمنع قادة إيران من تقييم سياساتهم الخارجية والنووية بشكل واقعي. وبسبب انهماك هؤلاء القادة في صراع الإرادات في ما بينهم، فإنهم غير قادرين على اتخاذ قرارات دقيقة وحسنة الإطلاع في تعاملهم مع الأطراف الخارجية.
مهدي خلجي هو زميل أقدم في معهد واشنطن، يركز على سياسات إيران والجماعات الشيعية في الشرق الأوسط.
پروجيكت سينديكيت