تداولت المواقع السعودية التقييم التالي لإصلاحات الملك عبدالله وحدودها الضيقة وإمكانية اندثارها من بعده. والتقييم جدير بالقراءة رغم اختصاره، ورغم سوء الترجمة أحياناً.
“الشفاف”
*
في عهد العاهل السعودي عبدالله المُسِن، يبدو الجناح ذو الاتّجاه الإصلاحي في عائلة آل سعود الذي يسعى إلى تحقيق الإصلاح الاقتصادي والقانوني والسياسي (والمقصود بهذا الأخير الإصلاح “الإداري”)، وكأنّه في سباق مع الزمن. إذ يفترض كثرٌ داخل المملكة العربية السعودية أنّ العامَين المقبلَين أو الأعوام الثلاثة المقبلة ستكون حاسمة. وتتخوّف شخصيات النخبة المتعاطفة مع الإصلاح من أن يتعثّر ماتحقّق حتى الآن (وهو متواضع بحسب المعايير الدولية، وهام وفق المعايير السعودية)، في ظل الملك المقبل، سواءً كان سلطان، أو في غالب الظن نايف (نظراً إلى المخاوف التي تحيط بصحة ولي العهد سلطان). ليس للتغييرات التي أُجريَت منذ ارتقاء عبدالله إلى العرش العام 2005 أساس مؤسّسي، كما أنّها لم تستحوذ على المخيّلة الجماعية للشعب السعودي، ما يؤدي إلى انطباع بأن الإصلاحات مجرّد أهواء شخصية تُلغى بسهولة أو توضَع على الرف إلى مالا نهاية.
لايعني الإصلاح في المملكة العربية السعودية تطبيق برنامج واضح يهدف إلى بلوغ نتيجة محدّدة. وفي الواقع، ما يُشار إليه في معظم الأحيان بالإصلاح يتعلّق أكثر بتغيير البيئة. لاشك في أنّ بيئة أكثر انفتاحاً ظهرت في الأعوام القليلة الماضية. فوسائل إعلامية مختلفة تسيطر عليها النخبة السعودية الحاكمة التي تتنافس بين بعضها البعض لنشر تعليقات مختلفة على الساحة السياسية المحلّية والإقليمية. لكنّه ليس جدلاً حقيقياًً، بل إنّه تموضع عام ذو آراء متمايزة. ومن بين القضايا التي تحظى بأكبر قدر من الاهتمام الدور المناسب للنساء، ودور المطاوعة (أي الشرطة الدينية) المرتبط بالدور الأوّل بالإضافة الى الفساد في القطاع العام، والإصلاح التربوي، والحاجة إلى أن يكون السعوديون أفضل تجهيزاً لبناء قطاع خاص أكثر دينامية.
وهكذا ارتبط “الإصلاح” بتعيين إصلاحيين مفترَضين في مناصب أساسية في الوزارات والهيئات العامة. لذلك، وفي تناقض لافت مع التقليد السعودي والاّتجاه الإقليمي الأوسع، أصبحت وزارة التربية نوعاً من المعقل الإصلاحي، على الأقل في مايختص بالمناصب الرفيعة، مايجعلها بؤرة مهمّة للرعاية من جانب الملك عبدالله في لعبة النفوذ داخل آل سعود. بيد أن إصلاح الممارسة التعليمية اقتصر على بعض التغييرات في المناهج وكتب المقرّرات، بالإضافة الى إنشاء جزيرة تفوّق تعليمية مثيرة للجدل هي جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا قرب جدّة. واللافت هنا هو أنّ الجامعة ليست تحت سلطة وزارة التعليم العالي، على الرغم من أنّ التصوّر الرسمي هو أن تصبح في نهاية المطاف خاضعة لسيطرة الدولة الرسمية. وثمّة مجال يُتوقَّع أن يشهد اهتماماً أكبر وهو التدريب المهني : إذ لن تتمكّن السعودية من سدّ الثغرة بين النمو الاقتصادي وبين النمو السكّاني من دون إرغام مزيد من السعوديين على العمل أكثر، مقابل دخل أقلّ، في القطاع الخاص.
في الممارسة، أسفرت الإصلاحات القانونية المقترَحة عن إنشاء محكمة عليا جديدة لتكون محكمة الاستئناف الأعلى مرتبةً، لكنّ الأمر لايتعدّى كونه تغييراً في الاسم في وظيفة كانت سابقاً من صلاحيات مجلس القضاء الأعلى. كما لم يباشر مجلس القضاء الأعلى بعد الاضطلاع بدوره الجديد، وهو إعادة تدريب قضاة ذوي معلومات خاطئة في معظم الأحيان. وعلى الرغم من أنّ المجموعة القديمة والمحافِظة جداً من العلماء المدرَجين على جدول الرواتب الذين يشكّلون الجزء الأكبر من أعضاء مجلس القضاء الأعلى لاتزال هي نفسها، أصبح المجلس خاضعاً إلى إدارة جديدة. لقد تمّت الموافقة على تقنين الشريعة الإسلامية – وهو أمر هام على الأرجح من أجل بيئة قانونية أكثر قابلية للتوقّع بالنسبة إلى الأعمال والذين يسعون وراء إصلاح المخالفات في مجال حقوق الإنسان. وليس واضحاً بعد متى سيتمّ نشرها في مجلّة مرخّص لها أو في شكل خلاصة وافية مكتوبة عن الأحكام القانونية التي تشكّل سابقة قانونية. ومعروف أنه سرعان ما أصبحت مجلّة رسمية سابقة تعود إلى عهد عبد العزيزابن سعود ألذي أسّس الدولة العام 1932، طيّ الإهمال. وقد استغرق الأمر سنوات عدّة لإقناع مجلس العلماء الأعلى بالموافقة مبدئياً على التقنين.
فما عدا في المسائل التي تترتّب عليها تكاليف مرتفعة، على غرار قانون الاستثمارات الخارجية والعقوبات المستندة إلى القرآن في مجال الجرائم الاجتماعية ، لاوجود لقوانين مكتوبة في المملكة العربية السعودية. وليس متوقّعاً أن تعيد مجلّة جديدة محتملة توجيه القانون السعودي نحو أساس جديد أكثر ليبرالية، بل يُرتقَب أن يبلور مسار قانوني أكثر شفافية وقابلية للتوقّع بالنسبة إلى السعوديين والأعمال الأجنبية. أما بخصوص القضايا الاجتماعية المثيرة للجدل، على غرار مسألة الوصاية الذكرية على النساء و عدم المساواة في زواج القاصرات، فلاتزال حتى الآن قصراً على النقاش الإعلامي الواسع، ومن غير المرجّح أن تغيّر المجلّة العتيدة هذا الواقع.
بالنسبة إلى الإصلاح الاقتصادي، تعترض الزبائنية التقليدية لما تبقّى من دولة هي في شكل أساسي دولة ريعية، طريق طبقة من روّاد الأعمال يمكنها أن تشكّل في الوقت المناسب أساس التغيير السياسي. ولذلك، من المرجّح أن يبقى القطاع الخاص السعودي الخاضع إلى الحماية، والذي ليس خاصاً جداً ويعتمد على رعاية دولتية/أميرية، سِمة من سمات الاقتصادي السياسي السعودي. قد تُستأنَف عروض الأسهم عند المستويات التي كانت سائدة قبل الركود، لكنّها أسهمٌ أقلّية يملكها في شكل أساسي مواطنون سعوديون. فغالبية الأسهم ستبقى في أيدي الأقلية اللذين يحملون السلطة، في حين أن الجزء الأكبر من الصناعات العامة من المحتمل انه لن يشهد، في أقصى الأحوال، سوى “خصخصة” لأقلّية الأصول.
أما بالنسبة إلى الإصلاح السياسي البحت فيوجد تقدم ضئيل. فقد كُبِحت طموحات الملك على هذه الجبهة، بسبب المخاوف التي تساور شخصيات آل سعود الأكثر محافظة من أنّه حتى المجالس الإقليمية المحتملة والمنتخَبة جزئياً وغير المُمَكَّنة نسبياً يمكن أن تشكّل سابقة خطيرة. وقد تم تأجيل الدورة الثانية لإنتخابات المجالس المحلية المقرر إجراؤها في العام 2009 حتى العام 2011 . ومن جهة أخرى، فإن محطّ تركيز الجهود التي يبذلها الملك هو جعل القطاع العام أكثر فاعلية، مع استهداف الفساد في شكل خاص (بهدوء). ومن المتوقّع أن تكون التغييرات الأكثر جوهرية، على غرار السماح لمجلس الشورى بالتمتّع بتأثير تشريعي، غير مرجحة في الوقت الحالي، هذا في حين ثمة بعض التركيز على مسألة توسيع استيعاب المجلس لمختلف الأطياف في المجتمع السعودي.
في الإجمال، الإصلاح الجوهري في السعودية أمر بعيد المنال إلى حد كبير. وفي حين ينشط الجدل الإعلامية، يبقى أن نعرف ماذا سيكون التأثير العملي. فإلى الآن، تغيير موسيقى الخلفية من دون أساس مؤسّسي لإحراز تقدّم أكبر، سوف يلقى صعوبة في تحقيق أكثر من مجرّد تحسّن حذر في توقّعات الرأي العام السعودي الذي تساور جزء كبير منه شكوك كبيرة، ومحقّة، بشأن قابلية السياسة الحالية للاستدامة بعد عبدالله.
نيل بارتريك مستشار حول شؤون الشرق الأوسط وباحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن.