حين تلقيت نبأ وفاة المفكر المصري الكبير نصر حامد أبو زيد، لا أعرف لماذا ذهب ذهني مباشرة إلى فيلم (تراب الغرباء) للمخرج السينمائي السوري الحلبي سمير ذكرى، الذي يحكي قصة النهضوي الكبير عبد الرحمن الكواكبي صاحب (أم القرى) و(طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد)..
سألت مرة صديقي سمير ذكرى مخرج الفلم وكاتب السيناريو: لماذا أعطيت لفلمك اسم تراب الغرباء. فقال: لقد عنيت بهذه التسمية غربة هذا الكاتب الكبير في وطنه في ظل الاستبداد العثماني، وكذلك غربته بعد مماته في تربة الغرباء التي دفن فيها في القاهرة”.
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كان الصحفيون والكتاب والمثقفون المعارضون في كل من سورية ولبنان وفلسطين يهاجرون إلى مصر، حين تشتد حولهم حلقة الحصار السلطاني بسبب أفكارهم وآرائهم ومواقفهم السياسية. ففي تلك الأيام كان مصر تعيش هامشاً واسعاً نسبياً لحرية الرأي والتعبير والكتابة..
يبدو أن عبد الرحمن الكواكبي كان لا يطيق ترك مدينة حلب لمدة طويلة، لكنه جاء وقت لم يعد قادراً فيه أن يعبر عن رأيه، وفي آن لم يكن بقادرٍ على حمل مدينته الحبيبة على ظهره. لكن زوجته فكَّت له عقدة تردده بآية كريمة من سورة النساء(96): ” إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي انفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا”. اقتنع الكواكبي بالهجرة وترك حلب. هاجر إلى القاهرة، ولكن الباب العالي لم يتحمل قلمه ونشاطه في مصر. ويقال أن الشيخ المتنفذ في القصر العثماني (أبو الهدى الصيادي) وهو سوري من خان شيخون، أخذ على عاتقه أمر هذا المثقف الذي كان يدعو إلى التمدن ويقارع الظلم والقمع والجهل، وهو الذي قال أن الاستبداد الديني هو أسوا أنواع الاستبداد. مات عبد الرحمن الكواكبي مسموماً في ظروف غامضة ومريبة؛ ودفن في مقبرة للغرباء. ولم يكن الاهتداء إلى قبره يسيراً خلال تصوير الفيلم، لولا وجود بيتين مكتوبين على شاهدته للشاعر المصري حافظ ابراهيم…
مضت مائة عام على مصر وقد تراجع فيها هامش الحرية إلى حد كبير. ويصعد إلى ساحة الفكر مثقف من نمط عبد الرحمن الكواكبي وهو نصر حامد أبو زيد الذي يرفض أن يكون من المثقفين “المُمَجِّدين” أومن ذوي العقل المستقيل. ويشرع في معركة تكريس مشروعية نقد النص، وعدم تقديسه وعبادته. لم يتحمل التماميون منهجه فرفعوا عليه دعوة حسبة وكفَّروه وطلَّقوه من زوجته وتواطئت السلطة في مصر مع هذا الحكم. اضطر لترك وطنه فاستقبلته هولندا بالترحاب في مدينة ليدن ومنحته كل الإمكانيات ليواصل أبحاثه ونقده في أجواء مفعمة بالحرية.
لكن يبدو أن الوطن الأول، ومهما طالت الغربة، لا يخرج من النفس الإنسانية وتبقى العودة إليه توقَ المهاجر وأمنيتَه على الدوام . وكنا قد رأينا الأديب الروسي سولجينيتسن صاحب (ارخبيل الكولاغ) الذي ترك روسيا بسبب فقدان الحرية ولكنه حين وصل إلى أميركا بدأ ينخر فيه الحنين إلى روسيا، وهو نوع خاص من الحنين أكثر شدة من (النوستالجيا) يقال له بالروسية(توسكا/tocka ). وربما نصر حامد أبو زيد أصيب بهذا النوع من الحنين إلى مصر.
كان موت نصر حامد أبو زيد في أحد مشافي القاهرة مفاجئاً للجميع وقد قيل انه أصيب بفيروس غريب أودى بحياته؟… مات نصر في أوج نضاله الفكري وفي عز نضاله من أجل الحرية.. وهو يقول بأعلى صوته إن “المثقف حارسَ قيم وليس كلب حراسة”. دربه كان درب آلام المثقفين الحقيقيين “الأمجاد”….
zahran39@gmail.com
دمشق في 11/7/2010
نصر حامد أبوزيد وتراب الغرباء أسامه عسكر — asker9@yahoo.com حيثيات حكم المحكمة جمال سلطان ونواصل استعراض حيثيات حكم محكمة الاستئناف في قضية نصر حامد أبو زيد وقد وردت كالتالي : …وقد اطلعت المحكمة على مؤلفات نصر ابو زيد وهي : نقد الخطاب الديني ، الامام الشافعي وتأسيس الايدلوجية الوسطية ، مفهوم النص دراسة في علوم القرآن ، إهدار السياق في تأويلات الخطاب الديني …وتورد المحكمة بعض العبارات من كتبه كتاب نقد الخطاب الديني ص 198 / 199 تتحدث كثير من ايات القرآن عن الله بوصفه ملكا بكسر اللام له عرش وكرسي وجنود وتتحدث عن القلم واللوح وفي كثير من المرويات… قراءة المزيد ..