(الصورة: القوات البريطانية تلتقطاً صوراً تسمح بالتعرّف على الحجاج الإيرانيين على معبر حدودي)
في جوار الأضرحة التي تعلوها مآذن مذهّبة التي تضمّ رفات أئمة الشيعة- الإمام علي، صهر النبي المدفون في النجف، وحفيديه الحسين العبّاس – ينتظر ألوف الحجّاج الإيرانيون، الذي يتحلّقون في جماعات منظّمة، بصبر حتى تنتهي عمليات التفتيش التي لا مفرّ منها قبل الدخول إلى الأضرحة. وترتدي النساء الإيرانيات عباءات سوداء واسعة، في حين يرتدي الرجال سترة عادية. ولكن العين العراقية المجرّبة قادرة على تمييز الجنسيات بسهولة. وقال لنا الصحفي العراقي “أحمد علي” أن العراقي لا يمكن أن يخطئ في ملاحظة كيفية إرتداء الإيرانيات للحجاب، أو في ملاحظة الأحذية الإيرانية، أو المظهر العام للإيرانيين”.
إن الحجّاج، الذين اعتادوا التوافد إلى المدينتين المقدستين منذ قرون، ليسوا ما يثير قلق الأميركيين. فالسؤال الذي يثير قلق إدارة أوباما، التي تستعد لسحب معظم قواتها من العراق قبل نهاية أغسطس، هو: هل ستكون السلطة العراقية التي ستخرج من صناديق الإقتراع في 7 مارس سلطة صديقة لهم، أم هل تكون أقرب إلى الإيرانيين؟ بكلام آخر، هل سيسقط ثاني أكبر منتج للنفط في العالم في يد طهران، في حين أن أميركا أنفقت 700 مليار دولار لغزو العراق قبل 7 أعوام؟
في الأسبوع الماضي، نقلت “النيويورك تايمز” أن قائد القوات الأميركية الجنرال “راي أودييرنو” أطلع الحكومة العراقية على ما يملك من معلومات. وحسب معلوماته، فإن “إيران تتدخل في العملية الإنتخابية العراقية، وتوفّر الأموال، ومواد الحملات الإنتخابية، والتدريب السياسي لمختلف الأحزاب وللمرشحين المقربين منها. وهي تسعى لخلق تحالفات بين الجماعات والمرشحين المؤيدين لها”. وأول هؤلاء هو أحمد الجلبي، الذي كان السياسي المفضّل لإدارة بوش و”العميل المزدوج” حسب واشنطن، التي تعتقد أن طهران ترغب في تبوّئه منصب رئاسة الحكومة المقبلة بدلاً من نوري المالكي، الذي يسعى بدوره لتشكيل الحكومة مجدداً.
بالطبع، وكما نطالع في الملف الممتاز الذي نشرته “مجموعة الأزمات الدولية” في نهاية فبراير، فإن “الدولة العراقية ما تزال هشّة، وسيادتها ما تزال مخترقة، وطبقتها السياسية ما تزال مشرذمة إلى درجة تشكّل دعوةً للتدخل الخارجي”. ولا يتورّع الأردن، وسوريا، والسعودية، وإمارات الخليج، وحتى الولايات المتحدة نفسها، سواء بصفة “خاصة” أو حكومية عن محاولة التأثير في ما يجري في بغداد. إن العراق يمرّ بمرحلة إعادة إعمار، وما زالت أمامه طريق طويلة قبل أن يجد إستقراره وازدهاره، ومن المهم لجيرانه، وحتى للأبعدين، أن يؤمنوا مصالحهم فيه منذ الآن.
“يظلون فرس”
لكي يعثر المرء على “النفوذ الإيراني المحسوس، الذي يمتد إلى كل أنحاء العراق وإلى كل نخبته السياسية”، فقد كان لا بدّ لنا من زيارة النجف وكربلاء- المدينتين المقدستين للإسلام الشيعي الذي يعتنقه 60 بالمئة من العراقيين و90 بالمئة من الإيرانيين.
أول ما لاحظنا هو أن أيا من المدينتين اللتين تضم كل منهما نصف مليون نسمة، وتقعان في جنوب بغداد، لا تحمل على جدرانها اليافطات الضخمة جداً التي تمجّد آية الله الخميني، أو خلفه آية الله خامنئي، التي نجدها في ضاحية بيروت الجنوبية مثلاً.
إن المدينتين- وينبغي أن نلاحظ أنه في كربلاء، حتى مطلع القرن العشرين، كان 75 بالمئة من السكان من أصول فارسية- تعيشان من الحجّ بالدرجة الأولى. ويقيم التجار العراقيون علاقات معقّدة مع زبائنهم الإيرانيين. ويهمس لنا “حسن أبو زينب”، وهو جوهرجي في كربلاء: “نحن بحاجة لهم، ولكننا لا نحبّهم كثيراً”. وهذا مع أن إيران تستعد لتسليم مستشفى يضم 400 سرير في النجف، وسيعقبه مستشفى بنفس الحجم في كربلاء. وقد بدأ العمل بمشروعات إقتصادية مشتركة بين البلدين. ولا جدال في ان البلدين أقرب الآن مما كانا في الماضي. ولكن، كما يقول العراقيون الذين تحدّثنا معهم: “المشكلة ليست مع الإيرانيين، بل بالأحرى مع نظامهم. هل وجدتم حزباً عراقياً واحداً يخوض الإنتخابات ويعلن تعاطفه مع طهران؟ لن تجدوا حزباً واحداً من هذا النوع، وهذا يعطيكم فكرة كافية”!
إن أحداً لا يشكّ في أن حرس الثورة الإيراني يقوم بعمليات سرية في العراق، ويسلّم أسلحة للميليشيات العراقية. أو أن إيران تنفق “20 مليون دولار شهرياً على الأقل”، حسب الأجهزة الأميركية، من أجل التأثير في الأحزاب العراقية، وبينها “المجلس الأعلى”، الذي تأسس في طهران في العام 1982، وحليفه الصدري، الذي انسحب زعيمه، مقتدى الصدر، إلى “قم” قبل 3 سنوات تقريباً. ومع ذلك كله، فإن الناطق بلسان التيار الصدري في النحف، “صلاح العبيدي”، قال لنا أن “الإيرانيين ارتكبوا قدراً كبيراً من الأخطاء هنا” إلى درجة أن نفوذهم لا ينبغي أن يثير قلقاً مبالغاً فيه.
مراسل “لوموند” باتريس كلود
المقال بالفرنسية:
A Nadjaf et Karbala, les Iraniens sont partout sauf dans le cœur des Irakiens