يحكم نظام الملالي في إيران باستخدام صيغة بسيطة: الفوز للّذي يستطيع إثارة أكبر قدر من الخوف. “تحقيق النصر عن طريق بث الخوف”، عبارة مجازية تتجلى في كثير من خطابات المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. وفي الواقع، تشكل هذه العبارة دليلاً موثوقاً به للتعرف على فلسفته السياسية.
ولم يتم ابتكار وجهة النظر هذه من قبل خامنئي، وإنما هي مستمدة من القرآن الكريم والمذهب الشيعي. فأفراد الحرس الثوري الإيراني يرتدون الزي الذي يحمل الآية القرآنية السادسة عشرة قوله تعالىوأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم.
وعلاوة على ذلك، تتلخص استراتيجية المهدي المنتظر في عقيدة الشيعة بتخويف كل أعدائه عند عودته إلى الأرض.
بيد، أن زرع الخوف في نفوس الآخرين يجعل المرء أيضاً أكثر عرضة له، وليس هناك ما هو أكثر إثارة للخوف في نظر خامنئي وقادة الجمهورية الإسلامية من الدينامية الاجتماعية التي أطلقتها الحركة الديمقراطية التي تختمر داخل البلاد.
ويبدو أن النظام مقتنع بأن ليس هناك سوى احتمال صغير لوقوع هجوم عسكري على برنامجه النووي. كما لا يعتقد بأن العقوبات قادرة على التسبب في انهياره. وبالتالي، لا يبدو أن القوى الخارجية تشكل تهديداً كبيراً.
ويتلخص التطور الذي يهز أركان الحكم، بل ويهدد وجود الفكر الإسلامي الحاكم، بالضغوط التي يفرضها الشعب الإيراني من أجل الحصول على حقوقه الإنسانية والسياسية. ولقد أعرب وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي الأسبق محمد حسين صفر هرندي عن هذه المخاوف عندما قال أن “المواطنين الذين يريدون أن تكون الحكومة مسؤولة أمام الشعب (يشكلون) جزءاً من الحرب الناعمة ضد الجمهورية الإسلامية”.
كانت الجمهورية الإسلامية طيلة ثلاثين عاماً، تعتمد على اليد الثقيلة لجهاز الأمن الداخلي لإسكات المعارضين والمنتقدين. ويشكل الخوف حجر الزاوية في بناء الجمهورية الإسلامية. ولكن منذ الأزمة التي أعقبت الإنتخابات الإيرانية في حزيران/يونيو الماضي، نَفَض الناس الخوف عن أنفسهم، وأصبحوا هم الذين يخيفون الحكومة.
ويخشى خامنئي من هذه الطفرة الإجتماعية إلى درجة مذهلة. فهو يخشى العلوم الإنسانية، والكتب، والفنون، والجامعات، وأقمار البث الفضائية، والشبكة العنكبوتية وحتى الهواتف النقالة. وهو يرى أنه لا بد للدولة أن تفرض سيطرتها على قدرة العامة على الوصول إلى الثقافة العالمية والتقنية. وإن لم يحدث ذلك، ستعمل هذه القوى على تقويض أركان الدولة.
ويفتقر خامنئي إلى الجاذبية الشعبية والدراسات العميقة خلافاً لمؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله روح الله خميني. فشرعيته السياسية وسلطته الدينية هي محل تساؤل كبير، كما أن العنف في الشوارع والوحشية التي اتبعت في السجون في الأشهر الأخيرة أدت إلى تقويض سلطته وزعزعة قاعدته الاجتماعية. وقد عزل خامنئي نفسه عن إمكانية الوصول إلى حل وسط، بسبب اعتماده المتزايد على الحرس الثوري باعتباره الحصن الذي يحمي نظامه.
إن السياسة الخارجية التي ينتهجها خامنئي اصبحت خاضعة الآن تماماً للكيفية التي سيتطور إليها الوضع الداخلي في إيران. وكما أظهرت الأشهر الأخيرة، سوف لن ينظر المرشد الأعلى في الوصول إلى تسوية مع الغرب إلا إذا خسر يقينه حول سيطرة النظام على الأوضاع بصورة تامة في الداخل. إن هذا يشبه الأرجوحة، حيث يعمل الضعف الداخلي الذي يعانيه خامنئي على تغيير ميزان السياسة الخارجية الإيرانية.
وهكذا، ففي مستهل الأمر، وبسبب خوف النظام من عواقب أزمة ما بعد الانتخابات، وافق على اقتراح الأول من تشرين الأول/اكتوبر 2009 في جنيف، والذي كان من شأنه أن يسمح سيطرة جهات دولية رسمية على تخصيب اليورانيوم الإيراني خارج البلاد. وفي تشرين الثاني/نوفمبر عندما كانت تعتقد الحكومة بأن الوحشية في الشوارع قد أرعبت وخوّفت حركة الاحتجاج، تراجع المسؤولون الإيرانيون عن هذه التسوية.
وفي هذا المعنى، يمكن اعتبار الشعب الإيراني حليفاً استراتيجياً للغرب، ليس فقط لأنه يريد قيام الديمقراطية في الداخل والسلام في المنطقة، بل لأن احتجاجاته المستمرة تقدم للغرب حجة أكثر فعالية من أجل التصدي للبرنامج النووي للجمهورية الإسلامية.
ولا يستطيع هذا النظام الصمود على الأمد البعيد مع وجود مثل هذه الأزمة السياسية التي يواجهها الآن. وستؤدي حملات القمع المستمرة إلى قيام دكتاتورية عسكرية، في حين أن الوصول إلى تسوية مع حركة الاحتجاج من شأنها أن تؤدي إلى قيام نوع من حكومة توافقية شبه ديمقراطية. ومع ذلك، ففي كلتا الحالتين لن تخمد الحركة الديمقراطية؛ وستعاود الظهور بشكل مستمر، على الرغم من القمع الشديد الذي يجري على مدى فترات قصيرة من الزمن، مما يثير تلك الأنواع من التحديات التي تشكل تهديداً وجودياً لأية حكومة غير ديمقراطية.
إن دعم حقوق الإنسان والديمقراطية في إيران ليس مسألة أخلاقية فحسب، بل يجب أن يشكل أولوية استراتيجية بالنسبة للغرب. إن تمكين الشعب الإيراني يعني إضعاف المرشد الأعلى وحلفائه العسكريين. ومن المرجح أن يؤدي ضعف خامنئي إلى قيام وضع يكون فيه المرشد الأعلى مستعداً لتقديم تنازلات على صعيد الملف النووي.
نُشِرت هذه المقالة أيضاً في صحيفة اليابان تايمز في 21 كانون الثاني/يناير، 2010.
مهدي خلجي هو زميل أقدم في معهد واشنطن، يركز على السياسة الداخلية في إيران، فضلاً عن سياسات الجماعات الشيعية في الشرق الأوسط.