ما وقع في الاستجوابات التي طالت رئيس وزراء الكويت الشيخ ناصر المحمد يدل على بداية نضج في النظام السياسي الكويتي بعد ان تعودنا على الكثير من التردد والفوضي في السنوات الماضية في رحلة الديمقراطية الكويتية. ان قرار رئيس مجلس الوزراء الوقوف امام مجلس الامة والدفاع عن موقفه بنجاح يعكس حكمته كما يشير الى حكمة جديدة تكتسح النظام السياسي في الكويت. فحتى الامس القريب اعتبر استجواب رئيس مجلس الوزراء من قبل احد اعضاء مجلس الامة من المحرمات، وهو كذلك في جميع الدول العربية تقريبا. لكن ما وقع في الاسبوع الماضي هو كسر لحاجز الخوف من الاستجواب، بما في ذلك استجواب (وزراء اساسيين في الداخلية والدفاع) ومن اثاره ونتائجه على موقع رئيس الوزراء. لقد اضاف الاستجواب بعدا جديدا على علاقة رئيس مجلس الوزراء بالنواب وارتقى بالنظام السياسي الكويتي نحو مزيد من المشاركة والشفافية. ويسجل لرئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر انه اول رئيس وزراء في تاريخ الكويت دافع عن موقفه في امر يخص الشأن العام من خلال الاستجواب، ويسجل بنفس الوقت للنائب فيصل المسلم انه اول من كسر حاجز الاستجواب السياسي الموجه لرئيس الوزراء. في الحالتين ساهم كل من رئيس الوزراء والنائب ببناء وضع جديد في العلاقة بين مجلس الامة ومجلس الوزراء.
واكتشفنا ابان الاستجواب ذو المستوى الثقيل انه اداة اخرى من ادوات التفاعل بين مجلس الوزراء المعين والبرلمان المنتخب. وتبين لنا ان الصفة العامة لكل مسؤول حكومي تتطلب مسائلة سياسية، فالحق العام يتطلب تساؤلا واستجوابا، وهذا ما حصل. فالصفة العامة لرئيس مجلس الوزراء تتطلب ان يمتلك الاستعداد لتوضيح سياساته والدفاع عن مواقفه واعماله على كل صعيد. في كل ما وقع انتصار للديمقراطية في الكويت، وتأكيد علي أنها جزء من مسيرة مرتبطة بالمشاركة الشعبية بأنواعها. في جلسة الاسبوع الماضي تقدمت الكويت خطوة كبيرة للامام في علاج واحدة من اكثر القضايا حساسية الا وهي الحق في مساءلة المسؤول الاول عن السياسة الحكومية. هذا تطور جديد في صيغة العلاقة بين المجلس والحكومة في الكويت.
ان ما وقع لن ينهي حالة التوتر في العلاقة بين الطرفين. فأن كان للعلاقة بين البرلمان والحكومة ان تزداد تضجا فالخطة الحكومية التنموية هي الامر المفصلي في المرحلة القادمة. يجب ان تتحرك الحكومة نحو التطبيق والتطوير والتغير والا فقدت ذلك الزخم الذي حصلت عليه بسبب نجاجها في التعامل مع امتحان الاستجوابات. ان السؤال الاساسي الان هو في كيفية تحويل النجاح الذي تحقق في الايام الاخيرة لصالح خطة النتمية.
ومع ذلك علينا ان نعرف بان المشكلة الهيكلية في النظام السياسي الكويتي لن تختفي. هناك زحف للبرلمان وهناك سعي حكومي لابعاد هذا الزحف قدر المستطاع. وهذا الامر ليس غريبا وليس جديدا، فقد عاشت في ظل هذا التناقض جميع الدول التي مرت قبلنا بتحولات ديمقراطية. فالتحول الديمقراطي يحمل في طياته الكثير من الصراعات بسبب اختلاف الرؤي وموازين القوى والتصورات بين الاقطاب السياسية. في نهاية اليوم يريد كل برلمان ان يتحول لسلطة تنفيذية بامتياز. لهذا فالصراع الراهن هو صراع على الوقت، والتأخير، والنضج، وهو صراع على اكتشاف افضل الطرف للوصول لبر الامان.
ان تحقيق النضج في الحياة السياسية الكويتية تتطلب اجراءات كثيرة منها ضرورة تشريع قانون للاحزاب في الكويت. فأن تواجد في الكويت حزب محافظ واخر اقرب لشخصيات في الدولة والاسرة الحاكمة وثالث اقرب لشخصيات معارضة وهكذا. التنافس السياسي المفتوح والشريف هو احد مفاتيح التنمية السياسية التي يجب ان نتجه اليها في المرحلة المقبلة. ان وجود الاحزاب سيساهم حتما في بناء كتل سياسية اكثر نضجا، وهذا سيخلق انضباطا في المجلس وبرامج هادفة واولويات واضحة.
ان الكويت بطبيعة الحال تحتمل الصراع السياسي، لكن الوعي السياسي بين اقطابها وبين برلمانييها بأمكانه ان يجنبها الصراع العبثي الذي يجمد الحياة ويوقف عجلة التقدم. علي النظام السياسي الكويتي بكل اقطابه بعد سلسلة الاستجوابات ان يبني هدنة، ثم يتفق على صيغة جديدة تسمح بنمو توازن بين التنمية وانتشارها وبين استمرار ازمة الصلاحيات والادوار بين الحكومة والمجلس.
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت