أولاً في الملاحظات:
أ- أثبتت أجهزة الدولة، الإدارية والأمنية والسياسية، أنها قادرة على تنظيم وتنفيذ عملية انتخابية على مساحة لبنان إذا توفّر القرار السياسي، إذ أن صناديق الاقتراع فُتحت في المحافظات على أربع دورات متتالية ولم يتحدث الاعلام أو المعلومات عن أحداثٍ صعبة أعاقت عملية الانتخابات
ب- أثبت الشعب اللبناني بكل أطيافه ومناطقه أنه قادر على ممارسة حقّه الديموقراطي بسلام وخبرة وجهوزية، وهو صاحب تراثٍ وتجربة طويلة قد يتفرّد بها في هذه المنطقة من العالم التي حرمت لسنين عديدة من ممارسة حقها الديموقراطي
ج- كان للمال مساحةٌ وازنة في كل المعارك، ساحلاً وجبلاً وسهلاً شمالاً وجنوباً. إذ أن المرشحين في المدن الكبيرة والبلدات كانوا بغالبيتهم الساحقة أصحاب قدرة مالية عالية وإمكانية إدارية تجعل منهم أرقاماً صعبة في العملية الانتخابية
د- لم تنجح الأحزاب المسيحية والإسلامية يميناً ويساراً في أن تكون “رافعة” حقيقية لتجديد النخب السياسية لا بل على العكس تماماً، إذ تميّزت بالتعاون “البراغماتي” مع قوى التقليد والعائلات في كل قرية وبلدة، ووصلت عملية التعامل الحزبي مع الأطر التقليدية إلى حد أن قال لي أحد القرويين أنه أضيف على كل قرية في لبنان “عائلة بيت القوات وعائلة بيت التيار”.
هـ – غابت العناوين والاهتمامات البيئية والإنمائية وموضوع اللامركزية الادارية وبرزت بالمقابل المحاصصة، أي تحديد الأحجام السياسية والعائلية في كل مدينة وقرية، ولم تبرز مشكلة حل النفايات مثلاً كموضوع أساسي في اهتمامات الناخبين، وكأن أزمة نفايات بيروت حصلت في بكين أو في أحدى عواصم أميركا اللاتينية.
و- في غياب قانون عصري للبلديات، حافظت بيروت على تنوعها الطائفي بفضل تفاهمات سياسية ولم تحافظ طرابلس على تنوعها بسبب تصويت الطرابلسيين الكثيف في وجه التحالف السنّي العريض الذي احترم التمثيل المسيحي.
كما برزت مشكلة تمثيلية في بعض القرى المختلطة الشيعية المارونية في قضاء جبيل تم تذليلها بالحوار مع المرجعيات المحلية بعيداً عن الارجحيات العددية لكل فريق.
ز- دخلت القوى السياسية العملية الانتخابية بإدعاء واضح أنها تحتكر تمثيل طوائفها على مستوى الدولة، ثم اسقطت هذا الادعاء على الواقع البلدي المحليّ، فاصطدمت باعتراضات في كل المناطق وداخل كل الطوائف، إذ برزت جرأة شيعية في بعلبك وجبل لبنان والجنوب في مواجهة الثنائية الشيعية.
كما برزت حالة اعتراضية مسيحية على تحالف – القوات / التيار الوطني الحر في جبل لبنان (المر وأمثاله) وفي الشمال (حرب – حبيش – فرنجية – معوض…).
وبرزت معارضة سنية في وجه تحالف عريض في طرابلس قام على قاعدة التلفيق وليس على قاعدة الانسجام السياسي فكانت انتفاضة حقيقية بالمرصاد.
ح- لم يستطع اي حزب إثبات ادعاءاته بتحقيق عملية انتصار موصوفة في أي من المناطق بسبب التحالفات الهجينة وسقوط هيبة الطبقة السياسية لدى الناس وأرجحية القوى العائلية والتقليدية على حساب من يدّعي العمل السياسي الحديث والمنظم داخل الأحزاب.
ثانياً في القراءة السياسية:
أ- عندما يعود اللبنانيون إلى داخل مربعاتهم الطائفية تحت عنوان “تقوية الطائفة” بهدف حمايتها، تبرز حالة اعتراضية في وجه الاختزال في كل المناطق.
ب- بيّنت هذه الانتخابات أن عملية الاختزال التي قام بها حزب الله في طائفته قد غدت مثلاً يحتذى لدى الاحزاب الطائفية الأخرى، على قاعدة خاطئة تقول بأن الأقوى هو الأكثر مصادرةً لقرار المواطنين في مناطقهم وطوائفهم.
ج- سقطت الذريعة الأمنية لتأجيل أي إستحقاق إنتخابي قادم – رئاسي أو نيابي.
د- للبلديات نكهة أهلية عائلية تقليدية:
– في الريف يخلط الناس بين السياسة والوجاهة
– في المدن الكبرى الوصول إلى المجالس البلدية مرتبط بالنفوذ.
هـ- برزت أكثر وأكثر الحاجة لتطوير قانون الانتخابات البلدية:
– من يتكلّم عن النسبية
– من يتكلم عن ضرورة إعطاء حق الاقتراع بناءً على مكان الإقامة حيث يدفع المواطن الضرائب ويستفيد من الخدمات البلدية.
-وهناك من يتكلم عن ضرورة تطوير اهداف إتحاد البلديات وإعطائه مزيداً من الصلاحيات وفقاً لمبدأ اللامركزية الادارية.