التقديم والترجمة: مصطفى إسماعيل
يُقدِّمُ الكاتبُ “علي بيرم أوغلو ” في مقاله هذا، المنشورِ بصحيفة “يني شفق التركية يوم 25 يوليو 2009 مقاربته للانفتاح الحكومي على القضية الكوردية في تركيا، ويدعو إلى إشراك زعيم العمال الكوردستاني أوجلان في مساعي الحلِّ، الذي إذا ما تحققَ فإنه كفيلٌ بالإطاحة بالذهنية الخشبية التي أدارت الأزمة في تركيا عبرَ عقود. وإذا كانَ “بيرم أوغلو” في مقاله هذا من الذينَ لا ينكرونَ دور العمليات العسكرية النوعية التي شنها مقاتلو العمال الكوردستاني ضد ثكنات الجيش التركي في مناطق كوردستان تركيا (جنوب شرق البلاد في الاصطلاح الرسمي التركي)، وذلك حين يورد واقعتي “داغليجا” و “آك توتون” اللتين تكبد فيهما الجيش التركي العشرات من القتلى في صفوفه، إلا أنه يُذَّكرُ أيضاً بأنَّ المشروع التركي الحالي للحلِّ كانَ مُعدَّاً قبل عامين، إبانَ رئاسة “أحمد نجدت سزر” لتركيا، الذي عرقل مع العسكر مخططاً للحلِّ أعدَّه حينها مسؤول الاستخبارات التركية “إمره تانر”. ويُعدُّ “بيرم أوغلو” في هذا المقال وفي كتابات أخرى من المنتصرين لفكرة أن فشل الجيش التركي في إنهاء العمال الكوردستاني عسكرياً هو من المداخل الفعلية للانفتاح الرسمي على القضية الكوردية، بنيّة حلِّها ديمقراطياً وسلمياً. إليكم نصَّ المقال:
*
علي بيرم أوغلو : المسألة الكوردية، الدولة وأوجلان
المسألةُ الكورديةُ على الأجندةِ مُجدداً.
هذه المرَّة، تبدو مُحاولاتُ الحلِّ، وفي أقلّ تقدير انتظارُ المُحاولاتِ تلكْ على الأجندة.
هُنالكَ تحضيراتٌ من طرفينْ.
من جهةٍ أولى، فإنَّ الحكومةَ تدأبُ على إعدادِ سلةِ تدابيرَ فيما يتعلقُ بحلِّ المسألةِ. وقبلَ يومينِ فقط كانَ رئيسُ الوزراء طيب أردوغان يقولُ أنَّهم بصدد إعداد خطواتٍ مفتوحةٍ في هذا الموضوع، مُشدِّداً على أهمية دور مجلس الأمن القومي، مؤكداً على استمرار عمل الدولةِ، عبرَ تنسيق وزير الداخلية بين جهاز الاستخبارات وقيادة أركان الجيش.
هذا لا يحدثُ للمرَّة الأولى…
لكنَ التجاربَ التي عشناها خلال العامين الأخيرين، جعلت الرؤيةَ الرسميةَ المُنفتحةَ، التي تسمحُ بتناول المسألة الكوردية مُتداخلةً مع حزب العمال الكوردستاني أو بدونه، تُصعِّدُ من الانتظارات.
الآنَ، السؤالُ هوَ..
هذه المرَّة، وفي ظلَّ هذه الشروط، ما هو نوعُ الحلّ الذي سيُطرحُ؟
في هذا الموضوع، فإنَّ الزعمَ الأكثرَ قوَّةً هو الذي عبَّرَ عنهُ “فاتح جكيرغه” في مقالته المؤرخة بـ 20 تموز.
قال جكيرغه التالي:
“المشروعُ الجدِّيُ الأولُ من أجل الحلِّ هو الذي صدرَ عن مستشار “ميت” أمره تانر… عنوانُه: “مشروعٌ للإنزالِ من الجبل”، ومُلخصه التالي: الإرهابيونَ في تركيا سيتركونَ أسلحتهم، سيتمُّ غضُّ النظرِ عن عودتهم إلى منازلهم، ويُمكنُ للكوادر القيادية، وأعضاء الإدارة العليا، اللائذينَ بشمال العراق الذهابَ إلى الدولة التي يختارونها. أمَّا الآخرونَ، فيُمكنهمْ العودةُ، وبإمكانهم مُمارسةُ العمل السياسي. طبعاً، خلال هذا الفاصل، على تركيا القيامُ ببعض الانفتاحات، مثلَ فتحِ تلفزيونٍ كوردي، وجامعة. وقد عارضَ العسكرُ ورئيسُ الجمهورية حينها “أحمد نجدت سيزر” هذا المشروع. الآنَ، الوضعُ مُختلفٌ، فقدْ أطلقَ العَسكرُ يدَ السياسة فيما يتعلق بالتلفزيون الكوردي، وعبد الله غولْ الذي أيَّدَ المشروعَ حينها هوَ الآنَ رئيسُ الجمهورية”.
هذا مُمكنٌ الآنَ..
ذلكَ ممكنٌ، ويعرفُ العسكرُ، وتعرفُ المؤسسات المدنيةُ النقطةَ التي تمَّ بلُوغها.
وخاصةً بعد غارات حزب العمال الكوردستاني على “داغلجا” و”آك توتون”، فإن الأسئلة والانتقادات التي وجهت إلى وظيفة الجيش العسكرية أسهمت في خلقِ روحية مختلفة، وشكَّلَ ذلكَ أرضيةً مجتمعيةً مشروعة لخطوات من نوع العفو.
وستُنتَجُ سلَّةُ الحلِّ المأمولةِ على هذه الأرضية.
إذا ما تحققَ المُنتظرُ، فإنَّ تُركيا بحلِّها للمسألة إنما تزيلُ إحدى العقبتين الماثلتين أمامها…
ومع ذلك تُديمُ العقبةُ الثانية وجودها.
هذه العقبةُ إذا لم تحادث الدولةُ الطرفَ الثاني، مُمثَّلاً بسجن “إمرالي”( حيث يقبعُ أوجلان ) أو حزب المجتمع الديمقراطي، ولمْ تنخرطْ في علاقةٍ معهم، فهذا يعني، أنها ستعملُ على حل المسألة بأحاديةٍ، عبرَ الحملاتٍ أبوِّية الرائحة.
وهذا الموقفُ أصلاً هو استمرارٌ للسياسة الرسمية السابقة، التي ترفضُ وجودَ “الآخر”، “الطرف الآخر”، وفي الوقتِ نفسه، فإنَّ ذلكَ كوردياً يُعدُّ منْ أكبر المشاكلِ أمامَ حلِّ المسألة.
هذه الكلماتُ التي قالها قره يلانْ لـِ “حسن جمال” مُهمةٌ:
“المُخاطَبُ إما إمرالي، وإذا لم يكنْ فنحنُ، وإذا لم يكنْ فحزب المجتمع الديمقراطي، وإذا لم يكن فالعُقلاءُ من الرجالِ”.
إعدادُ أوجلان خارطةَ طريقٍ في موضوعة الحلِّ، تُعدُّ بالنسبة إليه انخراطاً في المحاولةِ، وينبغي أنْ يُؤخذَ ذلكَ على مِحملِ الجدِّ، كما وأنَّ ذلكَ يُشيرُ إلى واقعٍ سياسي آخر.
ينبغي فتحُ الآذانِ على متسعها لهذه المقولات التي قالها أوجلانُ لمُحاميه:
“سأنتهي من إعداد خارطة الطريق حتى 15 آب… سأتناولُ في خارطة الطريق الميثاقَ المللي… الميثاقُ المللي يُعبِّرُ عن اتحاد الكورد والترك… ينبغي مُباشرة العمل بتأسيسِ منبر الدستور الديمقراطي، ومناقشته، وينبغي إعدادُ دستورٍ ديمقراطي، ينبغي تحويلُ البرلمان إلى جمعية تأسيسية، وإذا كانَ ذلكَ غيرَ مُمكنٍ، ينبغي تشكيلُ جمعية تأسيسية مؤلفة من 150 شخصاً… إذا كانَ السلامُ سيتحققُ فليكن كسلام الرجال… وإذا كانتِ الحربُ ستقعُ فلتكنْ حرباً كالرجال. إذا لم يزدهر الحلُّ سأنسحب.ُ الوضعُ القائمُ في تركيا لنْ يقبلَ به الكوردُ حتى لو كانوا حَميراً، هذا الوضعُ غير مقبولٍ…”.
الإطاحةُ بالفئة الخشبية أو تقييدها هو بين يدي تركيا…
المهمُّ هو معرفة آليات الكلام…
مصطفى إسماعيل mbismail2@hotmail.com