كلما بدا الوضع الاقليمي في طريقه لانفراجات تخفف من العنف السائد في منطقتنا الا و تتراجع هذه الانفراجات بأسرع من الامال التي انطلقت معها. ففي بلادنا تجمعت كل المشكلات، اذ اصبحت مسرحا لعدة حروب متزامنة وعدة صراعات متداخلة. ويزيد الاوضاع تعقيدا ان منطقتنا لم تعد تشمل الدول العربية لوحدها كما كان الامر في السابق بل تشمل ايران وتركيا والباكستان وافغانستان والصومال واندونيسيا مما يجعلها مكانا للعنف وسط مليار مسلم يمثلون كتلة رئيسية من سكان العالم. ولو أمعنا في اسباب التطرف الاسلامي لوجدنا انه ينتج عن مسألتين متداخلتين: الاولى تمثل عقلية وطريقة في التفكير سائدة بين المسلمين حول الاسلام والدين وتفسيره وحول العلاقة مع المسلمين والغير مسلمين وحول اسباب تراجع المسلمين وطرق استعادتهم لقوتهم ودورهم. ان العنف الناتج عن اسباب دينية من اكثر انواع العنف فتكا لانه ينطلق بصورة خاطئة من جواز القتل بأسم الدين. وهذا هو الاخطر في هذا النمط من التطرف، لكنه لن يغير احوال المسلمين بل يزيدها تعقيدا وتدهورا وتضررا. لكن هناك نوع اخر من العنف في بلادنا ينتج عن الظلم والاضطهاد والاحتلال والاقتلاع والبطالة وسوء الادارة والديكتاتورية وفساد الحكم. لقد اختلط في عالمنا كل شيئ الديني مع الحقوقي بسبب ضعف الثقافة ومحدوية مناهج التعليم وانانية الفئات المسيطرة وحدة القوى الخارجية وعنف الاحتلال. ويمكن القول بأن الازمة الاقتصادية الراهنة هي الاخرى ستصب في اتجاه العنف ولن تكون لصالح التخفيف منه.
لهذا من الطبيعي ان تعود بوصلة العنف ثانية للعراق وذلك بالرغم من النجاحات الاولية، ومن الطبيعي ان تقع بعد كل انتخابات في افغانستان تفجيرات وتعبيرات عن الرفض، ومن المتوقع بعد الانتصارات ضد الطالبان في الباكستان ان تعود قوات الطالبان بهدف الانتقام من مخاسرهم. ومع كل تهدئة في الصومال يعود القتال بصورة اكثر فتكا، ومع كل انقشاع في السوادن اذا بمجازر لا توفر احدا، ومع كل امل في فلسطين جمود وانتظار وتراكم باتجاه حرب جديدة، ومؤخرا مخاوف امنية في الكويت وبقية الخليج. و بينما ينتشر العنف في هذه المناطق يزداد احتمال ان ينتشر العنف في مناطق لم يصلها في السابق.
أن العنف الراهن في العالم الاسلامي هو نتاج فشل مستمر للدول و السياسات و الانظمة. حتى الان لم تنجح عملية بناء الدول في منطقتنا، ولم تنجح عملية بناء الشعوب والاخلاقيات الوطنية المصاحبة لها، ولم تنجح اي من السياسات التي اعلنا انها اساسية لنا. فالانظمة مشغولة بنفسها وبتوريث حكمها وادارة امتيازاتها وتوزيع مناصبها وافساد مناصريها مما يذكرنا باوروبا العصور الوسطى وكأننا في قرون مضت لا قيمة للجمهور والشعب والامة والناس. وهذا بطبيعة الحال ينتج فوضى وصراع كبيرين بين فئات متناحرة. في هذا يبدو وكأن كل طائفة وفئه في العالم العربي، ونظرا لغياب مشروع الوطن الاوسع المتداخل مع مشروع النهضة، تتحول الى امة على حساب امة. هذه الوقائع تعود وتفجر عالمنا.
لهذا بالتحديد دولنا و شعوبنا تعيش هوسا في السياسة و تسيسا لكل شئ. فهناك في حاضرنا تسيس للدين و التعليم والتنمية والحقوق والانسان والعلاقة بين الطوائف والقوميات والفئات والدولة والاجهزة والادارة والاقتصاد والبيئة والعلاقة مع الخارج. والتسييس يعني ان نعامل كل قرار بتشكك، وان نفقد الرؤية للمصلحة العامة وان نعتبر كل مكسب لفئة خسارة شاملة للفئات الاخرى. اننا نعيش في بلاد فقدت الثقة اولا بنفسها وفقدت الثقة بسياسييها وقادتها وثقافتها ثانيا وفقدت الثقة بالعالم المحيط بها ثالثا.
ان العالم يسير بسرعة كبيرة، فمن الصين الى امريكا الشمالية والجنوبية الى اوروبا الى اسيا هناك تطورات كبيرة. لكن العالم العربي يسير باتجاه اخر ينبئ بمزيد من الحروب والنزاعات القاتلة. ان العالم لن ينتظرنا بل قد يبتعد عنا، و لن يساعدنا اذا لم نساعد انفسنا، ولن يقدم لنا التطور والاستقرار اذا لم ننصف حالنا. لن يكون لنا موقع في العالم الاوسع اذا ما بقينا نفجر انفسنا، نقتل اصدقاءنا، نتقاتل طائفيا، ونتهم العالم بمسؤوليته عن كل ما يقع بيننا. يجب ان يتغير هذا، فكما انتشرت مدارس العنف يجب ان تنتشر مدارس التنوير، وكما انتشر الانتحاري يجب ان ينتشر التجديدي. في كل يوم تتوالد اجيال جديدة، لهذا نحن بحاجة لجامعات جديدة، لحلول لمشكلاتنا الاقتصادية والتعليمية الانسانية، نحن بحاجة لحل لمشكلات البطالة وهي الاعلى في العالم العربي نسبة للعالم كله وبحاجة لسلام ولتحرير لاراضينا. الطريق القادم يجب ان يتكون من التجديد والتنوير والاستقلال والحرية، اما الطريق الراهن فيأخذنا بعنف نحو عصور الانحطاط.
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت