يرمز عدم تجاوب وزراء المعارضة اللبنانية مع سعي رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان الى إخراج التعيينات الإدارية الملحة بالتزامن مع العملية الانتخابية في 7 حزيران (يونيو) المقبل، والمعطلة بفعل الخلاف عليها منذ زهاء 3 أشهر، من عنق الزجاجة، الى الكثير في هذا الظرف بالذات أي قبل نحو 3 اسابيع من عمليات الاقتراع التي ستحدد موازين القوى في البرلمان الجديد.
وإذا كان الرئيس سليمان سعى الى تسوية تقوم على تمرير ما يمكن الاتفاق عليه، تمهيداً للانتقال الى حلحلة العقد في ما بقي من التعيينات مواضيع الخلاف، فإن أول ما ترمز إليه خطوة المعارضة استخدام الثلث المعطل الذي حصلت عليه في صفقة اتفاق الدوحة التي أنتجت انتخاب الرئيس التوافقي، في وجه هذا الرئيس بالذات. وهذا يعني تعطيل قدرة سليمان على صوغ التسويات على الخلافات التي تعطّل المؤسسات في الدولة.
وقد يصح قول معارضين ان ليست المعارضة وحدها من يعطّل هذه القدرة، بل ان الأكثرية بدورها عطّلت ما سعى إليه سليمان من تسوية لإخراج الخلاف على الموازنة بين رئيسي البرلمان نبيه بري والحكومة فؤاد السنيورة، (تحديداً موازنة مجلس الجنوب) من عنق الزجاجة ايضاً.
وفي إمكان أي من الفريقين ان يجد الحجج لاتهام الآخر بالتعطيل امام الفوضى السياسية المقصودة التي يعيشها لبنان حيث اختلط الحابل بالنابل، في شكل لم تعد هناك أكثرية أو أقلية. فالثانية تتساوى مع الأولى في كل شيء، بل تتفوق عليها في التعاطي مع أمور الدولة في الكثير من الحالات لأنها مدعومة بخلفية ميل موازين القوى لمصلحتها بحكم امتلاكها السلاح وقدرتها على السيطرة على الشارع كما حصل قبل تسوية الدوحة…
هكذا يسمح الأمر الواقع باتهام الأكثرية بأنها هي التي توقف عجلة الدولة، إذا تصرفت كأكثرية، بعد ان تتعذر “التسوية” التي تفهم الأقلية التوافق عليها بأنها “ديموقراطية توافقية” على ما تراه هي سليماً وليس حصيلة تنازل من هنا وآخر من هناك…
لقد اختير العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية لكي يلعب دوراً في الخروج من المأزق عبر لعب دور الحكم ويقترح التسويات الوسطية. والتجربة، منذ انتخابه، أثبتت انه لم يستطع القيام بهذا الدور إلا في الحالات التي لا يحتاج فيها الى طرح الأمر على التصويت في مجلس الوزراء (التشكيلات القضائية صدرت بعد تجميد لسنة ونصف السنة لأنها تحتاج فقط الى توقيع الرئيسين والوزراء المختصين) فهل قدر كل من الأمور الأساسية ان يلقى التعطيل لأنه يحتاج الى تصويت في مجلس الوزراء، لأن هناك ثلثاً معطلاً؟ وهو لعب هذا الدور ايضاً حين حضر قمتي غزة في الدوحة والقمة العربية العادية فأحسن لعب دور التوازن بين سورية والعرب المعتدلين…
وبين الكثير الذي يرمز إليه تعطيل التسوية التي اقترحها الرئيس اللبناني للتعيينات انه قبل 10 أيام على الذكرى السنوية الأولى لانتخابه، هناك من يسعى الى تعطيل دوره الوسطي ليعود عهده فيشبه عهد الرئيس السابق اميل لحود، أي ان يكون رئيساً منحازاً بالكامل ومن دون مواربة… أو ان يكون مثل الرئيس لحود فيلجأ في كل مرة الى سورية من اجل استخدام مونتها على حلفائها لتمرير هذا القرار أو هذا التوجه أو ذاك. وهو أمر ليس من مصلحة سليمان ولا من مصلحة سورية التي يبدو سلوكها تجاه الداخل اللبناني تحت المجهر، لأن عدم تدخلها هو شرط من شروط تطور الحوار الأميركي معها، واختبار لمدى تقدم المصالحة بينها وبين المملكة العربية السعودية. بل ان السؤال الذي يفرض نفسه هو هل لـ “حزب الله” مصلحة في ذلك، على المدى المتوسط أو البعيد، إذا كانت اعادة مرجعية الرئيس الى دمشق لا تتعارض مع مصالحه الآن؟
وبين الكثير الذي يرمز إليه ايضاً تعطيل اقتراح التسوية الذي طرحه سليمان، هو إبقاء دوره محدوداً كمرجعية يعطيه إياها موقعه الدستوري، فيلعب دوراً سياسياً كونه يمثل المسيحيين في قمة السلطة التنفيذية، وهو الدور الذي دأب المسيحيون على المطالبة باستعادته، فيما تحصره المعارضة بزعيم “التيار الوطني الحر” العماد ميشال عون، والذي كان وزراؤه الأشد قساوة في الوقوف ضد الاقتراح اول من امس. فهل يريد حليف عون الرئيسي “حزب الله” ان يحتفظ لعون بدور المرجعية المسيحية ويتجنب التسليم للرئيس به، في انتظار نتائج الانتخابات ليقرر بعدها توجهاته استناداً الى هذه النتائج؟
إن ما حصل يرمز اخيراً لا آخراً، الى تمرين خضع له الرئيس لما يمكن ان يكون عليه دوره بعد الانتخابات، التي لا يتوقف عن الأمل بأن تتغير الاصطفافات عند انتهائها كي يتمكن هو مع بعض المستقلين من لعب دور في تسيير شؤون البلاد والعباد. إنه تمرين له يستخلص منه ما يفترض ان تكون عليه الموازين داخل الحكومة المقبلة.