حسن فحص – الشفاف
تنشغل الاوساط المتابعة – العربية والغربية – بالتطورات التي يشهدها خط العلاقات بين واشنطن وطهران، خصوصا في الاسابيع الاخيرة، وبمحاولة تفسير ابعاد التصعيد والغزل الذي تطلقه واشنطن على لسان الرئيس باراك اوباما. وتعتقد هذه الاوساط بإمكانية توصل الطرفين لتفاهم بينهما قد يفتح افاقا جديدة في منطقة الشرق الاوسط على الصعيدين الجيوسياسي والاستراتيجي ويساهم في ولادة شرق اوسط جديد يقوم على معطيات لا تستبعد طهران عن لعب دور في مكوناته السياسية والامنية والاقتصادية، ولا يقلل من دور وموقع تل ابيب القلقة على مستقبلها داخل هذه التغييرات اذا ما كتب لها النجاح واستطاعت طهران فهم أبعاد الرسالة الامريكية الواضحة والمعقدة في الوقت نفسه.
ولا شك ان اروقة الادارة الامريكية، كما هي الاروقة الايرانية، منشغلة بترجمة رؤية الرئيس اوباما الحوارية والتصعيدية مع الجمهورية الاسلامية الايرانية – في آن واحد – الى نقاط وملفات يمكن ان تطرح على طاولة اية مفاوضات مرتقبة او متوقعة بين الطرفين. والجانب الايراني كذلك يحاول صوغ تصوراته للاوراق والملفات والمطالب والتطلعات والتوظيفات التي يمكن ان تشكل مادة للاستثمار في المنطقة في حال سارت الامور باتجاه ترجمة عملية لمسار التفاوض مع الادارة الامريكية.
وفي هذا السياق تعتقد طهران وبناءً على مؤشرات متعددة، ان الادارة الامريكية تدرس امكانية القبول والموافقة على عملية تخصيب اليورانيوم على الاراضي الايرانية في مخالفة واضحة لما طالبت به قرارات مجلس الامن بوقف طهران لهذه العمليات لانها تشكل مصدر قلق حقيقي واساسي للمجتمع الدولي.
ويبدو ان القيادة الايرانية ستحاول جدولة ملفات التفاوض مع ادارة اوباما انطلاقا من هذه النقطة، اي انشطة تخصيب اليورانيوم. لانها تعتبر الحصول على هذا المكسب والاعتراف من قبل واشنطن بمثابة اعتراف دولي بتحولها الى دولة نووية وعضوا رسميا في النادي النووي الدولي، لتنطلق منها وبعدها لمناقشة دورها وحجم مساهماتها في الملفات الاقليمية الاخرى.
ولا شك ان لائحة او جدول المطالب الامريكية والايرانية واضحة ومعروفة وقد تكون طويلة. الا ان ما هو مجهول لدى المتابعين هو حجم التنازلات المطلوبة او التي يمكن ان يقدمها اي من الطرفين للاخر. خصوصا وانهما لا يمكنهما تجاهل او اسقاط مراكز قرار اقليمية ذات ثقل في اي ترتيب وتركيب جديد للشرق الاوسط، مثل الدور الاسرائيلي الذي يعتقد بان التقارب الامريكي – الايراني لا يجب ان يكون على حساب الدور الذي رسمه لنفسه خلال الستين سنة الماضية من صراعه مع المجتمع العربي وانظمته السياسية. وكذلك الدور السعودي الطامح لان يكون هو الممثل والمتحدث باسم الكتلتين العربية والاسلامية في تركيبة الشرق الاوسط الجديد والمجتمع الدولي خصوصا في حال عودة الادارة الامريكية واسرائيل الى القبول بالمبادرة العربية للسلام التي اطلقها العاهل السعودي في مؤتمر القمة العربية الذي عقد في العاصمة اللبنانية بيروت عام 2002.
واذا كانت الادارة الامريكية قد وصلت الى قناعة في هذه المرحلة بامكانية اعتماد سياسة جديدة مع ايران تقوم على اشراك طهران في معالجة الازمات الاقليمية من خلال استغلال دورها ونفوذها في الكثير من هذه الملفات بشكل ايجابي، بعيدا عن سياسة العرقلة التي كانت تنتهجها طهران في الماضي القريب، الا ان طهران في المقابل ستسعى للحصول على ضمانات واعتراف بدورها وثقلها في هذه الملفات من خلال هذه المشاركة التي تشكل الهدف الاستراتيجي لها وتعزز من حضورها ودورها الجيو سياسي في المنطقة كلاعب اساس وفاعل.
من هنا، اذا كان الهدف الامريكي من وراء الدعوة الى الحوار المباشر بين واشنطن وطهران قد اسقط عن اجندته الشروط المسبقة التي اصرت عليها الادارة السابقة في عهد الرئيس جورج بوش تحت مظلة مجلس الامن الدولي، والمتمثلة اولا بوقف انشطة تخصيب اليورانيوم، فإن هذا الاسقاط للشروط سيطرح اسئلة كثيرة حول الموضوعات التي ستطرح على طاولة المفاوضات. وبالتالي فان دخول طهران في هذا المسار لن يكون سهلا او ممهدا امامها لتحقيق وفرض ما تريده من شروط ونتائج. اي ان طرفي التفاوض، وبعد استكشاف النوايا، سيكونان مجبرين على مواجهة الحقائق التي تنتج عن ذلك، خصوصا الجانب الايراني الذي سيكون عليه تقديم سلسلة من التنازلات على طاولة المفاوضات، والا فانه سيعطي الذريعة للادارة الامريكية للقول امام المجتمع الدولي بان الايجابية التي ابدتها تجاه ايران لم تنفع، وان على هذا المجتمع الدولي خصوصا اللاعبين الروسي والصيني تأييد الموقف الامريكي بحزم ودعم اي توجه تصعيدي قد يلجأ اليه وان عليه المشاركة في اي عقوبات اقتصادية قد تفرض على طهران بفعالية في اطار اجماع دولي لمحاصرة طهران وفرض ارادة المجتمع الدولي عليها، ما قد يساعد لاحقا في دعم اي قرار اكثر تشددا حتى ولو كان في تبني الخيار العسكري.
لا اوباما، ولا ادارته الجديدة، كانا غامضين حول الاهداف التي يرميان لها من وراء الحوار مع طهران. وقد توضحت هذه الاهداف من خلال حديث أوباما عن ضرورة التعاطي مع كل الاطراف ذات العلاقة مع ازمات الشرق الاوسط خصوصا عملية السلام والقضية الفلسطينية. وقد اشار صراحة الى الدور الايراني، الذي يمكن ان يكون معطلا ومعرقلا ويمكن ان يكون مساعدا في الحل، اضافة الى الخطوة العملية التي قامت بها الدبلوماسية الامريكية في اشراك ايران مباشرة في تصورات الحل للمشكلة الافغانية والتي فتحت الباب امام لقاءات مستقبلية اكثر حرارة بعد التواصل المدروس بين ممثل ادارة اوباما في الملف الافغاني ريتشارد هولبروك ومساعد وزير الخارجية الايرانية لشؤون اوروبا وامريكا محمد مهدي اخوندزاده على هامش اجتماع لاهاي حول افغانستان، والذي اعاد الى الاذهان اللقاء السابق الذي جمع بين ممثل الرئيس بوش في الملف الافغاني جيمس دوبنر ونائب وزير الخارجية الايرانية جواد ظريف بجنيف في اكتوبر عام 2001 واسس لما بات يعرف لاحقا “قناة جنيف” للتواصل الامريكي الايراني حول افغانستان.
لكن وباعتقاد بعض المسؤولين داخل الادارة الدبلوماسية الامريكية، فإن التصريحات التصعيدية التي ادلى بها اوباما عن البرنامج النووي الايراني وضرورة منع ايران من امتلاك سلاح نووي لا تعني عدم وجود امكانية للتوصل الى صفقة تقوم على الاعتراف بالامر الواقع وعدم وجود وسيلة لوقف البرنامج النووي الايراني، اي الاعتراف بالمستوى الذي وصلت اليه ايران في برنامجها النووي وانشطة تخصيب اليورانيوم، الى جانب العمل على الحفاظ على هذا المستوى الذي وصل اليه البرنامج تحت اشراف دولي، لا تعارض ايران ان يكون امريكيا، خصوصا بعد تأكد هذه الادارة عدم امكانية تراجع طهران او تخليها عن هذا الهدف والطريق المسدود الذي وصلت اليه هذه الضغوط واصرار طهران وتمسكها بحقوقها وما تضمنه لها معاهدة الحد من انتشار اسلحة الدمار الشامل، ما لم تكن واشنطن مجبرة على الدخول في عملية عسكرية لتدمير المنشآت النووية الايرانية والمنشآت المرتبطة بها، وتعرف مدى الاثار السلبية التي يمكن ان تنتج عنها.
غداً الجزء الثاني: شروط إيران، من النووي إلى لبنان والجولان وفلسطين