في اليوم العاشر من شهر سبتمبر من هذا العام احتفل علماء الفيزياء، عند الحدود السويسرية – الفرنسية، بتشغيل آلة عملاقة تكلفت تسعة بلايين يورو لإعادة “الانفجار العظيم الذي حدث منذ ما يقرب من عشرة بلايين من السنين أو ما يقرب من خمسة عشر بليوناً من السنين”.
والغاية من صناعة هذه الآلة تسريع حزمة من جسيمات ذرية دقيقة بحيث تقترب من سرعة الضوء ثم تصطدم بحزم أخرى تسير في اتجاه مضاد، وعندئذ يتحطم بعضها ويتحول إلى جسيمات أصغر وتتولد حرارة هائلة تفوق آلاف المرات قوة الشمس وحرارتها، وبعد ذلك تتولى أجهزة خاصة إحداث حالة تبريد تصل إلى ٢٧١ درجة مئوية تحت الصفر، وعندئذ يمكن دراسة طبيعة المادة المكونة للكون عند حدوث الانفجار العظيم.
ومصطلح «الانفجار العظيم» له قصة جديرة بأن تروى. وقد بدأت قصته مع مصطلح آخر هو «التمدد». وقد ورد هذا المصطلح الآخر في بحث لعالم هولندي اسمه دي ستر نشره في عام ١٩١٧ وجاء فيه أن أبعد الأفلاك عنا في حركة متباعدة عنا. وفي عام ١٩٤٠ نشر العالم الإنجليزي السير آرثر إدنجتون كتاباً عنوانه «الكون المتمدد».
وقد كان هذا الكتاب، في الأصل، محاضرة عامة ألقاها ذلك العالم في اجتماع الاتحاد الدولي لعلماء الفلك في عام ١٩١٧، وجاء فيها أن النجوم والأفلاك في تشتت، والكون بالتالي في حالة تمدد. ومعنى ذلك، في رأى إدنجتون، أن ثمة علاقة عضوية بين الانفجار العظيم والتمدد. وقد استخلص من هذه العلاقة العضوية ثلاث نتائج:
النتيجة الأولي: أن كل شيء متغير وحيث إن التغير يعني النسبية فكل شيء نسبي.
والنتيجة الثانية: أن ثمة أجراماً سماوية تبعد عنا بمسافة تقدر بما بين بليون ومائة وخمسين بليوناً من السنوات الضوئية، وتحسب السنة الضوئية على أساس أن المسافة التي يقطعها الضوء في الثانية هي ١٨٦٠٠٠ ميل.
والنتيجة الثالثة: تكمن في عدم التفرقة بين الزمان والمكان. ومن ثم فإن أي قانون طبيعي يجب أن يكون أساسه «المتصل» الذي قال عنه أينشتين، وكان يقصد به أن الزمان هو البعد الرابع للمكان.
ومعنى ذلك أن كلاً من الزمان والمكان ليس مطلقاً على نحو ما كان يتصور نيوتن وإنما هو نسبي، وبذلك يتوالى المطلق من الفيزياء النووية.
ولكن علم ما بعد الطبيعة، أي علم ما بعد الفيزياء النووية، يزعم أن موضوعه هو المطلق فهل زعمه مشروع؟
أظن أن الذي تولى الإجابة عن هذا السؤال هو الفيلسوف الألماني عمانوئيل كانط في القرن الثامن عشر، إذ ارتأي أن البحث عن المطلق مشروع، ولكن الزعم بإمكان اقتناص المطلق غير مشروع، لأن ذلك القنص ليس في قدرة العقل.
لماذا؟
لأن البراهين التي يدلل بها العقل على أن الله موجود مساوية في القوة للبراهين التي يدلل بها العقل على أن الله غير موجود. ومع ذلك فإن كانط يرى أنه إذا كان العقل عاجزاً عن الاختيار بين هذين الضربين من البراهين فالإيمان قادر على ذلك، ومن ثم ينفصل الإيمان عن العقل ويلتحق بالإرادة، وعندئذ نقول أنت وما تريد، وتقول الآية القرآنية «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر». وفي المسيحية تيار لاهوتي شعاره «أؤمن لأنه غير معقول».
والسؤال إذن:
أين يذهب العقل بعد ذلك؟
إلى البحث عن علاقة الإنسان بالكون استنادًا إلى الفيزياء النووية، ولكن ليس من زاوية البحث كغاية وإنما من زاوية البحث كوسيلة للوعي بالكون من أجل التحكم فيه، أو بالأدق من أجل تأنيسه حتى لا يشعر الإنسان بالغربة.
ومن غير ذلك فإن الإنسان سيظل قابعاً في مرحلة الطفولة حيث السيطرة للا وعي دون الوعي. واللاوعي مشحون بالأساطير والخرافات، والتحرر منها أمر لازم ومطلوب.
وهذا التحرر ليس ممكناً إلا بالغوص في الأعماق أو بالأدق في البدايات. وإعادة الانفجار العظيم هي بداية الوعي بالكون.
* القاهرة
نحو عقل فلسفي: بداية الكونوالله جزاك الله خير على مقالتك الاكثر من الرائعة اذ اجدها تسرد الواقع بحذافره و لكن اجد ان من المستحيل التسوية بين البراهين التي تدل على ان الله خالقنا و خالق المادة جمعاء و بين ما يقابلها و على فكرة الله ليس موجود لان صفة الموجودة تستدعي موجده اذ هي صفة للمفعول و هذا يستدرج وجود فاعل على كل حال و كما قال اخي محمد ليس هناك عقل فلسفي و عقل ديني……. و الله ارى انه لا توجد دلائل اصلا على نفي كون الله هو الموجد لكل شيء اذن و ان حاولنا و لن نستطيع ذلك… قراءة المزيد ..
نحو عقل فلسفي: بداية الكون
اذا كانت هناك بدايات كما تقولون فماذا كان قبل هذه البدايات ؟ و كيف بدأت هذه البدايات و من و كيف و لماذا تقرر أن تكون هناك بدايات ؟؟؟؟
و اذا لم يكن هناك خالق للكون و سبب أول لكل شيء فمن أين جاءت هذه الفكرة الى العقل ؟؟؟ اذا لم يكن هناك اله أو خالق أو سبب أول فما الذي يجعل عقل الانسان و هو من المادة و مرحلة متطورة منها ما الذي يجعله خالقا لفكرة وجود خالق ؟؟؟
نحو عقل فلسفي: بداية الكون
أمر مضحك فعلا . ان جملة ( أدلة تنفي وجود الله ) هي بحد ذاتها وجود على دليله . و لا أجد أن الامر يحتاج لشرح اذ هو واضح بالبديهة .
نحو عقل فلسفي: بداية الكون
السيد وهبه..مقالتك رائعه وعميقه المعاني والاهداف ولكن احب ان انوه وهذا رائى بطبيعة الحال ان العقل هو العقل وليس هناك عقل فلسفي او عقل ديني او عقل علمي او الخ…فكل نتاج الدماغ البشري هو من عمل العقل ولكن تختلف درجات الوعي بين عقل واخر..هذا من ناحيه..اما من ناحيه اخرى احب ان تسرد لي وفق وجهة نظرك تلك البراهين اللتي تنفي وجود الله واللتي هي بقوة البراهين اللتي تثبت وجوده…ولك مني كل الاحترام.