بقلم جمال البنا ٣/٩/٢٠٠٨
بشرتنا الصحف بأن حج هذا العام يضم ٣٥٠ ألف معتمر و ٧٥ ألف حاج، ورأي البعض في هذا دليلاً علي شدة إيمان المصريين!!
معروف بالطبع أن الله تعالي أوجب الحج علي من استطاع إليه سبيلاً، لأن الحج رحلة طويلة تستنزف مالاً وجهدًا، وتفترض صحة يمكن بها أداء مناسكها من طواف أو سعي أو رمي عقبة أو المبيت في خيام.. إلخ، لهذا فرضها الشارع علي من استطاع إليها سبيلاً، كما جعل الفرض مرة واحدة في العمر، فإذا أداها فقد أدي الفريضة.
والحج هو أكثر الشعائر الإسلامية طقوسية، وهو في الحقيقة استعادة الظهور الأول للعرب والإسلام في الحجاز، عندما ترك سيدنا إبراهيم زوجته هاجر وابنها الرضيع إسماعيل في هذا الوادي المقفر، واشتد العطش بالرضيع وطفق يبكي، وأخذت أمه الملتاعة تسير تائهة وتسعي بين الصفا والمروة، ثم تبحث عند الكعبة حتي يعثرها الله علي زمزم التي تتفجر بالمياه العذبة وتشرب ويشرب رضيعها، ويشب إسماعيل ويتزوج من قبيلة جُرهم، لتبدأ شجرة النسب التي ستكون ثمرتها العظمي رسول الإسلام.
والحج أيضًا استعراض لقوة وعالمية وديمقراطية الإسلام، فليس هناك دين له من القوة علي أتباعه ما يجعلهم يأتون من أقصي الأرض خالعين ملابسهم، وواضعين زي الإحرام الذي لا يميز الأمير من الخفير، ويطوعون ألسنتهم لكي تنطلق «لبيك اللهم لبيك»، إن تجمع ثلاثة ملايين مسلم من مختلف أقطار الأرض شمالاً وجنوبًا وشرقاً وغربًا من أفريقيا الحارة حتي كندا الباردة في مكان واحد، وفي وقت واحد، هو أعظم صورة لعالمية تطوعية تقوم علي إيمان وتتساقط فيها كل عوامل الفروق من جنس أو لغة أو ثروة أو جاه أو لون.. إلخ.
والمؤسف الذي يدل علي أنه «لا تفكير» لدي الشعوب والقادة ألا تستغل هذه الفرصة النادرة التي لا تحدث للشعوب الأخري، لتكون مناسبة لدراسة التحديات أمام العالم الإسلامي التي يقدمها العصر الحديث.
إن الإجماع الذي اعتبر ثالث أصول الفقه إذا كان يمكن أن يتحقق فهذا مكانه وزمانه، وليس ما هو أسهل من أن يستخلص من الملايين الثلاث عشرة آلاف يمضون أسبوعًا أو اثنين لدراسة ما يجابه الإسلام من تحديات وليخرجوا بقرارات هي اقرب ما تكون إلي الإجماع، إن مثل هذا الأمر لم يخطر لا للحكومات، ولا للجماهير، لأنها لا تأخذ أمر دينها مأخذاً جادًا يقوم علي الفكر والعقل، ولكن علي العادة والتقليد.
***
ما يهمنا علي كل حال في هذا المقال هو أن مصر تقدم ٣٥٠ ألف معتمر يتهافتون علي العبارات المشؤومة ذات الذكر السييء ويعانون مشاكل التكدس لكي يؤدوا العمرة.
إذا كان الحج فرضًا، فإن العمرة ليست فرضًا، كما أنها ليست سُـنة، لأن «قريش» حالت دون أن يقوم المسلمون بعمرتهم عندما رفضت قريش ذلك، وآثر النبي أن يدخل في صلح الحديبية، التي رجعوا فيها دون أن يمضوا عمرتهم.
حقاً إن هناك عددًا من الأحاديث تمتدح العمرة وتحث عليها وتثيب صاحبها بأعظم المثوبات، ولكن الأحاديث التي تتناول القربات هي من أقرب الموضوعات إلي «الوضاع الصالحين»، الذين يضعون الأحاديث حسبة ولإرهاف حاسة الإيمان لدي المسلمين، ومن ثم فمن الأفضل عدم أخذها كما لو كانت أحاديث صحيحة.
إن كل واحد يعلم أن الأغلبية الساحقة من الذين يحجون يكون لهم مآرب أخــري مادية، ولو أن الحكومة أصدرت قانوناً يحــرم تكرار الحج أكثر من مرتين أو ثلاثة لما حرمت حلالاً، وإنما حالت دون استغلال الحلال في الاستيراد واختراق القوانين المنظمة لذلك، فضلاً عن إخراج أموال بمئات الملايين من البلاد دون أن يكون ذلك في سبيل «فرض» إسلامي، لأن الفرض الإسلامي هو الحج مرة واحدة، بعدها تكون الحجات نوعًا من القربات.
من أجل هذا، وللاعتبارات التي سندلي بها فيما سيلي فقد يكون من الخير لو نزلنا بهذا الرقم من ٣٥٠ ألفاً إلي بضع مئات.
أما بالنسبة للحج فنحن لا يمكن أن نمنع من استطاع إليه سبيلاً، ولم يسبق له الحج أن يؤدي الفريضة، ولكن اشتراط الاستطاعة وعدم الحج السابق يمكن أن ينزل بعدد ٧٥ ألفاً إلي أربعين ألفاً.
أذكر أنني من أربع سنوات خلت دُعيت من أحد أبناء الأسرة الحاكمة في السعودية ألف أن يقيم في رمضان حفلاً تلقي فيه أربع محاضرات، كل محاضرة في أسبوع من أسابيع رمضان، وكانت محاضرتي هي الأخيرة وكانت عن الجهاد، وعندما وصلت اتصل بي أحد المسؤولين وسألني هل تريد القيام بعمرة؟ إن عمرة في الأسبوع الأخير من رمضان هي أقصي ما يتمناه الناس، ولكني رفضت، وقلت : إني حضرت لألقي محاضرة، والأعمال بالنيات.
وهذا وحده هو الذي يضع الحج في الصورة التي يجب أن تأخذها في دولة كمصر، وهو وحده الذي يحول دون استنزاف ثروة الأمة.
ليس لدي فكرة دقيقة عن مجموع ما تتكلفه عمرة ٣٥٠ ألفاً وحج ٧٥ ألفاً، ولكني أذكر فحسب من باب الاعتبار الذي يثير الذهول، إنني حججت مع أمي عام ١٩٦١ فأخذنا كابينة درجة ثانية في الباخرة سودان ودفعنا ثمنها ستين جنيهًا، وكانت الرحلة مريحة والخدمة ممتازة.
إذا فرضنا أن تكلفة المعتمر سبعة آلاف جنيه، وأن تكلفة الحاج عشرين ألف جنيه، فإن هذا يكون مبلغ خمسمائة مليون جنيه.
علي أن هذه هي التكلفة الرسمية، أي تكلفة السفر والإقامة، أما ما يعده الحاج والمعتمر لرحلته، وما يأخذه من مال للإنفاق هناك فقد لا يقل المجموع عن ٢٠٠ أو ٣٠٠ ألف جنيه، وبذلك يصير مبلغ التكلفة ٧٠٠ أو ٨٠٠ ألف جنيه، ولو أخذنا بما ذهبنا إليه من الهبوط لعدد العمرة والحج فإن هذا يمكن أن يوفر لنا نصف هذا المبلغ علي الأقل بحيث يصبح ٤٠٠ ألف جنيه.
***
عندما يتحدث القرآن الكريم عن الجهاد فإنه يشير إلي «الذين يجاهدون بأموالهم» قبل «الذين يجاهدون بأنفسهم»، ومن المحتمل أن يكون السر في هذا أن الجهاد في سبيل الله بالمال يعني الجهاد للعيش في سبيل الله، أما الذين يجاهدون بأنفسهم فإنه يعني الجهاد للموت في سبيل الله، وبداهة فإن الأمم لا توجد بالموت في سبيل الله، ولكن بالعيش في سبيل الله، وهو ما يتحقق بالجهاد بالأموال.
لو تبين للمسلمين هذا المعني لحكموا بأن بذل الأموال «في سبيل الله»، التي تضم الاستخدام الاقتصادي المنتج والمشروعات الخيرية والمشروعات التي يراد بها خدمة الجماعة والجماهير العريضة، أقول لعرفوا تمامًا أن هذا أفضل من الجهاد في سبيل الله بالنفس التي تعد أسمي صور الجهاد.
ولو نظر كل حاج يميناً وشمالاً لرأي عشرات الحالات التي هي في أمس الحاجة إلي الدعم، فهناك مرضي لا يجدون علاجًا، وجهلة لا يجدون تعليمًا، وزيجات متوقفة لعدم وجود شقة أو مهر، وهناك أطفال لم يدخلوا مدرسة، ولم يروا الشيكولاته، ويعملون أشق الأعمال لإعالة الأسرة، ويمكن لكل حاج بما ينفقه في الحج أن ينقذ عشر حالات من أسر الفاقة والحاجة.. إلخ.
لقد ضرب لنا الدكتور يونس صاحب بنك جرامين كيف أنه بدأ بعشرات المشاريع الصغيرة كل واحد لا يتطلب سوي عشرة وبالأكثر مائة جنيه، وكيف أن هذه الفكرة نجحت نجاحًا عظيمًا، وانتشلت الآلاف من أسر الفاقة والبطالة والضياع.
إن الأمم لا تتقدم بما تقوم به الحكومة من مشروعات تضيع ثمرتها ما بين الروتين والرشوة، ولكنها تقوم بالمشروعات التي يتولاها أفراد مؤمنون، وهي مشروعات لا تتطلب مصروفات إدارية ولا مكاتب مكيفة، ويمكن أن تؤدي في البيوت وتقوم بها ربة البيت أو الأطفال.. إلخ، ومع هذا تنفذ في صميم اقتصاد الواقع وتؤدي أثرها فورًا ومباشرًا.
عندما يكون الحاج وسط أهله وعشيرته، في قريته أو في حيه، وعندما يتعايش مع الناس ويتجاوب مع همومهم وآلامهم، وعندما يخدم بماله قدر ما يستطيع فإنه في الحقيقة «يحج» وهو في مكانه، ولعله أقرب إلي الله من أناس يبحون ألسنتهم ويرفعون أصواتهم «لبيك اللهم لبيك».
المصري اليوم
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=131768
يا هذا يامدعو SSS
احترم نفسك التخلف بعينة هو ان تشرك بالله الله واحد احد وليس ثلاثة عموما لن انزل الى مستواك المنحط نحن ولله الحمد نعبد الله الواحد الأحد الذى لا شريك له نؤمن بكل انبيائه ورسله وكتبه وبمحمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء واالرسل السيد المسيح نفسه كان عبدا لله وما ذال ربنا يهديك يارب
اتفق تماما مع مقال الأستاذ جمال البنا
٣٥٠ ألف معتمر و٧٥ ألف حاج.. ما معنى هذا؟
الحج اكبر عقوبة على الاطلاق بعد صوم شهر رمضان فرضها بدوي على المتخلفين عقليا في كل زمان ومكان.
٣٥٠ ألف معتمر و٧٥ ألف حاج.. ما معنى هذا؟
معني هذا يا أستاذ جمال أننا شعوب أصابتها لوثة تحتاج لعلاج عقلي ونفسي … طارق حجي