بعد مقتل 10 جنود فرنسيين في كمين نصبه له “الطالبان” في باكستان (ربما بمشاركة مقاتلين من جماعة حكمتيار، حسب جريدة “الفيغارو” اليوم)، فقد تجدّد الإهتمام الفرنسي بحرب أفغانستان التي يشارك فيها 3000 جندي فرنسا معظمهم من قوات النخبة.
وقد نشرت جريدة “لوموند” بعد ظهر اليوم الخميس، المقابلة التالية مع الصحفي الباكستاني “أحمد رشيد”. يشير أحمد رشيد في هذه المقابلة إلى أن الطالبان يسعون لـ”خلق أزمة ضمن حلف الأطلسي تدفع بلداً أو إثنين من أعضائه إلى إعلان سحب قواته من الإئتلاف العسكري الذي يقاتل ضدهم في أفغانستان”. فهل كان الكمين، المعدّ بعناية، الذي تعرّض له الجنود الفرنسيون خطوةً بهذا الإتجاه؟ وهل يعني وقوع الكمين في منطقة يتواجد فيها مقاتلو “حكمتيار” أن هنالك خيطاً “إيرانياً” في هذه العملية؟
يعتبر أحمد رشيد أن “القاعدة” اليوم أقوى مما كانت في العام 2001.
*
يُعتَبَر “أحمد رشيد” أفضل خبير في العالم بحركة “الطالبان”.
بعد التخرّج من جامعة “كامبريدج” انخرط أحمد رشيد، بحكم قناعاته الماركسية، في حركة إنفصالية مسلّحة في إقليم “بالوشتستان” الباكستاني في أواخر الستينات. ثم اكتشف أفغانستان حينما قام الرئيس “داوود” باستقبال المقاتلين البلوش. وشهد الإنقلاب العسكري الشيوعي في كابول، ثم وصول الدبابات السوفياتية في العام 1979.
وبعد أن تحوّل إلى صحفي، ثم إلى كاتب، فلم يتوقّق أحمد رشيد منذ تلك الحقبة عن الطواف في باكستان وأفغانستان، مع التركيز على الحركات الإسلامية فيهما. وفي سنوات التسعينات، كان أحمد رشيد أوّل من نبّه إلى خطورة حركة “الطالبان”. ثم وقعت عملية 11 سبتمبر.. وأصبح كتابه ” ظل الطالبان” (2001) واحداً من أكثر الكتب مبيعاً في العالم. ويمثّل كتابه الأخيرDescent into Chaos (Viking, 2008) نقداً عنيفاً لسياسة الولايات المتحدة وحلفائها إزاء أفغانستان وباكستان منذ العام 2001.
• ما هو وضع حركة “الطالبان” في أفغانستان وفي باكستان الآن؟
– نشهد اليوم أول هجوم مزدوج يشنّه الطالبان، في أفغانستان وفي باكستان، منذ 11 سبتمبر 2001.
تقضي إستراتيجية الطالبان الحالية بالسيطرة على أكبر قدر ممكن من الأراضي، وبإحراز أكبر قدر ممكن من النفوذ لدى السكان، وبخلق أزمة ضمن حلف الأطلسي تدفع بلداً أو إثنين من أعضائه إلى إعلان سحب قواته من الإئتلاف العسكري الذي يقاتل ضدهم في أفغانستان.
ويبحث الطالبان عن فرص للتدخّل في الميدان الدولي كذلك بسبب الإنتخابات الأميركية والفراغ الذي ستعيشه الولايات المتحدة خلال عدة أشهر. فحتى لو أراد الأميركيون إرسال تعزيزات إلى أفغانستان، فإنهم لن يكونوا قادرين على ذلك.
ويعطي الطالبان لمعركتهم بُعداً سياسياً واستراتيجياً حقيقياً. وسيتزايد عد المعارك حتى تسلّم الرئيس الأميركي المقبل مهامه. ثم، في يومٍ ما، سيجد الأميركيون وحلف الأطلسي أنفسهم مضطرين للتفاوض مع الطالبان.
• هل يمثّل الهجوم المزدوج ضد القاعدة الأميركية في “خوست” وضد الدورية الفرنسية قرب كابول إشارةً إلى تكثّف العمليات العسكرية للطالبان؟
– يتدفّف الآن مئات من المقاتلين من العراق، وهم من العرب. كما يصل كثير من الباكستانيين، وإسلاميون من منطقة كشمير، ومقاتلون من آسيا الوسطى. وجميع هؤلاء أفضل تدريباً وأفضل تجهيزاً مما كانوا في الماضي. الواقع أن العملية التي تعرّض لها الجنود الفرنسيون ليست إستثنائية. إن الهجمات العسكرية والعمليات الإنتحارية تتزايد تعقيداً، وسوف تستمر.
ويتم تجنيد المقاتلين في الجانب المقابل من الحدود، أي في باكستان. وعلينا ألا ننسى أن عدد “البشتون” الباكستانيين يضاهي عدد “البشتون” الأفغان. إن “الطالبان” لا يواجهون أية صعوبة في تجنيد المقاتلين.
بالإجمال، أن حركة تقاتل بطريقة حرب العصابات تخسر الحرب حينما تفتقر إلى الرجال وإلى وسائط القتال. ولكن يعصب التغلّب على تمرّد لا يفتقر إلى الرجال ولا يفتقر إلى الموارد المالية، كما هو حال الطالبان الذين يعتمدون على أموال المخدرات.
• بمعزل عن “الطالبان” كحركة عسكرية، هل هنالك تمرّد شعبي بشتوني؟
– بديهي أن عمليات القصف التي قامت بها قوات حلف الأطلسي، والإستخدام المبالغ للقوة الجوية والعدد الكبير للقتلى المدنيين قد أثار إستياء السكان المدنيين. إن دماء المدنيين التي أريقت هي إحدى أسباب نجاح الطالبان في تعبئة المقاتلين في أفغانستان. أما الأسباب الأخرى فهي دينية، وقَبَلية، وعائلية..
• ألن تصبح المشكلة الرئيسية باكستان نفسها، حيث يتمركز الطالبان وحلفاؤهم؟
– إن من نطلق عليهم اليوم تسمية “طالبان باكستان” هم قبائل “البشتون” التي استقبلت الطالبان الأفغان ورجال “القاعدة” بعد هزيمتهم في كابول في العام 2001. في ذلك الحين، لم يكن هؤلاء الإسلاميون الباكستانيون منظّمين، حتى لو كانوا قد قاتلوا مع الطالبان في أفغانستان في سنوات التسعينات. ولكن السنوات التي قضوها إلى جانب الطالبان الأفغا و”القاعدة” درّت عليهم أموالاً طائلة. وهكذا تعزّز نفوذ قبائل “البشتون” هذه، وقامت بتشكيل ميليشياتها الخاصة، كما أصبح لها برنامجها السياسي الخاص. لقد نجحوا في “طلبنة” شمال غرب باكستان.
هذا كله أفاد “طالبان أفغانستان” الذين وجدوا ملاذاً حقيقياُ في باكستان.
• تتهم أفغانستان والهند المخابرات الباكستانية، أي جهاز “أي إس أي”، بمؤازرة الطالبان. ويبدو أن واشنطن مقتنعة بهذه الإتهامات..
– من الصعب معرفة مدى تورّط جهاز “أي إس أي” (ISI) . ولكن لا جدال في أن هجمات معقدة إلى هذه الدرجة مثل الهجمات الإنتحارية التي وقعت في كابول، ومحاولة إغتيال كارزاي، كانت موجّهة من أراضي باكستان. وفي باكستان، كذلك، يتعلّم الطالبان تكتيكاتهم الجديدة، ويحصلون على المتفجرات..
ويعود ذلك كله إلى إهمال الولايات المتحدة التي رفضت أن تتمعّن في ما كان يجري على الجانب الباكستاني من الحدود، وكذلك بسبب تورّطها في العراق.
• بات الطالبان قريبين من كابول. هل تعتقد أنهم سينجحون في يومٍ ما في فتح عاصمة أفغانستان؟
– لا يملك الطالبان القوة الكافية لفتح المدن، في حين أن حلف الأطلسي قوي جداً. ولكن القوات الغربية ستصبح محاصرة في المدن وفي قواعدها العسكرية. وقد قُتِل عدد من العاملين في المنظمات الإنسانية، التي باتت تفكّر بمغادرة أفغانستان. ثم أن الإقتصاد يعيش حالة ركود قاتل. إن أفغانستان ستتعرّض للشلل في المستقبل.
• هل الملا عمر مسؤول ديني أم أنه القائد الحقيقي لـ”الطالبان”؟
– إنه القائد. الروحي طبعاً، ولكنه يدير الإستراتيجية وهو صاحب القرار في الحملات العسكرية.
• هل تعتقد أن سياسة باكستان إزاء الطالبان سوف تتغيّر؟
– آمل في أن يحصل تغيير. إن الدولة الباكستانية نفسها في خطر، واستقرار باكستان مهدّد. لا يمكن فصل حركات الطالبان الأفغان والباكستانيين، لأن طالبان أفغانستان يوفّرون شرعيتهم لطالبان باكستان ويلعبون دور القيادة فيهم.
إن على حكومة وجيش باكستان أن يتحرّكا. وقد قام قائد جيش باكستان بزيارة إلى كابول، وهذا لم يحدث من قبل. وقد استأنف جيش باكستان القتال في مناطق القبائل، وآمل أن تكون حملته العسكرية جدية ومديدة.
• هل تعتقد أن هنالك أملاً في تغيير الإستراتيجية الأميركية؟
– ينبغي أن تفهم الولايات المتحدة أن هذه الأزمة هي أزمة إقليمية. إن الزعم بأنه يمكن إحتواء الحرب الأفغانية داخل حدود أفغانستان كان دائماً خطأً كبيراً. إن هذه الحرب تمس إيضا باكستان، وآسيا الوسطى، وإيران.
لقد أصبح الطالبان ظاهرة إقليمية، وبات مطلوباً القيام بمبادرة ديبلوماسية إقليمية. ينبغي النقاش مع كل بلدان آسيا الوسطى. وينبغي كذلك إقناع الهند بمساعدة باكستان على حلّ مشكلاتها الأمنية عبر تسوية قضية كشمير.
• هل “القاعدة” أقوى أم أضعف مما كانت قبل 11 سبتمبر 2001؟
– في باكستان وفي المنطقة كلها، “القاعدة” اليوم أقوى مما كانت في العام 2001. وقد تلقى “الطالبان” دعماً قوياً من “لقاعدة”، وتعلّموا تكتيكات جديدة، وتعلّموا كيفية تنظيم العمليات الإنتحارية.، وكيفية تنظيم عملهم الإعلامي. إن عملية إعادة تنظيم “الطالبان” منذ العام 2001 تحمل توقيع “القاعدة”.
من جهة أخرى، تستمر “القاعدة” في تدريب الأجانب، في قواعد آمنة. ويتألف هؤلاء من العرب طبعاً، ومن الباكستانيين، ولكننا نعرف أن بينهم الآن أوروبيين كذلك. لقد عانت “القاعدة” في العراق بالتأكيد، ولكن قوتها آخذة في التزايد في منطقتنا.
أجرى المقابلة “ريمي أوردان”
ترجمة بيار عقل